تجريم المشاهد الإباحية
في وسائل الإعلام المصرية
بينما كنت أشاهد أحد الأفلام القديمة والذي قدمت فيه الراقصة الشهيرة آنذاك (كيتي) رقصة طويلة ببدلة رقص موديل ذلك الزمان, وسرعان ما تذكرت حديث فضيلة الشيخ النائب السيد عسكر رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب الذي أدلى به لوسائل الإعلام هذا الأسبوع, والذي أوضح فيه سيادته بأن لجنته الموقرة بصدد الانتهاء من مشروع قانون (لتجريم) عرض المشاهد الإباحية في جميع وسائل الإعلام، لافتاً إلى أن القانون يتضمن عقوبات رادعة لجميع الوسائل والمشاهد التي تخدش الحياء.
وأضاف فضيلته بأن ذلك يأتي ضمن خطة لنشر الثقافة الدينية، وتهيئة الأمة لاحترام الدين، مشيراً إلى أن مصر يتم تخريبها منذ 60 عاما، وقال:"آن الأوان للإصلاح ولن يأتي هذا الإصلاح في يوم وليلة ولكن شيئا فشيئاً".
فتوقفت متسائلاً: وهل ينطبق القانون وعقوباته بأثر رجعي على الأفلام الأبيض والأسود, أم سيكون تطبيقة منذ لحظة إقراره أي ينسحب فقط على ما يستجد من إباحية مستجدة؟
لا أعرف ربما يكون هذا هو عين الصواب وربما يكون خطأ يتراكم فوق ما لدينا من أخطاء, فالمخدرات مثلاً ممنوعة ومجرمة بعقوبات رادعة نص عليها القانون ولكن هل توقف اتجارها وتعاطيها بين الناس؟
بالطبع لم يغير نص القانون وعقوباته من شيئ ولكن كل ما في الأمر أن أسعاره ارتفعت بطريقة فلكية, وبالرغم من ذلك لم يمتنع المدمنون عن شرائه.
وهنا أجد نفسي أتساءل مرة أخرى:
ما الذي نحن بصدده الآن, هل نُعلم الفضيلة أم نُجرم الرذيلة؟
أيهما يبني قيم وأخلاقيات شعب؟
وأيهما له الأجر والثواب عند الله؟
سوف أعود إلى صدر الإسلام وإلى القرآن, ففي سورة الأحزاب قال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين.
وسبب نزول الآية الكريمة هو أن عادة العربيات وقت التنـزيل كانت التبذل، أي الكشف عن الوجه حرائر وجواري, وإذ كن يقضين حاجتهن في الصحراء لضيق المنازل آنذاك، وكان بعض الفجار يتعرضون (يتحرشون جنسيا) بالنساء الذاهبات لقضاء الحاجة على مظنة منهم أنهن من الجواري أو من غير العفيفات, وقد شكون ذلك للنبي ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقاً وتمييزاً بين الحرائر من المؤمنات والجواري أو غير العفيفات وهو إدناء المؤمنات لجلابيبهن، حتى يُعرفن فلا يؤذين.
ولم يصدر أمر بتجريم التحرش والمتحرشين, ومن هذا المفهوم وبالقياس فالأحرى بنا تعليم الفضيلة لتندثر الرذيلة وليس تجريم الرذيلة لتنتشر الفضيلة.
أم أن أيسر الطرق هو سن قوانين لتجريم الرذائل نحتمي به ونداري تجاعيد الفشل التي تلازم من تولوا الأمانة من أولي الأمر منا؟
أمر آخر وأيضاً في صدر دولة الإسلام وفي خلافة الفاروق عمر بن الخطاب عندما حلت المجاعة في عام الرمادة, فماذا فعل عمر بالسراق الذين كانوا يسرقون ليأكلون؟
هل أقام عليهم الحد, أم أوقف العمل بالحدود حتى انتهت المجاعة وتوفر الطعام والأمان وعادت الأمور لطبيعتها وبالتالي أعاد العمل بالحدود.
يا سادة هل نبدأ مشوارنا بتجريم الإباحية- وهذه ليست دعوة لإقرارها أو لنشرها لا سمح الله- حتى لا يُفهم أو يؤول كلامنا خطأ, ولكن الأمر جلل والمصيبة أعظم من قانون تجريم الإباحية الذي نبدأ به مشوارنا, فلا تستتروا أو تلهوا الناس بتوافه الأمور, وابحثوا عن حلول لعظائم الأمور.
فهل أقمنا العدل؟
وهل حاكمنا النظام السابق؟
وهل استعدنا ثروات مصر المنهوبة؟
وهل وفرنا الأمن والأمان للمواطن؟
وهل سار الاقتصاد خطوات للأمام وانتعشت البلد؟
هل وفرنا وظائف للعاطلين؟
هل انتهينا من المشروع الوطني الذي تتجمع كل أطياف المجتمع المصري؟
وأخيراً هل وفرنا أنبوبة البوتاجاز للمواطن البسيط؟
لنترك كل هذا ونشغل الناس بالإباحية في وسائل الإعلام وكأن كل شيئ أصبح تمام وليس بالإمكان أحسن مما كان.
وأخيراً يحضرني قول صديق لي بالمناسبة قال:
مبارك شدد على تهريب المخدرات فأفاق الشعب وقام بالثورة علية, ومجلس الشعب جرم الإباحية في وسائل الإعلام ليتفرغ الشعب ويثور عليهم من أجل أنبوبة بوتاجاز.
مجدي المصري
التعليقات (0)