مواضيع اليوم

تحليـل مضمـون خطـاب العـرش 2010

شريف هزاع

2010-08-02 16:42:38

0


د. عبـد الفتـاح الفاتحـي

انطلق الخطاب الملكي لعيد العرش هذه السنة من الإجابة على مجموعة من المعارك الفكرية والسياسية التي عرفتها الساحة الإعلامية المغربية وقد برز ذلك في ما ذكر به العاهل المغربي حين قال: "وهي مناسبة مجيدة لتجديد أواصر البيعة المتبادلة، والإجماع الوطيد على ثوابت المغرب، في وحدة الوطن والتراب والهوية، وعلى مقدسات الأمة، التي نحن، كأمير للمؤمنين، لها ضامنون، عقيدة إسلامية سمحة، بخصوصيتها المغربية، القائمة على المذهب السني المالكي، والاحترام المتبادل بين الأديان السماوية، والانفتاح على الحضارات".

إن ما ذكر به العاهل المغربي في هذه الفقرة، هو إعلان صريح في وجه عدة أصوات دولية استنكرت على المغرب طرد مبشرين خارج أراضيه، وصلت إلى حد مطالبة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على المغرب حتى يقبل بعودة المبشرين إلى المغرب.

ويجد هذا التحليل صحته في المبادرة الأمريكية التي قام فيها العاهل المغربي بتوشيح عدد من الراهبات من إسبانيا والبرتغال تكريما على الأعمال الاجتماعية التي يقمن بها في المغرب. وفي ذلك إشارة إلى أن المغرب بلد التسامح وحرية التدين، حيث يحتضن راهبات يقدمن أعمالا اجتماعية من مختلف الدول في إطار تعاقد قانوني.

وبقدر ما أغلقت هذه الإشارة الملكية باب هذا الصراع، الذي باتت تستغله بعض الإسبانية للمزايدة على المغرب بصفة الوضع المتقدم، فإنها تضمنت أيضا إشارات واضحة للصف المغربي الداخلي في سياق الثوابت المتعارف عليها داخليا.

ويرى عدد من المراقبين أن افتتاحية الخطاب وما تنطوي عليه الفقرة الافتتاحية من أهمية، فإنها أكدت أولويات التعبئة الداخلية من خلال التذكير بثوابت الأمة، فإنها أرادت أيضا توجيه السجالات التي احتضنتها الساحة الإعلامية المغربية من قبيل: "الإسلام في المغرب والعلمانية"، "الشذوذ الجنسي"، "حركة مالي"، "اللغة العربية والدارجة"، "بيع الخمور"... لتعلن أن المغرب ليس بوسعه الدخول في نقاشات الطرشان، التي لا تجدي نفعا.

وقد برز ذلك في صيغة "ارتأينا أن نكرس"، عبارة جاءت بعد حسم قضية الثوابت، والإحالة على الأولويات التنموية كقضية جهورية تستدعي مزيد من تعميق النقاش حولها. ويقول الملك محمد السادس: "...للوقوف الموضوعي، على ما قطعناه من أشواط متقدمة، وما يتعين إزاحته من معيقات، ورفعه من تحديات، لاستكمال مقومات النموذج التنموي الديمقراطي، الذي أردناه مغربيا متميزا عماده تنمية متناسقة، مرتكزة على نمو اقتصادي متسارع، يعزز التضامن الاجتماعي".

لمزيد من تفصيل التكتيكات التي تتأسس عليها السياسات الملكية مستقبلا، حدد الخطاب الملكي الدعامات الإستراتيجية لتحقيق الرهان التنموي للمغرب، في ما يلي:

- قيام الدولة بتحديد الاختيارات الكبرى، وهو بهذا يكون قد حسم السجالات السياسية المحتدمة حول دور مؤسسة الوزير الأول، وأوضح تصريحات عباس الفاسي الوزير الأول الذي ظل يردد أنه ينفذ التعليمات الملكية.
- توطيد الصرح الديمقراطي، وهو في هذا الصدد لمح إلى أن قضايا الإصلاحات السياسية والدستورية هي من اهتمامات المؤسسة الملكية الواعية بدورها والتزامها بتقوية مبادئ دولة القانون، واعتماد إصلاحات حقوقية ومؤسسية عميقة...، وهو بذلك يكون قد قصر الطريق على الأحزاب التي تجد راحتها في المزايدة بالمناداة بالإصلاحات السياسية والدستورية.
- جعل المواطن في صلب عملية التنمية، من منطلق أن لا فائدة من الإصلاحات السياسية بدون تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.
- تمكين الاقتصاد الوطني، من مقومات التأهيل والإقلاع، بتوفير التجهيزات الهيكلية. ويؤكد العاهل المغربي في هذه الدعامة على نجاح تجربة الأوراش الكبرى في تأهيل الاقتصاد المغربي.

ويشار أن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش بإعلانه عن استمرار سياسة الأوراش الكبرى فإنه يعول أيضا على القطاع الفلاحي والصيد البحري في أن يسهما بدورهما في حصد النتائج التي تحققت في باقي القطاعات، كقطاع السياحة الذي بلغ أهداف 10 ملايين سائح في سنة 2010، وهو ما بدا جليا في تأكيد جلالته بأن المغرب سيمر إلى تنفيذ استراتيجية 2010 – 2020.

وقد لمح جلالة الملك إلى الصعوبات التي تكتنف تحقيق الرهانات التي كانت منتظرة من قطاع السكن، حين يقول: "إن المجهود التحفيزي الكبير، الذي تبذله الدولة، يتطلب انخراط كافة الفاعلين، والتزام السلطات الحكومية المعنية، بالحزم والفعالية، والتطبيق الصارم للقانون".

ولم يفت العاهل المغربي الإشارة إلى التحديات التي لا تزال تعيق الوصول إلى تحقيق كل النتائج القطاعية التي وصفـها بـ "المشجعة"، محددا إياها في:

-"ضعف التنافسية". ذلك أن بعض المؤسسات الاقتصادية المغربية لا تزال تقوم على منطق الريع وتدبير العائلة...
-"اختلال تناسق حكامة هذه المخططات" في هذا التحدي ‘شارة إلى سوء التسيير وتدبير بعض القطاعات لعدم تفعيل أسلوب الحكامة واستمرار البيرقراطية في التدبير.
-"تأهيل الموارد البشرية"، تجاوبا مع تطوير المغرب للصناعات التقنية النظيفة، لحرص جلالة الملك على التنمية البيئية، لكن المغرب يعيش أزمة الموارد البشرية المؤهلة لذلك، ولذلك سارع جلالته إلى لفت الانتباه إلى أهمية تقوية التعليم الذي يثقل كاهل الدولة وتحقيق ملاءمة التكوينات المهنية.

لما يكتسيه القضاء من أهمية خاصة نفي تقوية دولة الحق والقانون، كان من الضروري أن يفرد له محمد السادس كلمة تلمح إلى وشوك تفعيل مضامين مدونة إصلاح القضاء وفق ما وصفه بـ "جدولة مضبوطة".

على المستوى المغاربي لم يفت العاهل المغربي أن يؤكد سعي المملكة المغربية في تعميق التعاون مع الدول المغاربية في أفق تجسيد الاندماج المغاربي، لما اعتبره "تطلعا شعبيا عميقا، وضرورة إستراتيجية وأمنية ملحة، وحتمية اقتصادية، يفرضها عصر التكتلات، فإننا حريصون على مواصلة التشاور والتنسيق، لتعميق علاقاتنا الثنائية مع الدول المغاربية الشقيقة". محملا الجزائر مسؤولية تعطيل البناء المغرب المغربي، مادامت تعاكس على حد قوله: "منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية، بشأن قضية الصحراء المغربية" وتصر على التمادي في مناورات وصفها باليائسة لنسف الدينامية، التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية.

على مستوى تدبير الملف التنموي في إطار الإكراهات الإقليمية التي تمارسها الجزائر ضدا على تطوير علاقات التعاون الاقتصادي البينية، بإصرارها على استمرار غلق الحدود.

ويعتبر الخبراء أن المغرب من أكثر الدول في شمال إفريقيا حذقا حيث تمكن من إقناع الأوربيين بمنحه لوضع متقدم ولأول مرة في تاريخ شراكات الإتحاد الأوربي، مكسب يعتبره المغرب "رافعة قوية" و"اختيارا استراتيجيا وسياسيا"، يصرف عبره ما تعتبره الجزائر ممارسة الحصار عليه، حين تصر على إبقاء الحدود مغلقة معه.

وحيث إن المغرب جد مقتنع بأن لا أمل له في تطوير استراتيجيته التنموية على المستوى المغاربي بفعل استمرار الحدود مغلقة مع الجزائر، فإنه يروم الاستفادة من كل ما يوفره له الوضع المتقدم مع الإتحاد الأوربي. وهو ما يجعله مطالبا بالانتقال من مرحلة وسطى، إلى علاقة تعاقدية جديدة لما بعد اتفاق الشراكة مع شركائه الأوربيين، بتعزيز رؤيته في الاستفادة من الوضع المتقدم بشكل قوي.

وفي هذا السياق جاء تجديد العاهل المغربي حرص بلاده "على الالتزام بتطوير الشراكة الأورو-متوسطية الواعدة، والوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، الذي يتطلب تعبئة جميع السلطات والفعاليات الوطنية، في نطاق عمل جماعي ومتناسق، لتحديد فضاءاته، ومداه، ووتيرته، بغية الاستثمار الأمثل لما يتيحه من فرص".

وهذا لا يعني أن المغرب سيقيد نفسه في شراكة أحادية، بل يتعداها بحسب متطلبات مصلحته التنموية، التي تقتضي أيضا تعميق التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار اتفاقية التبادل الحر، إضافة إلى شركات تفضيلية مع عدد من الشركاء. وفي ذلك يقول محمد السادس في هذا الصدد: " وعلاوة على انشغالاته الإقليمية، ما فتئ المغرب يعمل على تطوير وتنويع شركائه، ولاسيما من خلال اتفاقيات متعددة الأبعاد، خاصة منها اتفاقيات التبادل الحر، والشراكات التعاقدية والتفضيلية".

أما على المستوى الإقليمي فقد وصف المحللون خطاب محمد السادس بالحازم، حينما يعلن بوضوح لخصمه الجزائري بأن لا تراجع عن حق المغرب في سيادته على الصحراء المغربية، ولا بديل عـن الحكم الذاتي كصيغة أممية لتقرير المصير.

كما أن خطابه استشف منه أن المغرب لم يعد متأثرا بأي ضغوط خارجية بفضل التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي، ومؤكدا بأن التحدي الأكبر في الصحراء هو تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للصحراويين من خلال مواصلة سياسة الأوراش الكبرى بهذه الأقاليم.

وتبرز هذه الإشارة في " وسنمضي قدما في تفعيل الرؤية الطموحة، التي حددناها في الخطاب الأخير للمسيرة الخضراء، سواء بجعل الصحراء المغربية في صدارة إقامة الجهوية الموسعة، أو بمواصلة جهودنا الدؤوبة، للتنمية التضامنية لأقاليمنا الجنوبية، أو بحرصنا على إعادة الهيكلة العميقة، للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية".

ويستفاد من ذلك أن معركة المغرب الدبلوماسية على المستوى الدولي ستتركز على حل مخيمات تندوف وفق أي صيغة تراها الأمم المتحدة مناسبة ورفع الحصار عن المحتجزين فيه، وفي هذا الصدد يقول: "سنكثف جهودنا، لرفع الحصار عن رعايانا بمخيمات تندوف، وتمكينهم من حقهم المشروع، في العودة إلى الوطن الأم، وجمع شملهم بعائلاتهم وذويهم، طبقا للاتفاقيات الدولية، ذات الصلة".

ويعد المحللون أن هذه المعركة، ستكون وبلا شك حاسمة لكسر شوكة جبهة البوليساريو، ولعزل مقاتليهم، بحيث سيتأتى للمغرب سحقهم في معركة عسكرية جوية. لأن استمرار المخيمات تحت سيطرة البوليساريو، حيث يمكن استغلالهم دروعا بشرية في حال نشوب الحرب.

وكان المغرب قد دعا في الدورة الـ 60 للجنة التنفيذية للمفوضية السامية للاجئين إلى إعادة توطين المحتجزين بمخيمات تندوف في بلدان أخرى، في حالة عدم إمكانية تطبيق حل العودة الطوعية أو التوطين في البلد المضيف، وذلك حسب القانون الدولي للاجئين، وخاصة اتفاقية جنيف لعام 1951، والبروتوكول الإضافي لعام1967، وخلاصات اللجنة التنفيذية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تنص على اللجوء إلى الخيار الثالث، وهو إعادة توطين المحتجزين في بلدان أخرى.

إلا أن عددا من المراقبين يرون أن هذا الرهان صعب تدبيره، بالنسبة للمغرب من دون مساعدة أممية للاحتضان وتدبير احتياجات الآلاف من المواطنين، إضافة إلى عدم قدرة المغرب على تدبير اندماجهم في الوسط الجديد وهم المعتادون على العيش من المساعدات الدولية.

إضافة إلى حساسية تدبير الملف الأمني، حيث قد يعمد عدد من المؤيدين للانفصال إلى ربط الفوضى بالحريات والحقوق، وهو ما قد يجر على المغرب تداعيات حقوقية تهدد سيادته على الأقاليم الصحراوية.

وعليه يبقى هذا الرهان بحسب المتتبعين ينطوي على خطر، يكون فيه المغرب كالقابض على الجمرة لأن ذلك قد يثير إشكالات اجتماعية واقتصادية وسياسية ليس بالقادر على تحمل تبعاتها.

ولعل ما يوحي بأن المغرب واعي بإمكانية الخوض في معارك عسكرية ضد من ينازعونه شرعية السيادة على الأراضي الصحراوية، يستشف بوضوح في ثناء جلالة الملك على القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والإدارة الترابية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم في الدفاع عن حوزة الوطن وسيادته وأمنه.

والمعلن أيضا في خطاب جلالة الملك أن لا نجاح في إستراتيجية الجزائر بعزل المغرب عن فضائه الجغرافي المطل على الصحراء، ليؤكد محوريته عضوا يتهدده تنظيم القاعدة ومهربي البشر والمخدرات في الصحراء الإفريقية.

وقد وجد الخطاب الملكي في العملية العسكرية الموريتانية المسنودة فرنسيا ضد تنظيم القاعدة، مناسبة سانحة ببرد على محاولات الجزائر بعزل المغرب عن الصحراء، وذلك في خططتها لتأسيس تنسيقية عسكرية من دول الساحل والصحراء دون المغرب لمكافحة تنظيم القاعدة، تحت مبرر سياسي مفادها أن المغرب لا علاقة له جغرافيا بمشاكل الصحراء، في غمز ولمز إلى أن لا سيادة شرعية للمغرب على الصحراء الغربية.

فكان الخطاب الملكي واضحا في هذه النقطة حين يقول: "وتجسيدا لانتمائه الإفريقي، فإن المغرب سيظل وفيا لانتهاج سياسة إفريقية متناسقة، هادفة لتحقيق التنمية البشرية، وتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في إطار التعاون مع بلدان الساحل والصحراء، ومع الدول الإفريقية الأطلسية، لمواجهة المخاطر الأمنية المتعددة".

على المستوى الدولي أكد العاهل المغربي على الدور الفاعل للمغرب في إيجاد حل لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك في ما اعتره "الوفاء لأواصر الأخوة والتضامن، العربي الإسلامي، ما فتئنا نساهم بفعالية في نصرة القضايا العادلة لأمتنا، وفي الجهود الهادفة لإيجاد حل شامل وعادل ودائم، بمنطقة الشرق الأوسط، على أساس حل الدولتين.

ونهوضا بأمانة رئاسة جلالتنا للجنة القدس، كرمز للضمير الجماعي الإسلامي، في الدفاع عن الهوية الأصيلة لهذه المدينة السليبة، وحرمة مقدساتها، نؤكد ضرورة تضافر كل المبادرات والجهود، عربيا وإسلاميا ودوليا، وفق استراتيجية متكاملة ومتناسقة، وتحرك عالمي تضامني، انطلاقا من قرارات الشرعية الدولية، للتصدي الحازم للانتهاكات، والمخططات التوسعية الإسرائيلية المتمادية، في سياسة فرض الأمر الواقع، ومحاولات الاستفراد الإسرائيلي بمصير القدس الشريف".

elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات