مواضيع اليوم

تراجيديا الاستشراق .. وجهة نظر غربية

محمد محمود كالو

2010-02-10 11:40:54

0

تراجيديا "الاستشراق".. وجهة نظر غربية

جيمس باستو

ترجمة - محمد مسعد


ربع قرن يمر هذه الأيام على صدور كتاب إدوارد سعيد البالغ الأهمية: الاستشراق. وربما كانت المناقشات حوله وإعادة قراءته ونقده هي الشاغل الثقافي الأول في العالم الآن، على الأقل فيما يتصل بعلاقات الشرق بالغرب. وفي الشهر الماضي (أغسطس 2003)، في إحدى القاعات العريقة بالجامعة الكاثوليكية بأوتريخت بهولندا، التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر، كان لقائي بالدكتور جيمس باستو، حيث استمعت بشغف إلى محاضرته: "تراجيديا الاستشراق". في الأيام التالية كانت لنا لقاءات متكررة، ناقشنا فيها محاضرته وما تفرع عنها من موضوعات شتى، حيث التقت رؤانا وتفرقت، في إطار من الصداقة العلمية والاحترام المتبادل.
وفي السطور اللاحقة للتقديم أترجم لمحاضرته القيمة. أما ما دار بيننا من حوار، فقد اقتصرت فيه على مجموعة محددة من الأسئلة المتعلقة بصفة مباشرة بالمحاضرة، وسوف نقدمها لقراء "إسلام أون لاين.نت" قريبًا حين ينتهي الدكتور باستو من الإجابة عنها.

انطلقت المحاضرة من عمل إدوارد سعيد، شديد الأهمية والمثير للجدل، "الاستشراق"، والذي يدرس فيه كيف تناول الأوروبيون خاصة والغربيون عامة "الشرق".. كيف فهموه وتعاملوا معه من خلال التجربة والتاريخ الأوروبي.

لا يهتم إدوارد سعيد في عمله بإظهار تناقض ما بين "الاستشراق" -أي الرؤية الغربية للشرق- وبين "الشرق" باعتباره واقعًا مغايرًا، بل يهتم فقط بدراسة وفحص تكوين خطاب الاستشراق. وكما يؤكد إدوارد سعيد في صفحات كتابه فإن الافتراض الأساسي الذي بنى عليه المستشرقون خطابهم، هو وجود اختلاف جذري وتناقض حتمي بين الشرق والغرب، الشرق المتخلف المظلم التقليدي، والغرب المتقدم المستنير الحديث، هذه الفرضية وهذا التمايز يؤدي إلى تعريف للذات "الغربية" وتعريف للآخر "الشرقي"، أي أن معرفة الذات في هذه الحالة تغدو مستندة استنادًا أساسيًّا إلى صورة سلبية لآخر شرقي وهمجي.

واقتفاء لمنهج ميشيل فوكو في تحليل الخطاب -وإن كان هذا الاقتفاء يتم بشكل ميكانيكي مبسط- يقوم إدوارد سعيد بدراسة ما يدعم هذا الخطاب من مؤسسات، ومعاهد دراسية، ومفاهيم ومصطلحات، وتخصصات علمية، وبيروقراطية استعمارية... إلخ.

محاضرة جيمس باستو تنطلق تحديدًا من عبارة قصيرة أوردها إدوارد سعيد في مقدمة كتابه، ويأسف المحاضر أنها لم تلقَ عناية الباحثين خلال الأعوام الطويلة الماضية. هذه العبارة يلفت فيها إدوارد سعيد أنظارنا إلى التشابه البنيوي، بل والتاريخي، بين "الاستشراق" و"معاداة السامية". يؤكد باستو على هذه الملاحظة، ويعيد لفت أنظارنا إلى مسئولية سعيد نفسه عن هذا التجاهل، بوضعه الاستشراق كظلم متراكم للشرقيين "الفلسطينيين" ينتهي بإقامة الدولة الفلسطينية، كمقابل وموازٍ لمعاداة السامية كظلم متراكم للشرقيين "اليهود" ينتهي بإقامة دولة إسرائيل.

يتقدم المحاضر سريعًا إلى معاداة السامية في ألمانيا باعتبارها استشراقًا ألمانيًّا ضد شرقيي ألمانيا: اليهود، ويحلل برشاقة دور شراح الكتاب المقدس، خصوصًا دي ويت، في التوظيف السياسي للنصوص المقدسة، حيث يمايز دي ويت بين العبرانيين (بنو إسرائيل قبل النفي البابلي) واليهود (بنو إسرائيل بعد النفي) باعتبار العبرانية خطاب التنوير والتقدم، أما اليهودية فهي خطاب الظلام والتخلف. أما دولة ألمانيا الحديثة فهي التي ستعيد الأمور إلى نصابها، بعودة خطاب التنوير والحداثة، وإدماج اليهود في الدولة ليتخلصوا مما علق بهم من تخلف بعد النفي.

يلقي المحاضر الضوء على لونين متناقضين من الخطاب اليهودي المقاوم لخطاب دي ويت ومن تبعه. الخطاب الأول يرى النفي باعتباره حلقة في سلسلة التاريخ اليهودي، أدى إلى انتشار رسالة اليهود التنويرية في العالم، وبالتالي لا توجد مشكلة في أن تكون يهوديًّا متمسكًا، وفي نفس الوقت ألمانيًّا معاصرًا. أما الخطاب الثاني فهو صهيوني، يعترف بمقولة دي ويت ويرى أن الرجوع إلى العبرانية المستنيرة لا يكون بالاندماج في الدولة الأوروبية، بل بالرجوع إلى أرض الأجداد العبرانيين، لوصل ما انقطع من استنارة، وإقامة دولة إسرائيل.

هنا يتحرك بنا المحاضر ليبين كيف أن خطاب الاستشراق، وصيغته الألمانية معاداة السامية، الذي أريد به اضطهاد اليهود، تمّ تبنيه من يهود إسرائيل حين رأوا أنفسهم باعتبارهم غربيين مستنيرين في مواجهة شرقيين عرب همجيين وبدائيين.

ولا يتوقف المحاضر عند هذا الحد، بل يبين كيف أن هذا الخطاب أدى بيهود إسرائيل الغربيين إلى اضطهاد يهود الشرق أيضًا، باعتبارهم عربيي الثقافة والمنشأ، بحاجة إلى التنوير الغربي.

في نهاية محاضرته يلقي باستو بمفاجأة، لم تلق اهتمامًا في هولندا، وأحسب أنها تهم قراء "إسلام أون لاين.نت"، حين اعتبر أن بعض المسلمين -وذكر منهم سيد قطب- قد تبنوا خطاب الاستشراق الغربي ذاته، بتأسيس خطابهم على تناقض حتمي وجذري بين الشرق والغرب، كما استخدموه بنفس الطريقة التي استعملها صهاينة إسرائيل، بأن وضعوا اليهود، المفترض شرقيتهم، في نفس الجانب الغربي، وككيان مستمر متجاوز عبر الزمان يعادي ويضاد العرب الشرقيين.

يختم المحاضر محاضرته بحلم أن يكون الاهتمام بملاحظة سعيد العابرة، والبحث عما هو مشترك بين العرب واليهود، سبيلاً لمصالحة تاريخية ومستقبل خالٍ من الصراع.

لندع المحاضر مع حلمه، وننتقل الآن إلى ترجمة محاضرته الشيقة، ويسعدني أن أنقل للمحاضر بعض أسئلتكم الجادة، ربما يود الإجابة عنها، وذلك على هذا العنوان:

mohamedmosaad@Islam-online.net

--------------------------------------------------------------------------------

أستاذ الأنثربولوجي/ جامعة ماساشوستس بالولايات المتحدة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !