لم أكن أتصور أن يصل مستوى التفكير لجماهير مصر إلى هذا المستوى من الأسفاف ومحاولاتهم الدائمة فى إظهار الله بمظهر الإله العاجز الإله الضعيف الذى لا حول ولا قوة له وكأنه فى حاجة إلى حراس ... ولم تعد جيوش الملائكة قادرة على حمايته أو أن هذا الإله قادر على أن يصنع معجزة ويفنى كل من يتجرأ على المساس بذاته أو بكتبه أو برسله ، لكن أن يتجرأ محامى مصرى ويتهم كاتب أو شاعر بأنه نشر قصيدة شعرية تتضمن إساءة للذات الإلهية فهذه أكبر مهانة وإذلال لهذا الإله الذى أصبح فى خبر كان وأصبح ألعوبة فى أيدى البشر من يريد الدفاع عنه ومن يريد أن يحميه من المسيئين إليه ويفرحون بصدور قرار القاضى البشرى بإغلاق مجلة إبداع التى نشرت هذه القصيدة وإلغاء ترخيصها فى الوقت الذى يرفع الملايين الصلوات لهذا الإله ليهلك أعدائهم !!
هل غاب المنطق عن عقولنا ؟ لماذا لا نقيم وزناً لنعمة العقل التى وهبها لنا الخالق ؟ هل بقصيدة منشورة فى مجلة أو بكتاب أو بقصة أو مقال يمكن لبشر مهما علا شأنه أن يسئ من قريب أو من بعيد إلى الإله الخالق ؟ ألهذه الدرجة هذا الإله هش ومثل الزجاج من السهل أن ينكسر أو يصيبه مكروه ويتضرر من بنى آدم الذى خلقهم ؟
السؤال المهم هو : متى حدث هذا الحادث الجلل الذى أساء إلى رب الأرباب ومقدساته الإلهية ؟ الجواب أنه حدث منذ أكثر من عامين ، وبالتالى سنسأل : هل الله قرأ هذه القصيدة أم نسى أن يقراها هو وملائكته خلال العامين الماضيين؟ بالطبع قرأها وهو العالم بكل شئ ، لكنه لم يصدر حكماً أو إتهاماً ولم يصدر أوامره إلى ملائكته بضرب منزل الشاعر ليدمره أو يصيبه بأحد الأمراض المميتة ليكون عبرة للعالمين، إذن كانت فترة كافية أمام الله وملائكته ليفعلوا مايشاءون ضد هذا الشاعر أنتقاماً للذات الألهية ، لكن الذى حدث أن الله الرحمن الرحيم لم يقيم دعوى قضائية أو إلهية وتناسى هذا الإله الرحيم الغفور ما حدث منذ أكثر من عامين ليؤكد للضعفاء من بنى البشر أنه إله قوى وعادل أنزل الرسل والأنبياء وزودهم بالوصايا والأوامر والنواهى وأقام يوماً سيجازى فيه كل إنسان سواء أرتكب الخطايا أو عمل الصالحات ، العدل الإلهى يعطى الجميع الحرية ليفعلوا ما يشاءون من خير أو شر فى هذه الحياة الدنيا لكن فى اليوم الاخير الذى حدده الخالق سيكون الحساب على حسب أعمالنا .
نحن أمام أختلال فى التوازن العقلى للبشر الذين أقاموا أنفسهم أوصياء وقضاة مكان الإله ويريدون تقزيمه إلى الحد الذى يعتقدون بأنه إله عديم القدرة لا يستطيع الدفاع عن نفسه!!
هل أنتهت كل مشاكلنا وأصبحنا لا نعرف الفساد أو الجرائم الأخلاقية ولا نعرف طوابير الخبز ونقص المواد الأولية الضرورية لحياة إنسانية كريمة ؟ هل أصبح التقدم وقضايا التنمية والبناء والقضاء على التخلف أمور لا تهمنا ولا تشغل أفكارنا ؟
إن كان فى مجتمعنا صوت واحد يدعو للحرية والتفاهم والتواصل بين الشعوب ، فإننا نجد مقابله مئات الآلاف من الأصوات التى تنادى بوأد صوته وإعلاء صوت الدكتاتورية وضرب كل من يجرؤ على المناداة بالحرية لأنهم أكتشفوا أن الإله فى أشد الأحتياج إلى أن يدافعوا عنه أمام طغيان الأنسان الذى وقف الإله عاجزاً عن ردعه ومعاقبته العقاب الإلهى فطلب المعونة الإنسانية من بشر تخصصوا فى الدفاع عنه.
من الأمور المستعصية على الفهم رؤية الملايين يطبقون مبادئ الدكتاتورية فى تعاملاتهم اليومية دون أن يدروا أو يشعروا ، والسبب بكل بساطة يرجع إلى أنهم ينساقون وراء مشاعرهم التى هى حقل خصب لكل فكر يمجد صناعة العداوة بين بنى البشر بأسم الله ، وكل من ينطق حرفاً يمس من قريب أو من بعيد الله يصبح تلقائياً عدواً لهؤلاء البشر !!
إن الخالق لا يحتاج إلى قدرة البشر التى لا تساوى شيئاً أمام قدرته الإلهية ، الخالق لا يحتاج إلى الحديد والنار والمتفجرات والخطب العصماء المدافعة عنه لأنه لم يطلب من أحد أن يدافع عنه لعجزه عن الدفاع عن نفسه لأنه أصلاً ليس فى موقف المدافع لكنهم البشر الضعفاء الذين وضعوا الإله فى هذا الموقف الضعيف الذى يدعو إلى السخرية!!
متى يفهم الإنسان دينه ودنياه الفهم الصحيح الذى لا يتداخل فيما بينهم ؟ هل نحتاج إلى تكرار القول : أرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ؟ ؟
التعليقات (0)