المشهد الأكثر وضوحاً و تميزاً الآن هو مشهد رئيس الوزراء الجديد د/ عصام شرف في ميدان التحرير وسط الجماهير فيما يشبه أداء اليمين الدستورية. و المعنى الواضح أن الثورة قد سادت و أن الشرعية الآن لأولئك المتجمهرين في الميدان. لقد أسقطوا الرئيس والبرلمان و حتى الدستور، ثم أتموا إنتصارهم بآخر ما تبقى من رموز النظام القديم و هي حكومة الفريق أحمد شفيق الذي لم تشفع له كفاءته الإدارية في التعويض عن ضعفه السياسي. و الدكتور شرف لم يأت به الشعب و لكنه وافق عليه، و هو أول صاحب شرعية في العهد الجديد ، و لكنه يبقى التغيير الأسهل ، فرئيس الوزراء منوط به فقط تسيير أحوال البلد و هو على الرغم من شرعيته لم يأت في ظروف طبيعية ، و ليس من واجبه – فضلاً عن أنه ليس من حقه – هو و وزراءه- أن يضعوا أستراتيجيات جديدة و لا أن يفرضوا فكراً أو سياسات معينة . كل ما يمكنهم عمله – و يكونون به أبطالاً – أن يسلموا البلد باقل قدر من الخسائر الأمنية و الأقتصادية . و في رأيي أن حكومة الدكتور شرف لديها ثلاث ملفات أساسية نجاحها يتمثل في قدرتها على التعامل مع تلك الملفات:-
1. الملف الأول : هو الملف الأمني و هو الملف الأخطر و الاكثر إلحاحاً الآن. فلا يخفى على أحد الغياب الأمني الواضح و المتنامي و الحوادث التي تشهدها البلاد من قبل البلطجية و المخربين أبرز دليل ، فقد تراجع دور الشرطة لدرجة خطيرة و أياً ما كانت الأسباب فلا يمكن تخيل مجتمع بلا حماية و بصفة خاصة إن كانت نسبة ممن يسمون البلطجية فيه مرتفعة كما هو الحال في بلادنا ، و لا يمكن أن تحتمل البلاد هذا الوضع لأعوام و لا حتى شهور حتى يتم إعادة هيكلة جهاز الشرطة و إعادة تنظيم العلاقة بين الشرطة و الشعب و تغيير مسار جهاز أمن الدولة و غيرها من الأمور التي تأخذ وقتاً. و على الحكومة الجديدة أن تقوم – بالتوازي مع هذه الأجرءات المزمنة – بإتخاذ إجراءات سريعة جداً مهما كانت ثورية و غير تقليدية لإعادة السيطرة على الأمن فوراً و منها زيادات فورية واضحة في مرتبات العاملين بالشرطة و إعادة توزيع العاملين بقطاعات لا تتعلق بأمن و حماية المواطنين و الممتلكات و عدم قبول الأستقالات الآن و تقديم المتقاعسيين لمحاكمات عسكرية و التخلص من القيادات الفاسدة و تقليص دخولهم التي كانت بمثابة رشاوي من النظام السابق و حتى إن وصل الأمر للاستعانة بدفعات من الجيش للقيام بعمل الشرطة و التغاضي عن شهادة الحقوق التي لم تفد ضباط الشرطة على ما يبدو.
2. الملف الثاني : و هو مرتبط بشكل ما بالملف الثالث . هو الملف القضائي . و صحيح أن الأمر كله ليس بيد الحكومة إلا أن عليها أن تثبت للجميع أيمانها بإستقلالية القضاء و عليها أيضاً أن تساند و بكل قوة ذلك الفصيل من القضاء المسئول عن ملفات الفساد بما يتضمنه ذلك من دعم تقني و لوجيستي و مالي و دمج عدد من الهيئات التي تعمل في هذا المجال تحت رئاسة واحدة مع الحرص على الشفافية و الإفصاح. و إن كنت أقترح أن يتم الفصل و بوضوح بين رؤوس الفساد و المضطرين إلى المشاركة فيه، فلا يعقل أن يوجد رجل أعمال واحد تمكن من تسيير أموره في ظل النظام السابق بدون التعامل مع الفساد و المفسدين و أظن أن علينا – و بطريقة قانونية – أن نتصالح مع رجال الأعمال هؤلاء حتى لا نعاني من إنهيارات إقتصادية مفزعة.
3. و الملف الثالث هو الملف الإقتصادي و الخطورة الأساسية فيه قائمة على الإضطرابات و المطالب الفئوية ، و السرقة و النهب و البلطجة ، و كذلك خوف رجال الأعمال من إنتقامات عنيفة و أظن أنه من الإجرءات التي يمكن إتباعها – فضلاً عن الدور الأمني و القضائي السابق التنويه عنهما – الإسراع بتغيير الكثير من القيادات غير المرغوب فيها شعبياً و خاصة تلك الواضح تورطها في الفساد أو غير ذات الكفاءة و الإستعانة بالخبرات لإدارة هذه المصالح حتى لو أدى الأمر إلى الإستعانة بقيادات بارزة على المعاش و كذلك النظر فوراً في الفجوات الرهيبة و غير المبررة في الدخول بين رؤساء المصالح و من يليهم، ثم تحسين أحوال العاملين بالقدر الذي تستطيع موازنة الدولة تحمله بدون أخطار جسيمة.
التعليقات (0)