مواضيع اليوم

تحتاج لبيتهوفن لتتحضر

كمال غبريال

2010-03-01 16:24:52

0


 

استيراد التكنولوجيا بدون القيم التي أنجبتها زواج من جثة- كمال غبريال

 

تحتاج بيتهوفن لتتحضر

سينثيا فرحات
cynthia_farahat@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28
 
مقدمة:

قبل أن أقرأ تلك المقالة للدكتور دانيال بايبس المؤلف و المؤرخ و عالم بالدراسات الأسلامية الأمريكي، كنت دوماً علي يقين أن لا أمل لنا في التحضر دون تقدير و دراسة ما أسهم به الغرب من فنون في الحضارة الأنسانية، و لكني لم أكن أستطيع صياغة فكرتي مثلما صاغ الدكتور بايبس فكرته، لذلك بعد أن قرأته قررت ترجمة بحثه، لأكتشف الرؤية العميقة للدكتور بايبس لما يستطيع أن يفعله الفن لنا، و لأن الفن في الدول العربية و المستعبرة يتم تقديمه علي أنه نوع من الترفيه الذي تتجه له و أنت تشعر بالذنب لأستثمار وقتك فيه، و الذي يعتبر ليس من أساسيات الحياة و لكنه في عقول تلك الأمم نوع من الترفيه المحرم أو المبتزل، بالتوازي حتماً أن يَنتج عن هذا التوجه فقط فناً رخيص و مبتزل، حيث يتوب عنه لاحقاً مقدميه، عن خطيئته، فالذي قدموه و أسمهوا به و هم ينظرون له علي أنه خطيئة، حتماً لم يكن محترم.
و أنا كمثالة و عاشقة للموسيقي الكلاسيكية و ما أسهمت به من تغيير في شخصيتي، شعرت بنوع من الذنب أن أستمتع بهذا المقال التحليلي الرائع وحدي، دون أستاذي و أبي و صديقي العزيز الفنان محمد نوح، الذي لم يتوب عن الفن، لأنه لم يكن يقدم خطيئة، بل كان يقدم أبداعات و أعجازات من عقل رائع و ضمير وطني أنساني. حيث هذا المقال شديد التطابق مع كل ما تعلمت منه.
ترجمت هذا المقال لأقول له، هذا مقال لمؤرخ كبير في الجانب الآخر من العالم المستنير يؤرخ لما قضيت عمرك كله تفعله... دون أن يعرفك و دون أن تعرفه.
و يؤكد ما أمانت به طوال عمري، أننا لا أمل لنا دون لورنزو دي ميدتشي مصري، حتي عندما يأتينا ببينيتو موسوليني نجد حائط ن صلب نستطيع أن نرتكز عليه.
سينثيا فرحات.


تحتاج بيتهوفن لتتحضر

بقلم: د. دانيال بايبس

سبتمبر 1998

ترجمة: سينثيا فرحات


هل يمكن أن تتحضر دون أن تكون أكثر غربية ؟!
هذا تساؤل يؤرق الطغاة حول العالم ، من قادة متباينين مثل ماو في اليسار والخميني في اليمين، مِـن مـَن يطمحون الي إقتصاد مزدهر وجيشاً قوي – بدون ازعاج الديمقراطية، سلطة القانون، والسعي لتحقيق السعادة. يرحبون بأمريكا طبياً، وتكنولوجياً عندما يسلحون جيوشهم، ولكنهم يرفضونها من حيث فلسفتها السياسية وثقافتها السائدة. فالتكنولوجيا دون عبئها الثقافي هي نموذجهم.
و لكن لسوء حظهم ، الحصاد الكامل لإمتيازات الغرب يتطلب أيضاً الانصهار مع الفكر الغربي الخلاق الذي ابتدعها. الحداثة لا تحيا منفصلة بذاتها، ولا فكاك من صانعيها.
النسب العالية في النمو الاقتصادي لا تعتمد فقط علي قوانين تفرض الضرائب العالية، ولكن علي شعب مُمنهج علي أُسـُس الدقة وأخلاقيات العمل ، والإشباع المتأخر.
طاقم الطائرة الذي يعمل علي النفاثة المتقدمة المُفجر لا يمكن إلتقاطه من قرية ولكن يجب أن يكون منغمساً في أفكار العالم بأسره. فالثبات السياسي يتطلب حس من المسؤلية . فقط المجتمع المتحضر هو الذي يمكنه تحقيقه .
تثبت الموسيقى الغربية تلك النقطة بوضوح شديد ، خاصة أنها غير متصلة بالحداثة.
فالإستماع لـ " سوناتة كروزار " لا تضيف للناتج المحلي الإجمالي ؛ الإستمتاع بالأوبرا لا يستعرض قوة ، ومع ذلك .. لتكون حداثي يجب أن تبرع في الموسيقى الغربية ؛ ففي الواقع الكفاءة في الموسيقة الغربية تتوازى مع قوة ورخاء الدولة ، وتجربة الحضارتين الإسلامية واليابانية يوضحان لنا ذلك.
فالمسلمون كانوا غير مرحبين بقبول الموسيقى الغربية ، مما يعكس صعوبة عامة مع الحداثة؛ أما اليابانيون أتقنوا الموسيقى بكافة أطيافها، من الكلاسيكية الي الجاز ، مما يساعدنا في شرح كل شيء من أول الـين القوي إلى الثبات المؤسسي.

المسلمون

في معظم الدول الإسلامية، إختيار الذوق الموسيقى يمثل ارتباط وثيق وعميق بقضية الهوية.
فالمسلمون العلمانيون يميلون للترحيب بالموسيقى الأوروبية والأمريكية، باحثين عن دلالاتها التحرُرية والثقافية.
" زياد جوكالب" - منظر ورائد للعلمانية التركية الوطنية - كتب في بداية القرن العشرين :
" أن الأتراك يواجهون ثلاثة أنواع من الموسيقى اليوم: الموسيقى الشرقية، الموسيقى الغربية، و الموسيقى الشعبية. أيهم ينتمي لوطننا ؟ نحن رأينا أن الموسيقى الشرقية قاتلة وغير وطنية. الموسيقى الشعبية هي تراثنا الثقافي، والموسيقى الغربية هي موسيقى حضارتنا الجديدة. لا يمكن أن يكون أي من الثلاثة أجنبي علينا. "
أما مؤخراً، عندما وجد الأتراك العلمانيون أنفسهم تحت الحصار ، خائنين يذهبون إلى حفلات الموسيقى الكلاسيكية الغربية.
وكما قال أحد الصحفيين : " لقد أصبح هؤلاء علامة رمزية حاشدة للدفاع عن العلمانية التركية."
وفي حدث مُشبع بالرمزية ، نظمت السفارة التركية في طهران حفلاًً لمدة ساعتين مخصص للموسيقى الكلاسيكية الغربية في أواخر ديسمبر عام 1997، احتفالاً برأس السنة الميلادية. فبعض المناسبات الثقافية تستطيع بحدة إظهار الإختلاف بين أتاتورك والخميني.

وفي المقابل، الإسلاميين المتطرفين الذين يُخـَدمون علي بقاء الشكوك حول الغرب، يؤرقهم أن تكون للموسيقى الغربية تأثيراً خطيراً على المسلمين.
" نجم الدين أربكان " والذي كان رئيس وزراء تركيا عام 1996-1997 ، قلل من عدد فرق الرقص، والأوركسترا السمفونية، ومنظمات غربية أخرى. وفي المقابل حارب لأجل زيادة تمويل الفرق التي تقدم الفن الشعبي.
بالنسبة للأصوليين، مجرد الإستماع للموسيقى الغربية يعكس عدم الإخلاص للإسلام.
أحد المتحدثين في حشد للأصوليين في أسطنبول غازل جمهوره قائلاً :
" هذه هي الحقيقة يا تركيا. هذا الحشد ليس هو الجمهور الذي يخرج بلا هدف لسماع السمفونية التاسعة."
وقد نشرت جريدة إيرانية قصيدة ضد ضحايا إيرانيين مضطهدين و مخلصين قتلوا على يد الجيش العراقي وهم يستمعون لحفل موسيقى كلاسيكية – تم وصفهم بأنهم " نساء بوشاح ناقص" و "رجال بكروش" .
في تلك القصيدة ذاتها و التي كانت بعنوان " لمن تتحرك أوتار الكمان؟ " أشار كاتبها أن الحفلات التي تعزف موسيقى " موتسارت " و" بيتهوفن " تروج " لديدان الثقافة الملكية ". بكلمات أخرى - أي شخص يستمع لمقطوعة " يذكر غرامي" لموتسارت يجب بالضرورة أن يكون خائن للجمهورية الإسلامية أو للإسلام ذاته، وعن نفس المؤلف الكلاسيكي أدعى تونسي أن " خيانة العربي ... تبدأ عندما يبدأ بالإستمتاع لموسيقى موتسارت وبيتهوفن."

بالطبع، إذا كانوا مؤلفين القرن الثامن عشر يكيدون المتطرفين من المسلمين بهذا القدر، فكيف يرون موسيقى الروك و الراب ؟!
الموسيقى الرائجة في أمريكا اليوم تلخص كل القيم التي يشجبونها في الثقافة الغربية – الاحتفاء بالفردانية، الشباب، المتعة، والجنس غير المنظم.
التنظيم الباكستاني المتطرف حزب الله لقب " مايكل جاكسون " و " مادونا " بـ " إرهابيين" ثقافيين يطمحون لتدمير الحضارة الإسلامية. ولقد شرح المتحدث بإسم التنظيم خوفه قائلاً:

" مايكل جاكسون ومادونا هم حملة شعلة المجتمع الأمريكي، ثقافتهم و قيمهم الإجتماعية التي تحطم الإنسانية. هم يفسدون حياة آلاف المسلمين و يقودونهم للهلاك ، بعيداً عن دينهم ، قيمهم، وأخلاقهم.
الإرهابيون ليسوا هم فقط من يفجرون القنابل. بل هم أيضاً من يجرحون مشاعر الآخرين.
وقد أنهت جماعة حزب الله حديثها بالمطالبة بمحاكمة هؤلاء الإثنين في باكستان.

إن حديث حزب الله يشير إلى أسباب عدم ثقة الأصوليين في الموسيقى الغربية: لأنها تفسد أخلاق المسلمين وتبعدهم عن أولويات متطلبات دينهم.
أحمد قطان- شيخ فلسطيني يعيش في الكويت- يجد الموسيقى الغربية " تنشر المتعة والنشوة ، مثل المخدرات " شارحاً :
أنا أسأل الكثير من الناس، " عندما تستمعون إلى مايكل جاكسون، بيتهوفن، و موتسارت، كيف تشعرون ؟ "
يقولون: " آه ، إني أشعر أن قلبي ينخلع من صدري."
فأقول لهم، " إلى أي درجة؟ "
يقولون لي: " والله لدرجة ، إني أشعر فجأة اني أطير، و لحظة أبكي، و اخرى أضحك وأرقص، وبعد ذلك احتمال أن أنتحر"
يا الله ، نحن نحتمي بك من الغناء وشره.
آية الله الخميني كان له وجهة نظر مشابهة ، كما شرح لأحد الصحف الإيطالية:

الخميني : الموسيقى تبطل العقل، لأنها تتضمن المتعة والنشوة ، مثل المخدرات. موسيقاكم لا ترفع الروح لكنها تخمدها. وتفسد الشباب لأنها تـُسممه وتجعله ينصرف عن الاهتمام بوطنه.
أوريانا فالاسي : حتي موسيقى " باخ " ، " بتهوفن " و " فيردي " ؟
الخميني: لا أعرف أسمائهم.
ولكن علي غير المتوقع، بدأ الخميني يقلل من حدة لهجته :
" إذا كانت موسيقاهم لا تبطل العقل ، لن يتم حظرها. بعض من مقطوعاتكم الموسيقية مسموح بها. علي سبيل المثال ، موسيقى المارش، أي تراتيل المسيرات... نعم موسيقى المسيرات مسموحة. "

والبعض أيضاً سمح بموسيقى المارش كإستثناء . " قطان " علي سبيل المثال، ميز بين الموسيقى المنحطة والموسيقى التي ذات فائدة:
" لا " موتسارت " ، ولا " مايكل جاكسون " ، لا يسمح بالغناء والعزف على الآلات الموسيقية ، فقط ضرب الطبول."
فالمسلمون الأصوليون يسمحون بالنشوة التي تخلقها الموسيقى الغربية فقط عندما ترافق الشباب إلى قبورهم حيث مارشات الموتى !!

معلومة جانبية:
من الشيق معرفة أن موسيقى المارش هي الموسيقة الغربية الوحيدة التي تأثرت بالشرق الأوسط بشكل واضح ؛ فالغجر قدموا الموسيقى التركية - أو "الإنكشارية" – إلى أوروبا في القرن الثامن عشر. والجيش الأسترالي هو أول من تبنى هذا النوع من الموسيقى فقد تداخلت فيها آلات إيقاعية جديدة مثل الدفوف ، والمثلثات، والصنوج وطبول الباس.
أضافت تلك اللمسة الشرقية جمال وغرابة. وبعد ذلك بمدة وجيزة تسربت تلك الموسيقى إلى الأوركسترا أيضاً : فـ " موتسارت " استخدم أولاً الأسلوب التركي في الموسيقى في سكتش بدأه عام 1772 و التأثير "التركي" واضح في مقطوعته المسماه " الأختطاف من الحريم " وأيضاً نهاية سيمفونية " بتهوفن " التاسعة. فبطريقة أو بأخرى، تعود موسيقى المارش لمبتدعيها
وبالتوازي، تعتمد السلطات التركية على الموسيقى الكلاسيكية لتـُهدئ قواتها. ما يسمى بوحدات " قوات الصلب "، المُلوحين بعصيانهم، المشهورين بقسوتهم مع المعارضين، يضطرون رغماً عنهم للجلوس للإستماع إلى " موتسارت " و " بيتهوفن " في حفلاتهم وهم في طريقهم متجهين لتنفيذ عملياتهم لتـهدأ أعصابهم.

وهناك أصوليين آخرين تباينت لهم أفكار أخرى عما هو مسموح به من الموسيقى، في مشهد له رمزية أيضاً في مركز الملك فهد الثقافي، قاعة رائعة تتسع لـ 3000 فرد في الرياض بالسعودية. قبل وفاة الملك فيصل بفترة قصيرة في عام 1975، والذي أجاز بناء هذا المركز كجزء من إعادة بناء المرافق التي تتيح للرياض أن تكون العاصمة، وتحويلها لمدينة حديثة. انتهى بنائها في 1989 وتكلفت القاعة 140 مليون دولار، وامتلأت باللمسات الغنية من أكثر أنواع الرخام جودة، إلى أكثر أنواع الخشب رقياً ، ناهيك عن أحدث نظم الإضاءة بالليزر ومسرح هيدروليكي.
ولكن لم يشهد المركز أي عرض في تلك القاعة قط . لقد تمكن سياسي أجنبي من زيارة تلك القاعة ليجد أن هناك 180 عامل يعملون في الحديقة ليجعلونها في حالة جيدة طوال الوقت منذ حوالي عقد من الزمن ، وهم لا يراعون الحديقة فقط ، ولكنهم يستخدمون التكييف المركزي طوال العام للمحافظة علي الأخشاب القيمة ولتجنب أن تسوء حالتها بسبب عوامل الطقس . لماذا لا يستخدم ذلك المركز الثقافي ؟!
لأنه يُعد إهانة للمشاعر الإسلامية المتشددة في السعودية.
لقد أشار تقرير، أنه عند إذاعة خبر إقامة حفل يعزف الموسيقى الغربية في تلك القاعة من قبل فرقة مختلطة ( نساء ورجال) من العازفين لجمهور مختلط ، قد تسبب في ثورة رجال الدين ثورة عارمة.
إن ملحمة قاعة الرياض الموسيقية ترسم لنا المناظرة القائمة حول الموسيقى الغربية بين الأصوليين المسلمين من ناحية والملك فيصل - والذي لا جدال في صحة إسلامه - .
فالملك ظن أنها مـُتعة مُباحة، ولكن السلطة الدينية السعودية اعتبرتها عكس ذلك. والأصوليين فيما بينهم يختلفون علي التفاصيل.
إن كاتب عمود الإستشارة في جريدة لوس أنجلوس الإسلامية الأسبوعية قال:
" الموسيقى الهادئة بكلمات عذبة نقية مقبولة إسلامياً ، ولكن بشرط ألا تقود للإختلاط."
في المقابل ، وُلد علي الحسيني الخامنئي - المرشد الروحي لإيران - يعتبر أن " الترويج للموسيقى لا يتفق مع أهداف النظام الإسلامي."
و بناء عليه رفض تعليم الموسيقى للأطفال ومنعها و قال " موسيقى السوينج تحرض على الفجور. حتي وإن سُمعت في أجواء تفصل بين النساء والرجال. "
الشيخ التلفزيوني المصري الشهير " الشعراوي " ذهب الي أبعد من ذلك وأدان المسلمين الذين ينامون وهم يستمعون للموسيقى الكلاسيكية الغربية بدلاً من القرآن. فإستلهم منه أصوليون من صعيد مصر واعتدوا على حفل موسيقى و حطموا آلات موسيقية، وتم القبض عليهم.
مع تلك المواقف و التوجهات، يصعـُب الإستغراب لماذا حقق المسلمين الممارسين للموسيقى الغربية القليل من التقدم .
فقد أشار المؤرخ برنارد لويس، " مع أن بعض المؤلفين الموسيقيين الموهوبين في الغرب من دول إسلامية ، وخاصة من تركيا ، ونجحوا نجاح باهر في العالم الغربي، لكنهم لم يجدوا غير القليل من التجاوب لفنهم في ديارهم." ومع ذلك لا يحققون شهرة كافية أو تأثير مباشر خارج ديارهم، ويظلون شخصيات ثانوية.

اليابان
كيف تختلف اليابان ؟ حقاً إن رد الفعل تجاه الموسيقى الغربية كان متباين : عندما سمع نوريماسا موريجاكي - عضو في سفارة اليابان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1860- طفل يغني في هاواي ، شبه صوته بصوت "كلب يعوي ليلاً."
و مع ذلك في غضون بضعة أعوام ، أحبت اليابان الموسيقى الغربية أكثر، لدرجة أن الموسيقى وحدها كانت وراء انجذاب أفراد للمنطقة الغربية.
ففي 1884، شويتشي توياما قال: " يجب أن يتم إعتناق المسيحية أولاً من أجل التطور في الموسيقى .
ثانياً .. من أجل التطور لزيادة التعاطف بين الأخوة في الإنسانية، الحياة في تناغم
وثالثاً .. لأجل تحسين العلاقات الإجتماعية بين الرجل والمرأة."
لاحظ أنه ذكر الموسيقى أولاً.

وقبل ذلك، أكتشف بعض اليابانيين أن الموسيقى الغربية تــُعبر عن الإحساس أفضل من أي شئ آخر في ثقافتهم. فالكاتب المشهور ناجاي كافو (1879-1956) بعد أن غادر فرنسا ، بدأ يتغزل في جمال الثقافة الفرنسية قائلاً :
مهماً حاولت أن أغني مقطوعات غربية ، بقت الأغاني دائماً في غاية الصعوبة بالنسبة لي . هل لأني ولدت في اليابان فليس من حقي أن أغني سوى أغاني يابانية ؟
هل هناك أغنية يابانية يمكنها أن تـُعبر عن مشاعري الحالية – مسافراً وقع في حب الفن الفرنسي ولكنه عليه أن يعود الآن لهذا الجانب المدقع من الشرق حيث فقط الموت يلحق برتابة الحياة ؟... أشعر أنه تم التخلي عني كلياً .إني أنتمي لأمة ليس لديها موسيقى تـُعبر عن مشاعري المشتعلة والأليمة .
كافو هنا يصف مشاعر شبه مجهولة تماماً للأمة الأسلامية.
إن الموسيقى الشعبية متضافرة بعمق في علاقة أخذ وعطاء مع الموسيقى الغربية. مثل كتل الخشب، آلة يابانية شعبية، تعتبر الآن من معايير الجاز لآلات النقر. الموسيقى اليابانية الشعبية أثرت علي الكثير من المؤلفين الغربيين، وجون كيج يعد من أكثرهم تأثراً. طريقة السوزوكي، التي تطبق التكنيك الياباني في التدريب عن ظهر قلب (المختبأ) التي يتقنها الأطفال عندما يتعلمون الكمان، كسبت شعبية ملحوظة وتباعية في الغرب. فشركة ياماها تبيع أكثر من 200،000 بيانو سنوياً حيث أكبر سوق للآلات الموسيقية في العالم.

و مع ذلك، الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية والأمريكية جنت شعبية كبيرة وسط المشهد الثقافي الياباني. طوكيو لديها تسع فرق أوركسترا محترفة وثلاثة فرق أوبرا، وأصبحت مركزاً لأكبر تجمع من المواهب في الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية في العالم.
سيجي أوزاوا، رئيس قسم الموسيقى في أوركسترا بوسطن السيمفوني ، والذي يُعد من أفضل قادة الاوركسترا ، ياباني الجنسية . ومن أشهر الفنانين الكلاسيكيين عازفي البيانو أكي و يوجي تاكاهاشي، وستومو ياماشيتا أيضاً من أفضل عازفي آلات النقر.
مع أن المؤلفين الموسيقيين اليابانيين مازالوا غير معروفين كثيراً خارج اليابان، ولكن نشاطهم ملحوظ. تورو تاكميتسو، والذي جعل تخصصه إكتشاف التيمبر وجعل الأصوات اليومية في الإعلام بأوروبا واليابان تعد من الأفضل في العالم.
أكيرا ميووشي ألفت موسيقى كلاسيكية غربية. توشي إتشيياناجي، جو كوندو، تيريياكي نودا، و يوجي تاكاهاشي يكتبون بطريقة تجريبية. شينيتشيرو إيكيبي، مينورو ميكي، ماكاتو موروي، و كاتسيتوشي ناجاساوا موسيقيين يابانيين كلاسيكيين معروفين أيضاً، وتوشيكو اكيوشي من أفضل عازفي الجاز.

إن الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية أسقطت صفتها الأجنبية في اليابان، وأصبحت محلية بشكل كامل. في ذلك، تشابهت اليابان مع الولايات المتحدة، دولة أخرى أستوردت تقريباً كل موسيقاها الكلاسيكية.
كما أنهم أيضاًَ تبنوا الموسيقى على طريقتهم وعاداتهم الخاصة – ففي عام 1812 عزفوا "الإفتتاحية" في الرابع من يوليو -- وكذلك فعل اليابانيين أيضاً . والسمفونية التاسعة لبيتهوفن تم عزفها كنشيد إحتفالاً بالكريسماس ورأس السنة. لا تعزف فقط الأوركسترا تلك السمفونية طوال العام، ولكن خلال شهر ديسمبر تعزف تلك المقطوعة مع كوراس (مكون من عشرة آلاف فرد).

أما عن موسيقى البوب، اليابانييون – تقريباً مثل كل شعوب الأرض – يعشقون نجوم البوب الأمريكيين وينمون مواهبهم المحلية. ولكن الملحوظ تداخلهم أكثر مع موسيقى الجاز. وسوق الجاز في اليابان ضخم لدرجة أنه يؤثر على سوق إنتاج موسيقى الجاز في الولايات المتحدة. مقاهي الجاز تزداد ( والتي تستخدم أحدث تقنيات الآلات الصوتية والموسيقية ) ، واليابان تستضيف العديد من إحتفالات الجاز الدولية كل عام . جريدة السوينج الياباني تبيع 400,000 نسخة شهرياً ( بالمقارنة بجريدة داونبيت الأميركية التي تبيع فقط 110,000 نسخة ) وتقريباً نصف الإنتاج الأمريكي من موسيقى الجاز يتم شراؤه من قبل اليابانيين.
حقاً كما قال مايكل كاسكونا من بلو نوت للتسجيلات : " اليابان تقريباً وحدها حافظت على سوق الجاز في أواخر السبعينات. بدون السوق الياباني، العديد من المشاهير في موسيقى الجاز المستقلين ، كانوا أنطووا علي أنفسهم، أو توقفوا عن طرح أعمال جديدة في الأسواق. هذا سوق أضخم من أن يتم فقدانه ، فيجب على الفنانين الأمريكيين وغيرهم أن ينتبهوا جيداً للذوق الياباني."
أما عن الإبداع الياباني ، فالنتائج متواضعة إلى الآن – المؤلفين والموسيقيين لا يبتكرون بقدر ما يقلدون نماذج غربية -- ولكن جودة وضخامة سوقهم المحلي الراقي يُـتيح للموسيقيين اليابانيين أرض خصبة للتجربة والريادة. وبدأت بالفعل محاولات لمزج موسيقى الجاز مع الموسيقى اليابانية التقليدية ؛ وتلك الإبتكارات على الأرجح ستؤثر على موسيقى الجاز كما أثروا على فن المعمار والأزياء. فمن الطبيعي التنبوء أن اليابانييون سيؤثرون بقوة في موسيقى الجاز.
ساهم اليابانيون في فن الموسيقى بطريقة أخرى. آلة الكاريوكي التي تذيع موسيقى مسجلة من أغاني مشهورة تجدها حاضرة في العديد من الحانات وتعطي الفرصة لأي شخص أن يغني أغنية مشهورة وكأنه فنان معروف ، لتضفي أوقات مـُبهجة للكثيرين. وآلة الكاريوكي أصبحت ليست فقط وسيلة للترفيه حول العالم ، ولكنها أيضاً أتت بخصائص البار الياباني معها ( من مضيفة ، ماما-سان، و ميكروفون الكاريوكي ) وانتشرت وسيلة الترفيه تلك بشدة في الغرب. كما تـُباع ماكينات الكاريوكي في سلسلة محلات سيرز وتجذب الكثير من المعجبين.

الإستنتاج
إن رد فعل كل من المسلمين واليابانيين تجاه الموسيقى الغربية له العديد من الدلالات عند إلتحامهم بالحضارة الغربية. فالمسلمون يتواصلون دائماً مع الغرب مـُحملين بقلق وخوف من فقدان هويتهم ، والذي يمنعهم من الإنغماس في التعليم الغربي، أو أكتساب المهارات التي تؤهلهم للريادة سواء في التكنولوجيا والتجارة. ليظلوا في حالة مستديمة من التأخر، يتأقلمون مع تيارات مختلفة ومتباينة من التأثير الغربي، ولكن بالكاد يؤثرون في الغرب علي الإطلاق.
أما اليابانيون ، فيقومون بالأمور بشكل مختلف.
أولاً .. يلقون بأنفسهم كليةً في كل ما هو جديد، دون خوف من فقدان هويتهم.
ثانياً .. يكتسبون مهارات تتناسب مع الغرب أو تتفوق عليه في لعبته . فما تمثلة أوركسترا طوكيو للموسيقى، هو ما تمثلة تويوتا ونيسان للسيارات.
ثالثاً .. اليابانيون لهم عاداتهم و تقاليدهم الخاصة ، إما قائمة علي تقاليدهم (مثل الكاريوكي) أو مزيج من الحضارات (مثل حفلة رأس السنة السنوية التي يعزفون فيها السيمفونية التاسعة لـ بيتهوفن ).
أخيراً .. لقد أخترع اليابانيون تقنيات تبناها الغرب ؛ منهج سوزوكي في الموسيقى يوازي صناعتهم في السيارات. لقد إمتصوا الحضارة الغربية كلياً ، تركوا ما كان غير ذات أهمية لهم ، وأخذوا ما كان يعنيهم، وتفوقوا فيه.
ولذلك إن ردود الفعل تجاه الموسيقى الغربية تختصر تجربة الحضارة مع الحداثة.
فغياب القدرة على الإستفادة منها يجعلها أكثر صلاحية لتكون مؤشر علي الإنجاز. كيف؟
يقول لويس : " الموسيقى، مثل العلم، إنها جزء داخلي في قلعة الحضارة الغربية ، أحد أسرارها النهائية التي يجب على من يأتي حديثاً أن يخترقها. "
فالموسيقى تمثل تحدي الحداثة ، والكفاءة في تلك المنطقة تعد مؤشراً حقيقياً على القدرة على التعامل مع أي شئ آخر يقدمه الغرب.
إن مقاومة المسلمين لقبول الموسيقى القادمة من الغرب يمثل بشكل كبير رفضهم هذا . ولكن نجح اليابانيون حقاً في اختراق قلب القلعة.
بإختصار، لتتقدم يجب أن تعزف بيتهوفن، كما يعزفه الغرب.

 



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !