… تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى
بقلم / حسن توفيق
هي لوحة تبدو معلقة ما بين الأرض والسماء علي امتداد الساحة العربية من أقصاها لأقصاها، ولأنها ليست لوحة جميلة، فإني أحاول أن أبعد عيني عنها، وأتمني لو أنني لا أستطيع أن أراها، ولكن كيف يتحقق لي هذا وهي تحاصرني في اليقظة وفي النوم، دون أن تجلب لروحي سوي المزيد من التعاسة والهم؟!.
اللوحة دموية ومرعبة حقاً، وتبدو كل الشخوص المرسومة فيها وهي تشير بأصابع الاتهام إلي سواها، ويبدو كل شخص في تلك اللوحة وكأنه الفارس الأوحد، وأنه الوحيد الذي يمتلك الحكمة والدراية، وأن الحمقي والجهلاء هم الذين لا يأتمرون بأمره ولا ينحازون إلي ما يري أنه الصواب، وفي كل مرة أحاول خلالها الإفلات من الحصار الخانق لهذه اللوحة الدموية المرعبة، أردد - بنبرة حزن تكاد تصل إلي حافة اليأس - الآية القرآنية الكريمة بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتي .
الكل في واحد.. هذا ما كان أيام عنفوان العروبة، أما الآن فإن ما يبدو في اللوحة الدموية المرعبة، يؤكد غياب الروح العربية الجماعية، لأن القلوب شتي، ولأن الأهواء متعارضة، بل متناقضة، ولأن البأس شديد بين الذين نتصور أو نحسبهم جميعاً، بينما هم شيع متنافرة، ومنها ما لا يري سوي موطيء قدميه، ومنها ما يريد أن يخلق لنفسه هالة، ومنها ما يكتفي بالقول دون الإقدام علي أي فعل!.
منذ أن تحمست حماس للقيام بانقلابها العسكري الذي ديست أثناءه وبالأحذية صور الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وسقط علم فلسطين ليرتفع العلم الأخضر بدلاً منه، لم يعد الفلسطينيون جميعاً وإنما أصبحت قلوبهم شتي وأصبح لا بد لكل منهم أن يتوجه إلي قبلته أو وجهته التي تناصره أو تحرضه، وقال محمود درويش بعدها بنبرة حزينة وساخرة انتصرنا وانفصلت غزة عن الضفة الغربية، وأصبح لدينا دولتان هزيلتان لا تتبادلان حتي التحية.. انتصرنا ونحن نعلم أن الاحتلال هو المنتصر الوحيد! .
ها هو الاحتلال الصهيوني يصب علي غزة سيولاً من النار التي تحرق البشر والشجر وتفتت الحجر، دون أن يعني هذا أنه ينام قرير العين وهو ينظر إلي الضفة الغربية، فكل ما يريده أن يقضي علي من يصفهم بالإرهابيين في غزة، لكي يضعف كل قوة لدي المتفاوضين معه في رام الله، لكن هؤلاء المتفاوضين فاجأوه بتعليق أية مفاوضات، وبالقول إن فلسطين لا يمكن أن تتشظي، حتي لو ظهرت أمامنا الآن في هيئة دولتين هزيلتين لا تتبادلان حتي التحية.. .
المنتصر الوحيد هو الاحتلال .. وقد استوعب هذا الاحتلال الصهيوني ما تلقاه من درس خلال مواجهته لمن حاربوه في تموز - يوليو 2006، أما هم فقد فقدوا شعبيتهم وشرعيتهم، بعد أن حاولوا أن يحاربوا مواطنيهم أنفسهم في بيروت.
اللوحة المعلقة ما بين الأرض والسماء، دموية ومرعبة حقاً، وليس من أمل لنا سوي أن يتحول الذين قلوبهم شتي لكي يصبحوا.. الكل في واحد.. كيف؟.. لا أدري.
التعليقات (0)