تخريب الحياة العامة...
عندما يدعوا "عباس الفاسي" إلى تعريب الحياة العامة للمغاربة فإن دعوته الغير البريئة لقيت الكثير من الترحيب من طرف دعاة التعريب في المغرب, لكن أيضاً لقيت الكثير من التعليقات السلبية من طرف المجتمع والشعب.
"عربوا أولادكم من أجل أن أدرس أولادي" أو بالمعنى الصحيح " خربوا أولادكم من أجل أن أضمن مستقبلاً لأبنائي" هذا هو بيت القصيد وهذا هو المضمون وهذه هي الرسالة التي سعى الفاسيون منذ الإستقلال إلى فرضها وإلى ترجمتها على أرض الواقع, ليضمنوا السيطرة الكاملة والشاملة والتامة لكل المناصب ويتصرفوا كيفما يشاؤون, ففي الوقت الذي يدرس فيه أبناء الشعب في الكتاتيب القرآنية وفي المدارس القصديرية والتي لا تتوفر فيها أدنى شروط التعلم, يتمتع فيه أبناء "الفاسيين" بمقام جميل في مدرسة تتوفر فيها كل شروط تلقين العلم والمعرفة, ويشرف على ذلك طبعاً أساتذة فرنسيون وإنجليز, لن نستغرب الأمر إنهم يرفضون أن يتكلم الشعب لغات العالم لأنهم يخافون على أولادهم وعلى مشاريعهم.
-التضحية والصمود والعزيمة والوطنية الصادقة, تحلى بها كل المواطنين المغاربة في أيام الإستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب, هؤلاء الذين قُبِروا مع ذكرياتهم وتضحياتهم ونسيهم التاريخ المغربي ونسي تضحياتهم وأمجادهم, وبَجَّل ومجًّد آخرين, فكثيرون جعلت منهم السلطة المغربية آنذاك خونة وهم في الأصل مقاومون, وكثيرون من الخونة صنعوا أنفسهم وأصبحوا وطنيين واستقلاليين في الوقت بدل الضائع, هؤلاء الذين وجدوا الطريق سالكة أمامهم في عز "السيبة" من أجل جمع الأموال وتكديسها, هؤلاء الذين ربوا أبنائهم على قيم الغش والربا والسرقة, هؤلاء الذين أرسلوا أبنائهم في عز "الثورة" إلى فرنسا من أجل تعلم اللغة, هؤلاء الذين باعوا شرفهم وكرامتهم وكرامتنا بالمال والذي لم يكن يساوي شيئاً عند الشرفاء والمقاومين الحقيقيين,الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم في سبيل الوطن والكرامة التي باعها الخونة.
- فعندما يُضرب حملة الشهادات العليا أمام البرلمان, ويُوظف ابن الوزير في مركز دائم ومرموق في الداخلية أو التلفزيون أو المالية, عندها تخرج سيادة "وزيرة الصحة" لتعلم المغاربة معنى كلمة الكفاءة, وبعد ذلك يأتي قريبها أو عمها "عباس الفاسي" ليمنع على المغاربة حق التعلم, ويعرب أو "يخرب" حياتهم العامة كما فعل أسلافه منذ الإستقلال.
-ما زلت أتذكر أستاذاً لي في المرحلة الثانوية, كان يردد على مسامعنا نحن الطلبة عبارة مازال صداها في أذني "إن أكبر خطأ فعله المغرب هو التعريب" إنها شهادة من أستاذ محترم "ذكره الله بالخير" كانت له تجربة مع التعريب وكان أساتذته من الفرنسيين والإنجليز ومن بعض الجنسيات العربية, إنها شهادة حقيقية تعبر عن المستوى الذي وصل إليه هذا الجيل, والأجيال القادمة من اندثار الثقافة والمعرفة وحب العلم, ومن الكسل والتواكل, وحب الظهور. كل هذا زرعه التعريب الذي كان جزئيا فقط في مرحلة ما واكتمل فيما بعد. ليخلف هذا الجيل الذي لا يستطيع أن يركب جملة مفيدة بالعربية فما بالك بلغات العالم؟
- في سويسرا سعى النظام وبطريقة ذكية إلى أقحام لغات العالم في منظومة تعليمية واحدة, لأنهم قد سبقوا التاريخ وتنبؤوا بأن سويسرا لا يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن لو أنها طبقت النماذج التعليمية التي تستند في مقرراتها إلى لغة واحدة. سويسرا الآن تزعج الأوروبيين وتأخذ الاشياء الثمينة منهم وتترك الفضلات, سويسرا ليست عضواً في الإتحاد الأوروبي, وليست لها أي صلاحيات في المجموعة الأوروبية لكنها تتمتع بقوة كبيرة وباقتصاد هائل, ويسير في اتجاه تصاعدي تخشى أوروبا أن ينعكس ذلك على اقتصادات دول الجوار وقد سعت سويسرا وبإغراءات كبيرة في جلب عدد كبير جداً من الإستثمارات الهائلة ومنحت أرضية وبيئة للإنتاج أقل ما يقال عنها أنها جيدة جداً للمستثمر الذي يبحث عن الربح. فسويسرا هي البوابة.
-في الغرب أي أوروبا وأمريكا يدعوا السياسيون والمجتمع المدني إلى تخليق الحياة العامة, أي الإحترام المتبادل والوعي والسلوك والأخلاق, وعند الأحزاب السياسية تعني التحلي بالروح الوطنية وعدم التنازل عن المكتسبات وعن الدين والتقاليد والثقافة ... إلخ... وفي المغرب يدعون إلى تعريب الحياة العامة للمواطنين ناسين ومتناسين تنوع البلد ثقافياً ولغوياً ودينياً, وما يجعلهم يدعون إلى "تعريب" الأمة المغربية, هو اعتقادهم الأكيد أن مكانتهم في هذه الأمة مهزوزة ولها صيت سيء وصورة مشوهة,ويريدون تكرار ما فعله أسلافهم, أي "تخريب" الأمة وتعريبها, ليتمكنوا من فرض سيطرة جديدة بطريقة جديدة.
- عندما يفكر المغرب في السياحة والإستثمارات الأجنبية والإقتصاد والفلاحة إلخ... فإن أول ما يجب أن يفكر فيه هي مسألة اللغة, فلا يمكن لمستثمر يحمل في حقيبته مالاً كثيراً أتى لتوه من أمريكا ,أو أوروبا أن يستثمر ماله في بلد لا يعرف لغته, في بلد لن يجد فيه من يفهم لغته, في بلد لن يجد فيه من الوسائل الكفيلة باستثمار ماله ما فيه الكفاية, ونقصد بالوسائل " اليد العاملة, اللغة والتواصل, الإدارة..." فلنتصور مجتمعنا المغربي عربي مائة بالمائة, كيف سيكون حالنا يا ترى؟؟؟
لنفكر في هذا الأمر ولنكن واقعيين بما فيه الكفاية لنستنتج أن دعاة التعريب في المغرب هدفهم ليس حماية الجيل الجديد من الثقافة الغربية كما يدعون, بل هدفهم الأسمى هو تدمير الجيل الجديد وكل الاجيال من اجل أن تستمر سلطتهم علينا ومن أجل أن يورثوا حكمهم علينا ويجعلوا من أنفسهم وأبنائهم وذريتهم التي تحمل أسمائهم حكاماً أبديين, ورثوا هذه الأمانة أباً عن جد.
ولكم الكلمة أيها الإخوة والأخوات الأعزاء قرائنا الكرام, وتحية لكم لإخلاصكم ولوطنيتكم. وتحية لكل المقاومين الشرفاء الأحرار ممن قدموا دمائهم وأرواحهم وأموالهم في سبيل الوطن.
عبد الله بولحيارا
الولايات المتحدة الأمريكية
deelyara@yahoo.fr
التعليقات (0)