من مشاهدات الماضي ، يذكر والدي فيما يتعلق بالفارق الحضاري والاقتصادي والثقافي مابين العرب واليهود ، إبان الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، قبيل عام 1948 ، الكثير من القصص التي ربما لو فصلت تفصيلا دقيقا لبيت البون الشاسع والفجوة الكبيرة بين اليهود والعرب من جوانب عدة .
فالعرب فيما يخص قصة والدي .. في منطقة الأغوار .. وما حولها .. كانوا من البدو ، ومن الفلاحين ، الذين كانوا يمتهنون الزراعة البدائية والرعي البدائي ، ويسكنون البيوت الطينية والخيم العربية ، أو تلك البيوت القديمة والتي تسمى بالعقد .
في الوقت الذي كان اليهود يتجمعون في معسكرات كبيرة وقرى محصنة مسلحة ، لتشكل بؤرة اقتصادية زراعية إنتاجية متماسكة .
يقول والدي :
كان اليهود يتقنون فن الزراعة ، وتربية الأغنام والأبقار وفق أسس علمية ، وكانوا يزرعون كافة الأنواع ويستثمرون الأرض خير استثمار ، وكانت لهم مدارسهم ودور حضانتهم وروضاتهم ، ومؤسساتهم التي تعنى بهم ، كمجتمع عامل . مجند بالكامل .
كنا نشاهد الأطفال اليهود وهو يلبسون ملابسهم الموحدة وكأنهم جيش ، يتبعون فتاة تلبس تنورة قصيرة أو بنطال قصير .. وكانوا ينحدرون من المستوطنات التي كانوا يسكنوها ، وكانوا يطلقون عليها لقب الكبانية بضم الكاف ..
وكنا نظن ونحن نشاهد تلك الفتاة مع الأطفال وكأنهم قطيع من الأغنام ، ونقول اليهود مثل الغنم .. لا يفرقون بين حلال وحرام ولا يعرفون أولادهم .. وكنا نحسب أنهم لا تربطهم أسرة أو بيت .. وأنهم يعيشون جماعات .. كالغنم .
إلى أن صارت النكبة وطردنا من فلسطين ، وشاهدنا بعد سنيين كثيرة أطفالنا العرب يذهبون إلى دور الحضانة والروضة لنفهم أن تلك الفتاة ذات التنورة القصيرة ما هي إلا معلمتهم وأنهم أطفال حضانة يحظون بأقصى درجات العناية والرعاية ، يتفرق كل منهم إلى بيت ذويه بعد انتهاء الدوام . حيث يكون آباءهم قد انهوا أعمالهم وتفرغوا لهم .
تلك قصة توضح بلا أدنى شك ، الوضع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للشعب العربي إبان فترة حمى الهجرة اليهودية لفلسطين ، وتبين مدى الجهل والتخلف والفقر ، والذي مكن اليهود من السيطرة بسهولة على فلسطين .
التعليقات (0)