أخيرا سقط القذافي، و انضم إلى لائحة ضحايا الربيع الشعبي من ديناصورات السلطة في العالم " العربي" بعد ستة أشهر كاملة من التعنت و الجنون. سقط القذافي، لكن ضريبة التغيير كانت فادحة بكل المقاييس بعد سقوط الآلاف من أبناء الشعب الليبي بين قتيل و جريح بسبب ديموكراسية ملك الملوك.
القذافي الذي ظل يصف الثوار في كل خرجاته الإعلامية بالجرذان، و غيرها من الأوصاف المستقاة من لغة " كليلة و دمنة"، توارى عن الأنظار و اختبأ في جحره هربا من الحقيقة التي لا يريد التسليم بها. وهو بذلك يذكرنا جميعا بالمصير الذي عرفه الرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما وجد نفسه مطاردا بعد سقوط نظامه سنة 2003. لكن هروب القذافي يجعل انتصار الثورة الليبية منقوصا، فالرجل و بعد أكثر من أربعين سنة من الحكم، مازال يتمتع بنفوذ خاص لدى بعض الأوساط، وهو بهوسه السلطوي يستطيع العزف على وتر القبلية و العشائرية لمنع عودة الهدوء و الإستقرار للبلد. و بالرغم من تهاوي نظام العقيد بعد إحكام السيطرة على معقله الرئيسي في طرابلس تحت ضربات قوات حلف الناتو و هجمات الثوار، إلا أن فلول النظام البائد المؤتمرة بأوامر القذافي و الدائرة المقربة منه مازالت قادرة على ترويع المواطنين و تهديد الأمن العام. لذلك فإن الإمتحان الحقيقي الذي يواجه المجلس الإنتقالي الليبي في المرحلة المقبلة يتمثل في العمل على إفشال مخططات بقايا "الحرس القديم" و بذل كل الجهود لإلقاء القبض على الرئيس السابق و مساعديه المقربين. و هذا يعني أن نجاح الثورة يقتضي توجيه الجهود إلى القضاء على رأس النظام. و تلك مهمة من شأنها أن تقضي على كل جيوب المقاومة المحتملة.
و إذا كانت مطاردة القذافي مطلبا أساسيا في سبيل تحقيق التغيير و قطع الطريق أمام كل أشكال التشويش التي قد تصدر عن أنصار النظام البائد، فإن عملية بناء ليبيا الجديدة تعترضها عوائق كثيرة. و لعل إعادة بناء مؤسسات الدولة بما تتطلبه مقتضيات المرحلة المقبلة تعد الهاجس الأول الذي ينبغي التصدي له، و بدون صدور إشارات واضحة وعملية تعبر عن هيبة الدولة و مشروعيتها فإن خطر تحول ليبيا إلى مستنقع جديد للصراع و التناحر الداخلي يظل قائما، وخصوصا في ظل فوضى السلاح التي تعرفها البلاد. فقد أصبحت الأسلحة في متناول الجميع بشكل يهدد الأمن الأهلي و ينذر بإمكانية استخدامها للإنتقام أو لتصفية حسابات خاصة. و لا يتعلق الأمر هنا فقط بطرفي الصراع اللذين أثثا المشهد الليبي منذ فبراير الماضي ( الثوار و الكتائب)، بل يخص المحسوبين على الثورة أنفسهم. ذلك أن القبضة الحديدية التي قاد بها معمر القذافي شعبه لفترة طويلة خلقت له عداوات كثيرة من أطياف مختلفة من تلوينات المجتمع الليبي، و كانت الثورة فرصة لتوجيه كل هذه الأطياف جهودها نحو إسقاط النظام في هبة شعبية عارمة. أما الآن، وبعد نجاحها في تحقيق هذه المهمة، فإنها ستعمل على تحقيق مكتسبات سياسية أو اقتصادية باسم الثورة. و قد تحاول بعض الأطراف استغلال الموقف لصالحها. و ذلك ما يفسر التخوف الدولي من إمكانية تنامي خطر تنظيم القاعدة في المنطقة، لا سيما أن جماعات إسلامية شاركت في الثورة. و في وضع كهذا، و في ظل الإنفلات الأمني القائم، يمكن لهذه الجماعات أن تنفذ أجندات خاصة بها في المستقبل. و هو ما من شأنه أن يقلق الجوار الإقليمي و الدول الغربية على الخصوص. و قد يتحول إلى مبرر كاف لاستنبات عراق جديد في منطقة شمال إفريقيا.
لقد نجح ثوار ليبيا في إسقاط صنم جديد من تماثيل النظام السياسي العربي، لكن القادم أصعب، فالتحديات التي تواجه المجلس الإنتقالي و معه عموم الليبيين تتجاوز إصلاح ما أفسدته عقود من حماقات القذافي، وتتعلق برهان مستقبلي على تبني الإختيار الديموقراطي وجعله صماما لأمان و أمن الشعب الليبي ضدا على منزلقات الفتنة و الحسابات الضيقة. محمد مغوتي.27/08/2011.
التعليقات (0)