قناة السويس هي عبارة عن ممر مائي صناعي، يربط بين بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط والسويس على البحر الأحمر. وهي أقصر طريق بالنسبة لدول المتوسط وأوروبا وأميركا للوصول إلى آسيا، بدلاً من طريق رأس الرجاء الصالح.
كما هو معروف أن قناة السويس حفرت بسواعد مصرية مئة بالمئة، وعمل فيها أجدادنا القدماء بالسخرة ــ دون مقابل ــ وكانوا يساقون للعمل فيها مربوطين بالسلاسل كالأغنام، ولا تراعى آدميتهم، لأن مصر وقتها كانت تحت إمرة أحفاد محمد علي، أي إنها كانت محتلة عثمانياً.
راح جراء حفرها الكثير من أجدادنا، بسبب إجبارهم على ممارسة الأعمال الشاقة، وطول ساعات العمل، وسوء الأحوال الجوية، وعدم وجود المياه الصالحة للشرب، ومن عاش منهم أصيب بكثير من الأمراض والأوبئة غير المعروفة، لأن دماء المصريين كانت رخيصة على أسرة محمد علي.
قناة السويس عزيزة علينا، فقد حفرت بسواعد أجدادنا، وهي مملوكة لنا، وتقع على أراضينا، ومياهنا الإقليمية، وليس لأحد من الخارج وصاية عليها.
عندما عبر الأسطول الأميركي قناة السويس، متوجهاً إلى العراق لاحتلالها، بحجة أنها تمتلك أسلحة نووية، شجبنا ونددنا بأعلى صوتنا، وطالبنا بعدم السماح له بالعبور، لأننا نعلم أن دخول أميركا للعراق كان طمعاً في نفطها، وليس حباً في شعبها، فبرر النظام حينها بأنه لا يستطيع منعه بحجة أن هناك اتفاقيات دولية موقعة، ولا يستطيع التملص منها، رغم أننا ومنذ فجر التاريخ لم نر أو نسمع عن دولة غربية ولا شرقية تلتزم بالاتفاقيات الدولية الموقعة، طالما أنها ليست في صالح شعوبها، إلا مصر المحروسة، التي كان يحكمها نظام ضد رغبة شعبه، وجاء عن طريق صناديق اقتراع مزورة.
قلنا وقتها: إن النظام مترهل، ورئيسه ضعيف، وليس عنده أي كاريزما، ولا يستطيع أن يأخذ مثل هذا القرار، لأنه كان يتخيل أنه يحكم مصر بإرادة أميركية، وإذا خالفها ستنقلب عليه وتضحي به، ولا يستطيع أن يورث الحكم لنجله المدلل جمال، كما كان متخيلاً.
الآن، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، تغير الوضع، وأصبح يحكم مصر رئيس منتخب، وصل إلى سدة الحكم بإرادة شعبية، وعن طريق انتخابات نزيهة، لكن الوضع لم يتغير مع تغيير النظام، وما زلنا لا نتحكم في عبور السفن والبوارج الحربية، التي تعبر قناة السويس متوجهة إلى سوريا الأبية لقتل إخواننا المستضعفين.
منذ قيام الانتفاضة السورية المباركة، وتطالعنا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، كل فينة وأخرى، عن عبور سفن حربية، محملة بالأسلحة والذخيرة، متوجهة إلى النظام السوري المستبد، الذي يقتل شعبه على الملأ، عياناً بياناً، ليلاً ونهاراً، من أجل البقاء على كرسي السلطة، الذي سيزول لا محالة.
يعلم النظام المصري يقيناً أن كل السفن التي تأتي من روسيا أو الصين أو إيران أو العراق، متوجهة إلى سوريا، لا تحمل طعاماً ولا شراباً ولا ملابس ولا أدوية للأبرياء العزل المنكل بهم، ولكنها تحمل أسلحة لقتلهم على مرأى ومسمع من جميع وسائل الإعلام، لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة، فاستخدم معهم النظام الفاشي كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، ظناً منه أنه بذلك سيخمد ثورتهم، وسيعودوا أدراجهم، وساعده في ذلك المدد الذي يأتيه من الدول المساندة له.
لولا التدخل الخارجي في الشأن السوري، والمدد الذي يرسل إليه من أسلحة وخبراء حرب وجنود وشبيحة، لما صمد إلى وقتنا هذا، ولرحل عن المشهد السياسي برمته، غير مأسوف عليه.
إذا كانت الاتفاقيات الدولية تمنعنا من السيطرة على أراضينا ومياهنا الإقليمية، فنحن نرفضها تماماً، ولا نلتزم بها، طالما أنها تضر بمصالحنا ومصالح إخواننا العرب والمسلمين، لأن مصلحتنا ليست في مجاملة الأنظمة الحاكمة ولكنها في مؤزرة الجماهير، لأن الأنظمة زائلة، والشعوب باقية.
أملنا في رئيسنا الدكتور محمد مرسي كبير، أن يدرس الاتفاقيات الموقعة، ويعيد النظر فيها، وما كان عكس تطلعاتنا فهو مرفوض تماماً، وما كان في مصلحتنا فمرحباً به، لأننا أحرار ولسنا عبيداً لتتحكم فينا الدول، وتتدخل في شؤونا الداخلية.
محمد أحمد عزوز
كاتب وناشط سياسي مصري
التعليقات (0)