رغم مرور أسبوع على سماح المغرب بعودة أميناتو حيدر لاعتبارات إنسانية صرفة؛ القرار الذي اعتبرته العديد من العواصم لعالمية الوازنة حكيما يعكس نبل الحكومة والشعب المغربيين، بعد أن تؤكد على أن القوانين المغربية هي المطبقة في مجموع الأقاليم الجنوبية إلى حين أن يبث في الإشكالية بحل يرضي كافة الأطراف، إلا أن أميناتو حيدر لا تزال مصرة على استفزاز المملكة المغربية، حيث صرحت للصحافة بأنها لن تعتذر للملك محمد السادس، وقالت: "إن ملك المغرب هو الذي ينبغي أن يقدم الاعتذار لها وللشعب الصحراوي"، مؤكدة على لسان محاميتها أنها ستستمر في تحركاتها السياسية داخل المغرب وخارجه.
وكان المغرب قد سمح بعودتها إلى العيون رغم المعارضة القوية لعموم المغاربة الذين يعدونها خائنة وجرثومة سرطانية وجب تحمل تبعات بترها، وهو رأي عدد من الأحزاب المؤثرة في المشهد السياسي المغربي، تفسرها السجالات الحادة بين أمناء بعض الأحزاب السياسية ووزير الخارجية المغربي في اجتماع عقده الأخير بغرض الإخبار بقرار السماح بعودة حيدر إلى المغرب.
وإذا كان قرار المغرب رحيما بالحالة الإنسانية لأميناتو حيدر وبأبنائها وأهلها، إلا أن الأخيرة لم تتفهم القرار المغربي الإنساني، بل اعتبرته هزيمة للمغرب وانتصارا لقضيتها، فوعدت بمواصلة نشاطاتها السياسية إلى أن يتحرر كامل تراب الصحراء الغربية على حد قولها.
وتبقى صفقة قرار عودة أميناتو حيدر مبهمة، في الوقت الذي يشدد فيه الموقف المغربي على أن القرار احترم فيها الإجراءات القانونية الجاري بها العمل، في حين تنفي أميناتو حيدر ذلك؛ وتؤكد أنها قد نجحت في إرغام المغرب على عودتها إلى عاصمة الصحراء العيون.
الأمر الذي أثار إحراجا للموقف الرسمي المغربي أمام رأيه العام. فأعاد الطيب الفاسي وزير الخارجية المغربي التأكيد على أن عودة أميناتو حيدر قد تم وفق القوانين المغربية التي تطبق على كل المغاربة كما الأجانب الراغبين في دخول التراب المغربي، ملمحا أن هذا الأمر كان بغرض التسريع بتحديد زمني لعقد جولات مرتقبة من المفاوضات -حيث كانت البوليساريو قد ربطت ذهابها إلى المفاوضات بالوضعية الصحية لأميناتو حيدر-، كما طالب بإحصاء ما أسماهم المحتجزين في مخيمات العار بتندوف.
وإذا كانت الصحافة المغربية قد توزعت بين من رأى في القرار المغربي رجاحة دبلوماسيته التي احتوت المأزق الحقوقي، وبين من اعتبر ذلك انتكاسة مدوية للدبلوماسية المغربية التي كان عليها تدرس تداعيات قرار الإبعاد من كل الزويا، واعتبرت أن أميناتو حيدر بقرار السماح بعودها قد داست على الهيبة الوطنية محليا ودوليا.
وفي استقراء للرأي العام المغربي عبرت عدد من التعليقات والردود عبر "علب الدردشة الالكترونية" عن خيبة أملها للقرار المغربي الذي سمح بعودة أميناتو حيدر إلى العيون، التي وصفوها بالمجرمة والخائنة، بل واعتبروا في عودتها إهانة لـ 30 مليون مغربي ومغربية، وطالبوا بمحاكمتها لأنها ليست فوق القانون بتهمة إهانة رموز السيادة المغربية، كما طالبوا بالمقابل استقالة حكومة عباس الفاسي.
واستغربت مختلف ردود فعل المعلقين على قرار الحكومة بإبعاد أميناتو حيدر وما صاحب ذلك من تصعيد بعدم عودتها شرط اعتذارها عما صدر منها في حق المغرب، مؤكدين أن الحكومة المغربية لم تتعامل مع الموضوع بحكمة، فأهينت إحدى أهم قرارات المغرب السيادية. وطالب عدد منهم إلى تنظيم إضراب رمزي عن الطعام لإعادة طردها من المغرب، بل وذهب عدد منهم إلى ضرورة تنظيم محاكمة شعبية رمزية لها.
كما أجمعت كل التعاليق وأراء المغاربة في علب الدردشة و-"الفيس بوك"- أن ما قامت به أميناتو حيدر يعد خيانة للوطن يعاقب عليها القانون، وأن ما قامت به كان من الأولى يدبر قانونيا عن طريق متابعتها قضائيا، استغربوا هل يتطلب الأمر أن كل من تنكر لجنسيته يجب إبعاده إلى دولة أجنبية.
في المقابل فإن عددا من الردود قد اعتبرت أن القرار المغربي نوع من رجاحة عقل الدبلوماسية المغربية وهزيمة نكراء لدعاة الانفصال، ودرسا افتتاحيا في التفعيل الصارم لمنصوص الخطاب الملكي الصارم داخليا ودوليا، وقرار وجيه لسحب الورقة الحقوقية من البوليساريو حينما تفاعل إيجابيا مع نصائح وتوصيات دول حليفة وصديقة، فإن ردودا أخرى رأت في ذلك تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية والسيادية للمملكة المغربية.
عدد من المحللين السياسيين اعتبروا أن المغرب قد كسب ورقة إعادة تذكير المنتظم الدولي بأن الصحراء قضية سيادية، وهو ما جعل عدد من الدول الكبرى تتقبل الموقف المغربي ونأت عن نفسها من ممارسة ضغوطات سياسية واقتصادية عليه، حتى أن الاتحاد الأوربي رفض قرار إدانة المغرب لإبعاد أميناتو حيدر، بل كافأه بالتوقيع معه على اتفاقية تعزز تنافسية المنتوجات الفلاحية المغربية داخل السوق الأوربية، وهو ما اعتبر لدى المحللين السياسيين تقوية الموقف المغربي على مستوى سيادته السياسية في الأراضي الجنوبية مقابل تبخيس الخطاب الإعلامي. قوة الموقف المغربي تجلت أيضا في الرد شديد اللهجة لوزارة الخارجية المغربية على قرار البرلمان البرتغالي القاضي بممارسة مزيد من الضغط على المغرب، فسارعت الحكومة البرتغالية بتبرئة نفسها من القرار، وهو ما تم أيضا بخصوص قرار البرلمان الاسباني.
وذهبوا إلى التأكيد بأن عنتريات حيدر شكلت للمغرب إجابة على تساؤل من معي ومن ضدي، ووسيلة لاستقراء رأي الدول العظمى حول رغبة المغرب في تنفيذ الحكم الذاتي الموسع بجهة الصحراء من جانب واحد.
لقد سعت الحكومة الاسبانية إلى صون العلاقات الممتازة مع المغرب بكل قوة، رغم أنه قد حملها ما لا طاقة لها به، وهي على مشارف الانتخابات، فعاشت على ضغط رهيب توزع بين الشعبي الجماهيري، والسياسي الحزبي والجمعوي أحزاب المعارضة والجمعيات الحقوقية، إلا أنها تحملت ذلك على أن تفرط في علاقاتها المتميزة مع الرباط.
والحق أن قضية أميناتو حيدر اختبرت بالفعل مستوى العلاقات بين المغرب وشركائه، وخاصة علاقاته بالدول الكبرى المؤثرة في القرار الدولي، وتبت بأن المغرب يتمتع اليوم بتقدير كبير لدى العواصم الكبرى، وإن لم تترجم له ذلك بقرارات سياسية تحل مشكل الصحراء نهائيا، فلأن ذلك يرتبط بتنازع مصالح هذه الدول من جهة، وبغرض التحكم في التوازنات الإقليمية في المنطقة من جهة ثانية.
وتشير التوقعات بأن مطالبة المغرب للمنتظم الدولي بخصوص إحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف سيجد آذانا صاغية له هذه المرة على اعتبار التعامل بالمثل، وأن نجاح المغرب في هذا المطلب سيفقد البوليساريو والجزائر من صلاحيات الإشراف على المساعدات الممنوحة للمخيمات، كما سيمكن ذلك من الاضطلاع على الوضع الحقوقي داخل المخيمات، كما أن المغرب سيعاود النقاش داخل الأمم المتحدة بشأن عودة المحتجزين إلى وطنهم أو توطينهم في الجزائر أم في بلد ثالث.
إن المغرب وبالسماح لعودة أميناتو حيدر كان قد سحب ورقة الرهان على بوليساريو الداخل لإفشال مقترح الحكم الذاتي المغربي في الأقاليم الصحراوية، وبذلك تكون البوليساريو قد فقدت فرصة مواتية لو كانت توفيت أميناتو حيدر بإضرابها عن الطعام في إعادة تشكيل شخصية كارزمية شهيدة لقضية الصحراء، بدعوى دفاعها عن أطروحة تقرير المصير من الداخل، خاصة وأن الصحراويين المغاربة باتوا يحرجون وفد البوليساريو بمشاركتهم ضمن الوفد المغربي المفاوض ويطالبون بتخويل المنطقة حكما ذاتيا موسعا تشرف عليه الأمم المتحدة، وهو ما كان يخلق نوعا من الشقاق داخل البوليساريو حول ما إذا كانت هي الممثل الشرعي الوحيد لعموم الصحراويين، مما يقلص من حجم الجبهة الدبلوماسي لدى الأمم المتحدة، وهذا وقد ظهرت حركة ما يسمى بخط الشهيد الصحراوي تعترض علانية على سوء تدبير البوليساريو لقضية الصحراء وتندد بجعلها مخاطبا لعموم الصحراويين في الداخل كما في المخيمات التي يئست من خطاب الجبهة الذي يوجه بحسب أجندة سياسية جزائرية توظف لربح رهان الريادة في الصراع الإقليمي في منطقة المغرب العربي.
التعليقات (0)