أوسلو في 25 مارس 2009
الغضبُ حالة من التطهر، والأممُ التي لا يغضب شبابُها لا تستحق أيَّ مكانٍ لها تحت الشمس!
عندما ترى شبابَ وطنك يثورون، ويغضبون، ويلوّحون بقبضاتهم في الهواء مهددين سارق لقمة العيش من مستقبلهم فثق حينئذ أنَّ أبواب الحرية على وشك أن تنفتح على مصراعيها.
في مصر طال البحث كثيرا عن النخبة الغاضبة فلم يعثر أحد على أثر لها، ولولا قلة نادرة تُعد على ضعف أصابع اليدين والقدمين في بلد الثمانين مليونا لظننت أنَّ الروحَ هربت من المصريين، وأن النفخة الإلهية في كبار أبناء بلدك من جنرالات الجيش والشرطة والمخابرات، وعمالقة الفكر والأدب والإعلام ، وأساتذة الجامعات ورجال الحقوق والعدل، وممثلي العدالة السماوية في المساجد والكنائس، ورؤساء الأحزاب السياسية والاجتماعية، قد عادت إلى بارئها، ورفضت الأمانة التي عرضها الله عليها، وقالت لربها: اذهب أنت فقاتل طاغيتنا إنا ها هنا قاعدون!
شباب 6 ابريل لن يخرجوا من الثكنات العسكرية فأبطال العبور لم يعودوا قادرين على الغضب من أجل زوجاتهم وأبنائهم ووطنهم وتراب بلدهم الطاهر.
وشباب 6 ابريل لن يرتدوا أرواب القضاة فقد أدار حماة العدل ظهورهم لهم إثر انتفاضة ناديهم، فلما اعتقل رجال مبارك الشباب المدافعين عن القضاة، واغتصبوا بعضهم، وسقط حذاء الضابط على وجه القاضي كانت رسالة طاغيتنا الجبار واضحة، فأبناء صاحبة أولى حضارات الدنيا لا يساوي أكبرهم منصبا وهيبة ومركزا أكثر من ضربة حذاء، فانصرف القضاة، وتم تعليق شبابنا في أسقف تخشيبات شرطة أعتى مجرمي العصر .. حسني مبارك.
وشباب 6 ابريل سيثبتون للعالم كله أن المصريين قادرون على الغضب، وأن وقف عملية بيع وطن أجدادهم وأحفادهم هي مهمتهم التي تخلى عنها الكبار.
لم أكن متفائلا من قبل ولربع قرن هو عمر معارضتي لفرعوننا الأكثر فسقا، وجوراً، وقسوة، وغلظة، ووحشية، ودموية، واحتيالاً، وكذبا من كل طغاة العصر كما أنا متفائل اليوم، فمصر تتنفس من جديد، وشائعات النظام العفن المستبد بأن شباب مصر لا يعرف غير البانجو والتحرش والتفاهات والتسكع في الطرقات والخمول على المقاهي ستثبت الأيام القادمة أنها غير صحيحة، فالتكنولوجيا من إنترنت ورسائل الكترونية وفيس بوك وملايين الرسائل على المحمول ستجعل لصوص القصر يهربون، وربما لن يطول الوقت حتى نرى مبارك وزوجته وولديه وزبانية الحكم مصفدين في قيود، وينتظرون عدالة الحكم في محكمة الشعب.
وقبل أيام الغضب في ابريل ومايو وصيف مصر الساخن وقبيل اكتمال مسرحية الشياطين التي سيصعد فيها ابن الشيطان الأكبر فوق رؤوسنا، لا قدر الله، أقدم نصائحي لزهور مصر وهي تتفتح، وتعبق نسيم الوطن بأزكى الروائح، وتثبت لنا أن ثورات الصغار أكثر اخلاصا وعفة وفعالية وحُبّاً خالصا لأم الدنيا.
رفض أي شعارات حزبية ودينية وفئوية وطائفية ومذهبية، وعندما يهمس شاب في أذن ابن وطنه خلال أيام الغضب ويقول بأنه يساري أو يميني أو وفدي أو ناصري أو شيوعي أو اخواني أو سلفي أو قبطي أو علماني أو ... فقد تحول لصالح الطاغية.
ممتلكات أي مصري أمانة في أعناق الآخرين، ومن يقوم بتكسير زجاجة واحدة أو واجهة محل أو سيارة فهو في صف مبارك، وينبغي التعامل معه على أنه من أعداء الشعب.
كلما ابتعد الشباب الغاضب عن صلب البلاء واقتنع بأن الحل في رفع الأجور وبعض فتات الخبز لأهله يَمُنّ بها عليه الطاغية فالثورة فاشلة لا محالة، والمطلب المعقول والواقعي هو اسقاط مبارك فورا، والقبض عليه وعائلته، وحينئذ ستتوالى استجداءات كبار الضباط والمسؤولين، وسيقسمون بالله أنهم كانوا يطيعون أوامر القصر فقط، وأنهم في جانب الشعب.
رشوة الثلاثين بالمئة لم تعد تنطلي على أحد، ومبارك أكبر كذبة في تاريخ مصر، وثورة شباب 6 ابريل لا تحتاج لأكثر من أسبوعين فقط ينهار بعدها النظام الدموي، وأغلب الظن أن مبارك سيستعين بالموساد وأجهزة الأمن الاسرائيلية لحمايته.
هناك احتمالات ايعاز مبارك لزبانيته القيام بعدة تفجيرات في أماكن حساسة، سياحية وعسكرية وربما أسواق شعبية أو دور العبادة، وهنا على الجميع الانتباه، فهذا نظام قذر لا يتوانى عن حرب إبادة ضد المصريين عندما يقترب منه الخطر والملاحقة، وأي حادث ارهابي ينبغي أن نشير جميعا إلى مبارك كمتهم قبل أن يتصارع المصريون ويخرج الطاغية منتصراً.
الشيطان يكتب، ويجلس في مكتب رئيس التحرير، وله آلاف المواقع على النت، ويدخل المنتديات، ويشكك في الثورة، ويشوش على طهرها وعفافها ومصريتها الخالصة، وخلال أيام الغضب فإن المدافعين عن مبارك كلهم من الشياطين، فلا يتصور عاقل واحد أن هناك مصريا لا يستطيع أن يُحصي مئات الجرائم لأبشع طاغية عرفته أرض الخمسة آلاف عام ، فلا تنشغلوا بشياطين الإنس في الصحف القومية والفضائيات، ولا تصدقوا من يقول لكم بأن طاعة مبارك من طاعة الله، لكن عصيان مبارك هي العبادة الحقة التي يقبلها ربنا حاليا.
سيحاولون اشغالكم بسؤالهم الذي لا يزالون يطرحونه ليمدّوا الروح في الطاغية: من سيأتي بعده؟ ومصر ولاّدة، وأبطالها ومُخْلِصوها كثيرون، وعندما يحاول مبارك الهروب فلن تمر ساعات قبل البيان رقم واحد.
أعداء ثورتكم الطاهرة هو ثلاثي الاستعلاء والكراهية ورفض الآخر ، ومن كان يظن أن دينه أو مذهبه أو طائفته أو حزبه أو جماعته أو أيديولوجيته فيها الخلاص الوحيد فنحن سنكون على موعد مع الجحيم لربع قرن قادم، والشعار الوحيد الذي ينبغي أن نلتف حوله هو تحرير مصر من اسرة مبارك.
يجب أن ترفضوا فكرة المكوث في الدار احتجاجاً فهي فكرة عقيمة، وتسمح لقوات الأمن ومعها البلطجية والقبضايات أن تنفرد بالمتظاهرين في الشوارع، فالاضرابات والمظاهرات والعصيان المدني والانتفاضة لا مكان لها غير الشوارع والطرقات والميادين، وأي احتماء داخل دور العبادة أو البيوت أو المصانع أو الجامعات أو المعاهد أو المدارس يمنح أجهزة القمع قوة مضاعفة.
أي شاب مصري يتم اعتقاله هو أخوك الذي لم تنجبه أمك، ومن يقول بأنه لا يعرف من اصطحبته أجهزة القمع معها فهو يُضعف ثورة الشباب، وإذا عاد الشباب إلى بيوتهم وواحد فقط لا يزال رهن الاعتقال فالثورة فاشلة لا محالة، ولا تفعلوا مثلما فعل القضاة معكم خلال اعتصامهم وتركوكم بين أيدي شياطين الطاغية.إما أن يعتقل النظام ثلاثين مليونا من الشباب أو يعودوا جميعا إلى بيوتهم بعد النصر الرائع بإذن الله، وتأكدوا من عدم غياب أي شاب.
الانتفاضة ليست اضرابا عن العمل والدراسة فليس كل شباب مصر طلابا، وأكثر شبابها عاطلون عن العمل، لكنها انتفاضة غضب وثورة محبطين ويائسين من حكم مبارك، فقد فاض الكيل في زمن أغبر، قاتم، ملوث بنجاسة أسرة الطاغية. زمن فيه مئات الأطباء ينخرطون في عمليات نقل الأعضاء من أجساد المصريين إلى حيتان العهد الأثرياء. زمن تلوث فيه الهواء والتعليم والكتاب والصحافة والإعلام والأخلاق والطعام، وغاب عن الوعي في المخدرات نصف مليون مصري، وصرخت ملايين من ربات البيوت بأنهن لا يستطعن اطعام أولادهن، وضربت الأمراض الوبائية أجساد أبناء الشعب، ولم يعد هناك أمل واحد، خافت في مستقبل يحكمه هذا الطاغية الدموي .. عدو مصر الأول.
الوعي .. الوعي .. الوعي ياشباب 6 ابريل، فأنتم أصحاب الثورة الطاهرة، ومن يسرقها منكم قد يسلمها للطاغية مرة أخرى ويقوم بتسليم رقابكم لجلادي الشعب، فلا ينبغي أن ينطفيء حماسكم بعد السادس من ابريل وحتى الرابع من مايو .. يوم احتفال المنافقين ببلوغ عدو الشعب عامه الواحد والثمانين.
لا تناقشوا أمورا تبعدكم عن يوم النصر، ولا يخيفكم من يقول بأن ذهاب الطاغية الدموي سيعقبه فراغ، وتمسكوا بأهم مطالبكم: اسقاط مبارك وأسرته، منع تفريغ بنوك مصر ومصارفها، قائمة( العار) للصوص والنهابين وضباط التعذيب ورجال مبارك وابنه، ورؤساء تحرير صحف التلفيق والكذب.
لا تطلبوا دعما من الخارج، ولا تعطوا فرصة لمن يستخدمها في التدخل بحجة الحفاظ على مصالح السلام وإسرائيل وأمريكا، ولا تعلنوا العداء لأي جهة خارجية قد تستخدمها في وأد ثورتكم الطاهرة، وأي كلمة توشي بكراهية من مسلم ضد الأقباط أو من قبطي ضد المسلمين لا يمكن تفسيرها إلا أنها لصالح الطاغية والاستبداد وضد مصر.
أنتم على موعد مع أول انتصار مصري على الطغيان، وأنتم أمل مصر الباقي، ولن يمر وقت طويل بإذن الله حتى نشهد محاكمة مجرم العصر وأسرته وزبانيته وضباط التعذيب والاغتصاب، وتعود للمصري كرامته.
وسلام الله على مصر.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)