كثيرا ما تساءلت وسالت عن سبب هذا التدني المخجل والمحبط الذي بات يئن منه تعليمنا لدرجة الغبن الملتبس الثقيل المعتق ,رغم كل الجهود المبذولة من الجهات المعنية للارتقاء به الى مراتب النجاح والفلاح والرقي, لمواكبة سيرورة ومستجدات الحضارة والحداثة والعولمة من خلق وابداع معرفي علمي او تكنولوجي عولمي ميزة هذا العصر.,الا انني كلما تعمقت في السؤال ,الا ووجدت ان المسالة بالفعل جد صعبة واكاد اقول متشابكة الاطراف متداخلة المسؤوليات مادام الامر يتعلق بنسق تربوي متكامل ومتفاعل اخذا وعطاءا,تاثرا وتاثيرا بل ارادة وادارة ,وتخطيطا وتنفيذا وتقويما, وتصحيحا. فمن اين تبدا الجودة اذن؟؟؟ .
هل تبدا الجودة من حسن عملية استبصار لقيم وفلسفة ومرجعياتها,او عمق بيداغوجية وترتيبات ابعادها وما قد ينجم عنها من ايجابيات لاحقا على نسقنا التعليمي ككل؟ ام تبدا من جودة تطوير البرامج والمناهج حيث ضرورة اعتمادها على منبع صاف زلال ورؤية واضحة الاهداف تخدم الاجيال تلو الاجيال, حيث لا لبس ولا غموض ,ولاتنافر او قطيعة بين الشكل والمحتوى ,او بين الجوهر والمخبر او المظهر, او بين الغاية والوسيلة المحققة للهدف المنشود., بل تكون وتؤسس بعمق ووعي ونضج ومسؤولية وتضمن لكل هذه الاجيال حسن استثمارها برغبة وادراك,ودراية,وحب,وشغف.,بل وباثقان لثقنيات العصر بشكل يكون قادرا على الانتاج بمعدلات عالمية تترجم بالفعل لحاجيات محددة ومعينة ,وتلبي حاجات المجتمع ؟ ام ان الامر يتعلق بالمقررات ومضامينها من حيث كثرة تشعباتها ووفرة موادها ومحتوياتها.
ومما يتطلب دقة ومهارة عالية في اختيار وتكوين وتعيين الموارد البشرية القادرة بالفعل علميا وعمليا من ترجمة محتويات ومضامين البرامج والمناهج الى اساليب عملية مفيدة ومثمرة.؟ واذا كان الامر كذلك الا يدفعنا هذا من جديد للتساؤل عن عدد ونوعية وكيفية توفير البنيات والهياكل التنظيمية الضرورية لاحداث التجديد التربوي المطلوب وبالجودة المرصودة والمنشودة المرغوبة ضمن بيئة مدرسية تراعي عناصر الجاذبية والجودة ,والمتعة,والترفيه,والتحفيز,والتشجيع,والمرونة مع الحرص كل الحرص على مبدا تكافؤ الفرص بين متعلميها تحقيقا لتعليم ديمقراطي ,بالفعل يضمن للجميع ان ينعم بحق الحصول على تعليم متميز يحقق له التفوق والامتياز والقدرة والكفاءة على الخلق والابداع والمبادرة والانجاز والانتاج,ثم الاندماج والتطوير والتغيير الايجابي الفعلي والفاعل والفعال,المثمر والمستمر الضامن له اختراق سوق الشغل وتجويد المنتوج و الانتاج على الصعيد المحلي وبعدئذ الدولي بكل استحقاق وتفوق يضمنان له البقاء والاستمرارية بكل ايجابية وموضوعية وحكامة؟. ام ان الامر يسند الى الادارة ومدى اجتهادها في تاسيس علاقات انسانية نبيلة بين كل من تشرف عليهم , حتى يحسوا بالفعل باريحية محفزة على العمل اكثر والعطاء بسخاء اوفر واغزر,وفعالية ,جوهرها الاخلاص في العمل بغية الارتقاء.,والوفاء للامانة والرسالة السامية التي هي على عاتق كل منا.,كمؤطرين تربويين او تعليميين يوحدنا تحقيق المردودية المنشودة وبالجودة المرصودة ,على اعتبار ان الجودة “اسلوب يطبق في جميع فروع ومستويات المنطقة التعليمية ليوفر للعاملين وفرق العمل الفرصة لاشباع حاجات الطلاب والمستفيدين من عملية التعليم,وهي فعالية تحقيق افضل خدمات تعليمية بحثية استشارية باكفأ اساليب واقل تكاليف واعلى جودة ممكنة” ؟ .
غير اننا نلاحظ وباستغراب شديد ان الجل قد يربط مفهوم الجود ة ونتائجها في الحقل التربوي التعليمي والتكويني بالمدرس ,نظرا لما له من ادوار متعددة ومتنوعة تختلف باختلاف المستويات والفئات المستهدفة وما يخصها او يميزها عن غيرها على المستوى االمعرفي والادراكي والوجداني والحسي -حركي,وكذا على المستوى البيئي والاجتماعي والاقتصادي الخ… .,على اعتباران المدرس ايضا هو عامل هام من عوامل النهضة التربوية والتعليمية والتكوينية والتنويريةالتوعوية المسؤولة على تربية النشء وتهذيبه,حيث يعتمد عليه في تحقيق اغراض البلاد وغاياتها كما يقال.؟ ام ان الامر يرجع بالاساس الى الاسرة ودورها الطلائعي-كحضن دافئ مكين وحصن حارس حصين امين-في التربية السليمة الرشيدة المتوازنة غير المعطوبة لطفلها حيث التوجيه والتوعية له بضرورة احترام المدرسةوالمدرس ,وحتمية تقديس العلم والمعرفة النور الوهاج ,واتخاذه المسلك والمنهاج لطريق الصلاح والفلاح والنجاح.,حيث تعلمه منذ سنواته التهييئية الاولى مع التدريب المتدرج ,ملقنة اياه ان العلم هو الاساس الذي يرتقي به الواحد منا ليساهم بشكل ايجابي وفعال في بناء شخصيته وتغذية عقله,وصقل مواهبه وتنمية قدراته الذكائية والادراكية واغناء وتزكية معارفه العلمية والادبية ,الثقنية والتكنولوجية, التقليدية والعصرية الحداثية في ابسط حلتها وكذا في ارقاها ,مراعاة لمراحله العمرية حتى تولد فيه الرغبة في اخذ المبادرة الحسنة, وتبعث فيه روح الخلق والابدع مع الاتقان ليشارك هو ايضا بدوره في التنميةالمنشودة,ويواكب عن جدارة واستحقاق الركب الحضاري ,بحيث يعرف مسبقا ,وبادراك ووعي الغاية السامية والنبيلة التي ياتي من اجلها الى المدرسة ,كنحصيل العلم والمعرفة والتربية البانية ,والاخلاق الراقية ,والمبادئ والقيم السامية .
ومن هذا وذاك يستوعب ويعي لما يدرس,ومن اجل ماذا يدرس,وما وظيفةكل مايدرس من تاثير وفعالية ايجابيتين في تكوين شخصيته تكوينا متكاملا,ثم ماذا بعد الدراسة ., ليتمثل حلما,ويرسم غاية ,ويحدد هدفا لحياته,ويعطي معنى لوجوده.,بل ولربما يخطط مشروعا محددا له يتناسب وقدراته ومهاراته,ويتجاوب مع ميولاته مترجما احتياجاته ., كل هذا بتوجيه وارشاد وعناية وحب وتحفيز من والديه اولا,ثم من مؤطريه التربويين والتعليميين بعدذلك.,فيؤمن حينئذ بما يعمل فيجد ويجتهد رويدا رويدا ليصير الحلم حقيقة ,والطموح نجاحا تلو النجاح بكل ثقة ,ورقي وايجابية يمكنانه بالفعل ان يصنع مستقبلا مشرقا حيث يترك بصمة اجتهاده المتميز في التاريخ الفكري المعرفي والحضاري ايضا , ان هو لقي الدعم المعنوي والمادي ,والامن الاجتماعي المصحوبين المرافقين يالارشاد والتوجيه الحكيمين المسؤولين الحريصين المؤمنين ان قارئ اليوم هو قائد الغد. من كل ما سبق اذن وانا اطرح السؤال تلو السؤال ,-لا سيما وامام كل هذه الاصلاحات واصلاحاتها- وجدت نفسي اتساءل من جديد عن نسبة حظ عملية التقييم بغرض التقويم في كل شطر انجز من مرحلة معينة من الاصلاح قبل ان نسترسله ونتابع باقي مراحله اللاحقة, ونحن نطمح تحقيق الجودة -بالفعل لا بالقول وحسب – وحتى نتبين مكامن الضعف والقوة ,وتتضح لناالرؤية بالتالي, ونتدارك ما يمكن تداركه في حينه ,وما علينا تقويمه في اااانه واوانه., دون ان نكتفي بالتنظير دون التطبيق,او بالتقليدونحن نرغب في التجديد وندعي لسنوات اننا نرمي الى جودة التجويد .,فعن اي تجويد او جودة بالتالي نتحدث في غياب استراتيجية واضحة الغايات والمرامي والاهداف ,محددة نوع الانسان الذي نرغب في صناعته اليوم , ليكون المثال والنموذج ,والقدوة والقائد للغد.ورحم الله الدكتور المهدي المنجرة حيث قال متسائلافي احدى محاضراته”ماذا زرعنا لنحصده ؟” فلا شك اذن – وبكل موضوعية يمكنناالقول -اننانتقاسم جميعا مسؤولية الارتقاء بتعليمنا الى مراتب الجاذبية والجودة والجودة الجيدة المطلوبة والمنشودة,المتميزة المحمودة رغم كل العراقيل التي قد نجدها امامنا والصعوبات التي قد تثقل خطواتنا نحو التقدم المرعوب والارتقاء المطلوب في الحقل التعليمي,ما دمنا نؤمن وبثقة انه لا مستحيل مع الارادة النافعة والادارة الناجعة.
ولن يتاتى لنا ذلك في نظري الجد متواضع الا بتكتيف وتعبئة وتوحيد الجهود,والعمل بذكاء واستبصار,وبينة وحكمةومرونة على غرس بذرة حب الوطن في هذا النشء والغيرة عليه محبة وتقديسا ,واعطائه القدوة الجيدة في البيت والمدرسة وكذا في الشارع والاعلام. من هنا استنتجت فاقتنعت, انه كلما حددنا استراتيجية واضحة الغايات,والمرامي والاهداف, الا وساعدتنا على التوصل الى الانسان الذي نصبو الى صناعته مستقبلا ,ومكنتنا من السير -على ضوئها-بخطى تابثة وناجعة الى تحقيق المرادد,وكلما عبانا ووحدنا جهودنا قلبا وقالبا ثم اهتماما ورعاية وخدمة لطفل اليوم ,الا وكانت النتائج جد مريحة اليوم , ومربحة غدا,وكلما احترمنا الاستاذ والمدرسة العمومية الا وازدادت ثقة الاسر بها , ورغب التلاميذ والتلميذات ولوجها للاستفادة منها,وكلما ساد حوار ناجع وتواصل نافع مبنيان على ثقة و تقدير واعتراف وحسن اعتبار ثم احترام متبادل بين كل الاطراف المشاركة في العمل التربوي ,الا وكانت النتائج اضمن واكثر والمردودية انجع واوفر.
وعليه ,يبقى من اولى الاولويات ومادام الجل يكاد يجمع على ان التغيير والتطوير يبدا من الفصل,فان الامر يقتضي بالتالي ان تبدا الجودة برجاحة التفكير قصد التغيير والتطوير , وكذا بحسن التدبير وحكامة التسيير .,وهذا ما يستلزم بادئ ذي بدء تفعيل مبدا تخليق المدرسة في ظل ما بات يعانيه محيطها من سلوكات تستدعي التصحيح و التقويم والدعم والمراقبة والتتبع.,وان كان الامر في العمق يؤكد حالة التصارع بين المفروض والمرفوض بها من (انتشار لثقافة العنف والكراهية ,والتمر والهدر) , وان كا ن الوضع السليم لكل مؤسسة تربوية تعليمية ان تكون المدرسة, هي الحقل المامول حيث الارضية الخصبة للتربية والتعليم والتهذيب والتثقيف ,الا انها اصبحت هي الاخرى تحتاج الى تخليق وتربية ,ولعل هذا من باب المفارقات العجيبة لهذا العصر, حيث من الضروري والحتمي اخذ الموضوع بجدية اعمق من قبل الاخصائيين البداغوجيين وعلماء التربية وعلم النفس وعلم السيكولوجيا ايضا تفاديا لتبعات كل تلك السلوكات المعطوبة ببعض المؤسسات المدرسية وايجاد البديل المحقق للاصلاح الفعلي والجودة المنشودة. فعفوا .
يا من تتحدثون عن الجودة ,فلا جودة ولا وجود حتى,دون حياء او اخلاق.,ويامن تطالبون بالجاذبية فلا جاذبية تذكر,دون جاذبية القيم الساميةوالمبادئ البانية,وانتم يامن تدعون الى المردودية ,فلا مردودية مثمرة وافرة دون وضع استراتيجية واضحة المعالم والمراسم ,ومدروسة بعقل وعمق وحكمة,وحسن استبصار وادراك عواقب بمسؤولية ,ومحاسبة نتائج,,ثم بتخطيط محكم-على المدى القريب والمتوسط والبعيد- يعرف ضمنيا نوع الانسان الذي علينا تنشئته اليوم لضمان مستقبل جيد ومريح للغد.,عفوامرة اخرى يامن تؤمنون بالدفاع عن النشء والتنشئة ,فلا تنشئة سليمة متوازنة ووازنة, دون اسس ومقاييس ومعايير للامور كلها او ضوابط محكمة ومنظمة ومقننةتكرم الانسان وتصون كرامته و تحافظ على ا نسانيته اولا واخيرا.,ويا من تحدثم عن الاهداف تم الكفايات والملكات والقدرات ثم الانجازات فلا هذا ولا ذاك ولا ذلك ,دون برامج ومناهج مواكبة للعصر,مخاطبةروح ووجدان التلميذ بخبرة ومرونةودرايةوحنكة ,مكتشفة, كاشفة ,مبرزة ,مهاراته وكفاءته المتنوعة بطرق علمية وعملية محددة ومتجددةومساعدة,ثم محفزة ومشجعة على الاجتهاد,والمشاركة الفعلية للتلميذ او الطالب على حد سواء- والمؤهلة لهما في استرسال و يسر دون قطيعة او عسر الاندماج الناجح الناجع,فلا نجاح للمسالة في رمتها دون احترام للاستاذ ,ولحرمة الفضاء حيث نشتغل جميعا جادين مجتهدين لتحقيق الجودة.
التعليقات (0)