هذا المقال مرت عليه ست سنوات، وأعيد نشره الآن لوضع تساؤلي من جديد: هل تغير شيء؟
أوسلو في 27 أكتوبر 2003
من رحم المخاض والآم المبرحة والأوجاع يخرج جنين يصرخ فرحا بالحياة الجديدة, وتبدأ معه رحلة الأمل في السعادة والبهجة والأمن والسلام.
الذين ذهب الظن بهم في ثنائية العرش السعودي أنهم سيتقاسمون السلطة مع آل سعود, ولن تستطيع قوة في الأرض أن تجعلهم يتخلون عن سطوتهم وارهابهم وصكوك الغفران التي بين أيديهم والفتاوى الفجة التي كبلّوا بها عقول وأفئدة معظم أفراد شعبنا السعودي يعلمون الآن أنهم سيجنون قريبا جزاء ما أقترفت أيديهم وألسنتهم في محاولاتهم لفرض السطوة والسيطرة والقوة والارهاب باسم الاسلام الحنيف, ولي عنق النصوص المقدسة, فسحروا أعين الناس واسترهبوها, وجاءوا بسحر عظيم, أعني به اسقاط قداسة النصوص الدينية عليهم.
التطرف الديني تَرَبّى على نار هادئة لعشرات من السنوات كان الصمت في المملكة سنده الرئيس, وكان الظن بحق القوى الدينية في تقاسم عرش الوطن دافعا لثبات الموقف التعصبي المتشدد, بل وجعله سمة أساسية لنظام الحكم.
وكانت السعودية تُخرج من أرضها الآمنة أعدادا هائلة من المستنيرين والمثقفين والعقلانيين والعلماء الذين تعلموا قيمة التسامح, لكنهم للأسف الشديد لم يتمكنوا من تطبيقها في وطنهم, فثنائية العرش مقسمة تقسيما غير عادل بالمرة, يعطي القوى الدينية السطوة, ويمنح آل سعود السلطة!
ظلت القوى الدينية معادية تماما لقيم الحياة والجمال والخير والتسامح, وتستمد شرعيتها من الموت والقبر وعذابه, وتمسك سوطا لاذعا من الادعاء بأنها تملك تفسير النصوص المقدسة, وأن رجالها يملكون مفاتيح الجنة والنار, وتحارب الشعب السعودي الكريم متخذة جانب الكراهية والبغضاء وتضييق فسح الحياة ومعاداة الفنون في مناخ يخاصم كلية الانسان الذي كرمه الله, عز وجل, ويصالح القبور والجن والسحر والشعوذة وكراهية المرأة والكتب الصفراء التي مضت عليها قرون طويلة فُصِلت أكثرها عن العصر.
كانت القوى الدينية تصالح أحيانا, أو تصمت في أحايين أخرى عندما يتعلق الأمر برؤيتها لآل سعود الكرام, لكن الدلائل والشواهد تثبت أنها لا تحمل أي ود لأبناء المغفور له المؤسس الأكبر.
وقدمت الأسرة السعودية الحاكمة تنازلات كثيرة للقوى الدينية من أجل استمرار حالة اللاسلم واللاحرب مع المعادين للوطن والحياة, حتى قرار قيادة المرأة السعودية لسيارتها لاصطحاب أولادها وحمايتهم من الغرباء لم تستطع السلطة الشرعية أن تبت فيه, فهو مع صغره وضآلته قرار يعتبر المحك في استعراض القوة.
وقوى التخلف تفضل أن يقود السيارةَ سائقٌ آسيوي عازب ومحروم جنسيا, فيعتدي على الأطفال , أو يمارس أي صورة من صور الفاحشة وهي كثيرة, لكن قيادة المرأة للسيارة حرام في مفهوم نصوص وهمية داخل عقول عفنة ومتحجرة وقاسية وغير متسامحة.
وسقطت السلطة الشرعية في فخ نصبه لها ماسحو الأفكار لسحق المواطنة السعودية الممثلة في إيمان يقيني لدى المواطن بالاسلام الحنيف, فكبلته في طول البلاد وعرضها بعالم من الفتاوى الفجة, والنتنة, والمتخلفة, والمعادية للانسان وفطرته وكرامته وحريته واختياره المستقل, ولم يعد هناك شيء غير قابل للفتوى, فتسللت إلى الأحلام والفراش والضمير والفكر والثقافة والتعليم والصحة وكل ذرة عمل يمكن أن يقوم بها المرء, فسجنتها, وحولتها إلى آلة صماء يحركها روموت كونترول تلعب وتلهو به قوى التخلف.
حتى كروية الأرض نفاها نفيا تاما المرحوم المفتي العام للمملكة في الوقت الذي صمت المستنيرون من آل سعود ومنهم رواد فضاء وعلماء في الفلك.
عندما كان المطاوعة يجوبون شوارع المملكة ويطاردون المواطنين الأبرياء, ويجبرون الآمنين على الدخول إلى المساجد لأداء الصلاة حتى لو كانوا جُنُبا, أو جاء أحد منهم من الغائط, أو لامسوا النساء, أو أرادوا العودة لبيوتهم لأداء الصلاة مع عائلاتهم , كان هناك صمت ضعيف وحزين ومكتوم يخيم على الوطن, فثنائية العرش في واقعها العملي تمنح قوى التخلف أضعافا مضاعفة من السلطة والسطوة, وتترك للشرعية الممثلة بآل سعود الكرام ومثقفيهم ومستنيريهم قشورا دنيوية لا تخرج عن المال والمظاهر والألقاب.
وحل المطاوعة محل الشرطة, وخرجوا في سيارات تحمل أجهزة لاسلكي, وسمحت لهم الدولة ووزارة الداخلية بتوقيف المواطنين, واصطحاب من يخالفونهم إلى أقسام الشرطة, وربما ضربهم في الطريق أو سحب بطاقات الهوية. من منا لا يتذكر تلميذات المدرسة اللائي احترقن لأن المطاوعة رفضوا هروبهن من الحريق الذي اشتعل بالمدرسة الداخلية, فتغطية الوجه والشعر كانت شرطا مهما للنجاة من الموت حرقا, فاضطررن للعودة إلى نار مستعرة في مشهد جاهلي قاس لم يعرف التاريخ له مثيلا.
وخيم صمت رهيب على المملكة, وكنت أمني النفس بأن تكون تلك الفاجعة فرصة لخادم الحرمين الشريفين لاعلان فك الاتباط مع السلطة الدينية.
الذي حدث في الرياض جريمة قتل جماعية لا تحتاج لكل هذه الضجة من التفسيرات الساذجة , ومحاولات التوسط بين الدولة وبين القتلة, لكن الذي لا تريد السلطة الشرعية أن تسمعه من أصدقائها حقيقة مُرّة وهي أننا جميعا مشتركون بنسب متفاوتة في تلك الجريمة.
سنوات طويلة والمسؤولون في المملكة العربية السعودية يرفضون رفضا قاطعا الانصات لعتاب أصدقاء المملكة, ويهملون النقد, ويناهضون النصيحة, ويعتبرون أصدقاء الرياض الحقيقيين من المداحين والمنافقين والأفاقين والمرتزقة الذين يزينون لهذا البلد الطيب كل توجيهات قادته, ويجعلون من الأخطاء فكرا عبقريا, ومن الخطايا طريقا إلى الجنة.
جريمة مجمع المحيا كان من السهل التنبؤ بها, ومن تابع وراقب عن كثب حصاد العفن الناتج عن مئات الالاف من الفجاوى الفجة في كل مناحي الحياة والموت وما بعدهما لا يداخله أدنى شك بأن الاعلام ورجال الدين والجمعيات السرية والعلنية والخيرية والمثقفين كانوا جميعا يمهدون لطوفان لا يبقي ولا يذر.
لازلت أذكر كأنه بالأمس يوم تم القاء القبض على قيادات الاخوان المسلمين في مصر, فلم يمر يوم أو بعض يوم حتى كانت الاذاعة السعودية تذيع في كل مساء برنامجا عن فكر سيد قطب.
وبعد تعاطف امتد لأكثر من أربعين عاما اكتشف السعوديون أن الاخوان المسلمين يبطنون كراهية شديدة للنظام السعودي وشرعيته!
والسعودية واحدة من الدول القليلة التي تعتبر النقد موقفا معاديا, والعتاب مناهضة لنظام الحكم, والأصدقاء مؤلفة قلوبهم ويمنع عليهم توجيه نصائح أو انتقادات وإلا فقدوا المميزات المادية التي يتمتعون بها في ظل الرضاء الرسمي عليهم.
لهذا لم تجد السعودية أصدقاء ناصحين مخلصين عندما ظلت سنوات طويلة تقف موقفا معاديا من القوة العالمية الثانية مستخدمة تعبيرات القوى الدينية في أن السوفييت ملحدون وكفار وكأن فرق الاغتيالات في السي آي إيه الأمريكية مكونة من مؤمنين أتقياء .
ودفعت مليارات للأفغان وقوى التطرف في بيشاور في حربهم ضد الغزو السوفيتي, لكن التطرف كان يأكل معه الشعب المسكين, ويقوم بصناعة عشرات الالاف من نسخ أسامة بن لادن.
ووجه المخلصون نصائح للمملكة بعدم الاعتراف بأكثر الأنظمة الدينية عفنا وسفالة وانحدارا, أعني نظام طالبان البغيض, ولكن لم ينصت أحد, وحتى أئمة المساجد ألقوا خطبهم في مدح الفهم الطالباني للاسلام انطلاقا من تدمير المعابد البوذية التي كانت آمنة لمئات الأعوام ولا تؤثر قيد شعرة في إيمان الشعب الأفغاني بالاسلام الحنيف.
وآوى السعوديون جماعة الاخوان المسلمين التي ثبت تورطها بعد ذلك في أعمال معادية للمملكة.
بعدما قامت القوى الدينية بمساعدة المساجد والصحف والمجلات والدوريات والقنوات التلفزيونية والاذاعية والمطبوعات الاسلامية باغتيال براءة الفكر الحر بسهام الفتاوى الفجة وصنعت المسلم الخائف من الثعبان الأقرع في القبر, ومن وجود عفريت من الجن في فراش الزوجية, ومن جنية مهووسة بالجنس تطارده في الفراش, ومن رؤية وجه ابنة عمه المريضة في المستشفى لأن وجهها عورة وسيحاسبه رب العزة يوم الحشر حسابا عسيرا, ومن الاستماع إلى قطعة موسيقية هادئة تهديء النفس, وتسكن الروح, وتنعش القلب لأن الموسيقى حرام ...
وبعدما أصبحت حياة المسلم في يومه وليله خاضعة لمقياس القوى الدينية وصكوك الغفران الجديدة, كان لابد أن يبدأ تفريخ الارهاب, ويخرج المارد من الزجاجة, وينفجر الكبت كراهية وبغضاء وقسوة ودموية, ويصبح أمل الشاب اليائس من بؤس الحياة وظلمتها وكآبتها في عملية انتحارية تضمن له مكانا في جنة الشهداء قريبا من مصب أنهارها وفي بيت وصفه عمرو خالد بأن مساحته ألف عام !
العمليات الارهابية الدموية في السعودية نتيجة طبيعية لمعاداة الحياة, وكراهة الجمال, والغاء الآخر, ونحن لا نظن أن الضرب الأمني بيد من حديد هو الحل النهائي والحاسم, فالأمن السعودي يراقب كل صغيرة وكبيرة, ومع ذلك فإن تهريب الأسلحة يجري على قدم وساق, والحدود مع اليمن السعيد تفتح ذراعيها للمهربين المحترفين, ونفس الأمر ينسحب على المخدرات وحتى على عشرات الالاف من الذين يقيمون في المملكة بغير ترخيص اقامة أو عقود عمل .
الحل الوحيد الذي نراه من منطلق محبتنا للمملكة, ودعمنا وتعاطفنا مع آل سعود الكرام هو في تحرير المواطن من الخوف, ومن مسرور السياف الذي يمكن أن يقطع رأس المواطن في لحظة واحدة, ومن كهنة التفسيرات الدينية وعبدة النصوص الذين يوهمون شعبنا السعودي أنهم والاسلام العظيم شيء واحد.
ولن يتحرر المواطن من الخوف ما لم يفك آل سعود الكرام الاتفاق الجنتلماني الظالم الذي يقسم السلطة بين أبناء المغفور له المؤسس الأكبر وبين آل الشيخ من علماء وفقهاء ورجال دين, أعني المتحدثين باسم الدين.
كان من الممكن أن تصبح السعودية التي تذخر بمئات الآلاف من المثقفين والعلماء والأكاديميين والعباقرة جنة الخليج, لكن الذي حدث هو أن قامت القوى الدينية برسم مشهد مقلوب وباهت وعديم الجدوى لحياة كان من المفترض أن تكون بهيجة, ومليئة بالسعادة والاقبال على الحياة التي أهداها رب العزة لعباده.
والمجتمع لا يزال يغمض عينيه عن كوارث شتى تسبب فيها التفسير الأحمق لأكثر أديان الأرض انفتاحا واستنارة واقبالا على الحياة, وإلا فليذكر لنا عالم اجتماعي واحد سبب وجود عدة ملايين من الفتيات السعوديات والنساء عوانس محرومات من دفء الحياة الزوجية, وحقهن في زوج وأولاد وحياة جنسية طبيعية ؟
السبب الوحيد الذي نراه هو الرؤية الرجعية والقاسية واللادينية للعلاقة بين الرجل والمرأة, فتم وضع المرأة في سجن أسود من ملابس سميكة في قيظ صيف حارق, وتم اخفاء وجهها, واعتبار صوتها عورة, وخروجها والتقائها بأبناء شعبها من الجنسين معصية للخالق, واظهار وجهها تحديا لأوامر الله العلي القدير.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستقيم الحياة وتؤدي إلى الصورة المطلوبة ربانيا بغير لقاء المرأة بالرجل في مجتمع نظيف ومتحضر وعفيف ويثق رجاله بنسائه, وتحصل فيه المرأة على كامل حقوقها المشروعة والمواطنية بعيدا عن عصا المطاوعة, وتهديدات المهووسين بالتدين الجنسي.
جريمة وجود عدة ملايين من الفتيات والنساء عوانس في المملكة لا يجدن حبا ودفئا أسريا وحقوقا جنسية في الفراش نتيجة زواج حر ومستقل وعفيف وطاهر تتحمل وزرها قسوة المجتمع الذي ينحني أمام تفسيرات غليظة لدين يسير وسهل, ثم يعتبر حرمان ملايين النساء من الحياة الزوجية الطبيعية مشكلة بسيطة تسببت بها مطالب أولياء الأمور في مهور مرتفعة.
وبدلا من مد يد العون, والضرب على اليد الآثمة التي تكبل المرأة بفكر طالباني وراء ستار من حديد في عالم من الصمت المخيف, يعتبر المسؤولون هذه القضية ثانوية رغم أنها من منطلق انساني واسلامي وعدلي أخطر على الوطن من كل المشاكل والكوارث الأخرى.
المرأة السعودية التي تحاصرها من كل مكان الفتاوى الفجة, والاحتقار الشديد, واعتبارها ناقصة عقل ودين, ووضع حلول ذكورية لمشاكلها الانثوية فيتحدثون عن أهمية تعدد الزوجات, وعن أهل النار وأكثرهم من النساء, وعن حرمانها من الجنة لو نامت وزوجها غاضب عليها لكن الرجل لا يحرم من الجنة وهي غاضبة عليه لقسوته ومكوثه خارج بيته بعيدا عن أهله وأولاده , بل يكذبون علانية على الرحيم الجبار وهم يدعون أنها ستحرم من غفرانه وجنة الخلد لو دعاها زوجها للفراش فأبت وتمنعت, أما الرجل فله كل الحق في أن يتدلل ويرفض ويهجر فراش الزوجية.
تفريخ مجرمي مجمع المحيا كان يجري أمام أعيننا, وبأيدينا, وبغبائنا, وكلنا نشترك بمقاييس متفاوتة في التخطيط الارهابي لهذا العمل القذر.
ومع ذلك فلم نتعلم الدرس, كعهدنا بأنفسنا, وخرج علينا في الصحف والقنوات التلفزيونية عدد هائل من العلماء الذين لا يقنعون فأرا صغيرا بوجهة نظر واحدة, وجعلوا يصبون جم غضبهم على الارهابيين, أو يدعونهم إلى التوبة في قوالب مجمدة وغير حية, أو ينظرون في كل مكان بعيدا عن أصل المشكلة, وجذور الطوفان الذي قد لا يبقي ولا يذر.
نختلف تماما مع الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الذي يقول بأنه لن يحاور الارهابين إلا بالبندقية أو بالسيف!
إن حوار السيف لم يصنع المواطن الشجاع, ولم يمنع تهريب السلاح من اليمن وغيره, ولم يقلل من سموم المخدرات التي تغتال شباب الأراضي المقدسة وهم يسمعون الآذان خمس مرات في كل يوم وليلة, وتحيط بهم المواعظ والحكم والخطب والوصايا, فتطاردهم حتى في أحلامهم.
أما البندقية بمفردها فستخيف الارهابيين, وتطارد القتل, لكنها لن نصنع مجتمعا آمنا ومسالما وعادلا, وسيظل الخطر يداهم المملكة مالم تقم ثورة جديدة بقيادة الشرعية الحاكمة لآل سعود الكرام, وتعيد ترتيب البيت الداخلي, واعادة صياغة مجتمع حر وصريح ومستقل.
في خضم معركة حياة أو موت بين مجتمع يبحث عن سلام , وبين متشددين وارهابيين يبحثون عن الطريق إلى الجنة من خلال القتل وسفك الدماء, وقفت وسائل الاعلام في حيرة بين توجيهات رسمية مضي عليها نصف قرن بالاحتكام لرجال الآخرة في أمور الدنيا, وبين انقاذ الوطن من براثن خصومه الذين يحملون جنسيته , ويعيشون فوق ترابه, ويرضعون من دفء محبته.
ووسائل الاعلام التي تعرض على المواطنين ساعة كاملة في نشرة أخبار هامة استقبال أمير وتتوقع من المشاهد الكريم أن يجلس ستين دقيقة دون حراك متمتعا أو مندهشا أو مهتما بصف طويل من المهنئين يقبلون كتف الأمير, لن تستطيع أن تعرض هموم المواطن, أو تقنع ارهابيا واحدا بأنه مخطيء أو مجرم.
والانسان المكبل والخائف الذي يشعر بدونية أمام السلطة لا يعرض إلا قضايا العبيد, ولا يتنفس بعمق أو ينظر في عيني محدثه أو يعاتب أو يحمل الدولة مسؤولية خطأ أو يبحث عن التغيير من الأعلى.
إذا أراد حقا آل سعود الكرام النجاة بالوطن فليس أمامهم غير الانصات لأصدقائهم وعشاق المملكة والخائفين على الأراضي المقدسة والمتعاطفين صدقا مع أبناء المغفور له المؤسس الأكبر.
البندقية والسيف لن يتمكنا من القضاء على الارهاب, واستضافة كل علماء المملكة وفقهائها لتوجيه نصائح للشباب الانتحاري, من المجرمين أو من المغرر بهم, لن يحرك شعرة واحدة من إيمان أي منهم أنه يحسن صنعا بالقتل, فهؤلاء كالروموت كونترول تمت برمجتهم على أيدي أباطرة المزايدة الدينية.
انفتاح المجتمع وحريته في اختيار نمط حياته وفي اطار السهل والمتيسر والممكن من التطبيقات الدينية يمكن أن يكون مقدمة لوضع حل لقضايا ومشاكل المملكة.
ينبغي سحب البساط من تحت أقدام قوى التدين الجنسي, وذلك بفتح الأبواب أمام المبدعين في الآداب والفنون والسينما والمسرح والفلسفة والمنطق والنقد والاحتجاج, عندئذ لن تجد قوى الارهاب الاجرامي متنفسا لها إلا بين الحين والآخر في عمليات صعود الروح التي يقوم بها اليائسون أو الباحثون عن موقع في الجنة لن يشموا ريحه أبدا.
إن التدوير في المناصب الكبرى سيمنح نفسا جديدا للحكم, وسيقضي على شللية تكونت بالفعل بحكم السنوات الطويلة جدا في المنصب فجعلت من السهل أن يغيب الأمير المسؤول عن موقعه عدة أشهر دون أن يتغير شيء, فقد تأسس جدار سميك من الرجل الثاني والثالث والرابع والخمسين والمئة, وكل منهم يعتبر نفسه امتدادا لسلطة الأمير!
لو نجحت حملة الابتزاز الأمريكية لاجبار السعودية على دفع تعويضات لضحايا مركز التجارة العالمي فربما كانت النتيجة افلاس دولة, وحجز ارهابي أمريكي على مليارات من أموال المملكة وخيرات الشعب السعودي وممتلكات أجيال قادمة.
لذا فإن الحنكة والذكاء والحكمة تستدعي الاسراع في تغيير يطال كل ما على الأرض في المملكة, الأنظمة, القوانين, القضاء, الفتاوى, الصحافة, سطوة المؤسسة الدينية, حقوق المرأة, المعتقلات والسجون, شركاء الوطن من الاخوة الشيعة, حرية السعودية في سحب أموالها من المصارف الأمريكية متى شاءت وكيفما أرادت, بيع نصف النفط باليورو, السياحة كمصدر مالي, السعودة في كل المجالات, حقوق الوافدين والغاء نظام الكفيل المسيء لصورة الخليج
حرية اطلاق الصحف والمجلات, تجاوز صحافة استقبال الأمراء القائمة على خوف وجزع ورعب من الصحفيين أو تملق من بعضهم, مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات مالم يكن هناك نص مقدس يخالف ذلك, انشاء لجنة عليا للتحقق في كل مظالم الوافدين الذين سرقهم الكفيل, الغاء كامل لأي سلطة مهما صغرت لأجلاف المطاوعة, تنظيف الفكر الديني من عشرات الالاف من الفتاوى الفجة والمتخلفة والعفنة التي سجنت المسلم السعودي في اطارها, ومنعت عنه جمال الحياة ويسرها وسهولتها التي أنعم الله بها على البشر, البدء بانشاء مسارح ودور سينما لعرض الفنون المسرحية والجيد والهادف من الفن السابع, توزيع عادل للثروة فلا يعقل أن يأمر أمير ببناء قصر كلفته أكثر من مئتي مليون دولار في الوقت الذي يتحدث فيه المختصون والأكاديميون عن مساحة كبيرة من الفقر في واحدة من أغنى دول الشرق الأوسط والعالم العربي, إعادة النظر في العلاقة بين الرجل والمرأة لتصبح قائمة على عفة واختلاط نظيف وثقة بالرجل, اعتبار النظام الصارم والمتحجر الذي صنعته المؤسسة الدينية هو المسبب لكارثة وجود عدة ملايين من الفتيات والنساء السعوديات العوانس, والمحرومات من حق الحياة في حب وأسرة وعلاقة جنسية جميلة ودافئة وعفيفة بين زوج وزوجته في حدود ما أحل الله تعالى, تكوين جيش سعودي قوي في اطار تجنيد الزامي لا يستثني ابن ملك أو أمير, استثمار أموال وطنية في صناعة سلاح بأيد سعودية وعربية بدلا من صفقات تقدر بعشرات المليارات تنتهي دائما باللجوء إلى قوات أجنبية لتظلل حمايتها على المملكة, خروج المرأة للعمل لتحل محل العمالة الوافدة ويدور رأس المال في الوطن بدلا من تحويله للخارج في استنزاف مخيف من ملايين الوافدين, الغاء أي سلطة تمتلكها جهة دينية, فالدين معاملة وسلوك وعلاقات طيبة وليس سوطا لاذعا على ظهور المخالفين, السماح لغير المسلمين باقامة شعائرهم في حرية تامة, وبعرض أفكارهم مهما بلغت من مخالفة للاسلام, فهذا الدين الحنيف الذي يسابق الريح في جذب الآخرين لاعتناقه منذ قرون قادر على الاستمرار إلى يوم القيامة ولو تضاعف خصومه ومخالفوه ومحاربوه أضعافا كثيرة.
الحوار الوطني فكرة رائعة, وعمل يصب في صالح دعوتنا للتغيير, خاصة وأن الدكتور عبد الله عمر نصيف الذي عهد إليه مع غيره واحد من المفكرين المثقفين القادرين على إدارة حوار وطني ينبه صانع القرار السياسي إلى مقاصد وآمال شعبنا السعودي, وما يعتمل في نفوس أفراده. مرة أخرى, وليست أخيرة نعيد التذكير بأن العقبة الكبرى في طريق الاصلاح هي الفكر الاستعلائي الذي يرفض النقد والعتاب, ولا يميز بين الصديق والمنافق, ويضع عرض قضاياه في أيدي المؤلفة قلوبهم من المنافقين والمتملقين من كتاب وصحفيين واعلاميين ومثقفين لا يرون السعودية إلا نفطا ومالا وصحراء ورمال فإذا انقطع المال أداروا ظهورهم وولوا وجوههم شطر من يدفع أكثر!
حرية المخالفين في الدين جزء هام من صلب العقيدة الاسلامية من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر, والتقسيم الذي وضعته المؤسسة الدينية للناس على أساس دينهم هو تقسيم طائفي وعنصري وليس من الاسلام في شيء, فالانسان الذي أكرمه الله أكبر من كل التقسيمات التي ترى كل فئة فيها أن الله منحاز لها فقط, ولكن الله أكبر من كل هذا.
لماذا لا يعترف الاخوة في السعودية بأن تغطية وجه المرأة تسبب في كوارث وظلم وارهاب وجرائم وتهريب وفساد, ولعل تصريح أحد القتلة بأن ارتداء ملابس نسائية يدخل في أولويات تخطيط أمراء القتل, وقد حدث نفس الشيء منذ عام لكن القرار السياسي مرتبط بالمؤسسة الدينية التي تفصل الجنسين, وتعزل المرأة, وتسجن الفتاة في ملابس طالبانية وتطلب منها أن لا يراها غير أبيها وأخواتها, وتملك المؤسسة قوة مفزعة تستمدها من الايحاء بأنها صاحبة تفسير النصوص الدينية, حتى قرار قيادة المرأة للسيارة وهو أمر فيه حرية المرأة واستقلاليتها وعفتها وابتعادها وأولادها عن خطر الهوس الجنسي للسائق المحروم, حرمته المؤسسة الدينية وخضعت له السلطة الشرعية.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
التعليقات (0)