ما الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية عند المغاربة اليوم؟. هل هو الشأن الداخلي أم القضايا الخارجية؟. هل نحتاج إلى قوانين تنظيمية لتنزيل المقتضيات الدستورية ولحماية النسيج الأمني والروحي والإجتماعي المغربي، أم نحتاج إلى إصدار قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل؟.
بغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى سحب مقترح قانون تجريم التطبيع من البرلمان، فإن هذا التراجع كان خطوة في الإتجاه الصحيح من منظور براغماتي على الأقل. فالمشروع عبثي ولا يأخذ بعين الإعتبار مصلحة المغرب، خصوصا في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعصف بالعالم. ويبدو أن الذين أعدوا مشروع القانون المذكور لم يفكروا جيدا في طبيعة ردود الأفعال التي ستصدر عن اللوبيات القوية التي تتحكم فيها مؤسسات وشخصيات نافذة متعاطفة وداعمة لسياسات إسرائيل، وما يمكن أن تنتج عنها من تبعات اقتصادية وسياسية لا يمكن للمغرب أن يتحمل نتائجها في ظل السياق الإقليمي المتوتر. لكن يبدو أن مشكلتنا في المغرب هي أننا تعودنا على مداواة ومداراة جراحنا وآهاتنا من خلال النضال والتضامن مع ومن أجل الآخرين، تعودنا على استدعاء قضايا غيرنا ومنحناها درجة "الوطنية" وتبنيناها إلى حد التماهي، فقد كنا دائما فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، وعراقيين أكثر من العراقيين، وعربا أكثر من العرب... لذلك فإن شعار " تازة قبل غزة" الذي بدأ يردده البعض خلال السنوات الأخيرة له ما يبرره فعلا.
إسرائيل ليست عدوا مباشرا للمغرب، ولم يثبت تورطها في أي عمل يستهدف استقرار بلدنا أو تهديد أمنه الداخلي. فما الذي سنستفيده لو تم إقرار مقترح قانون تجريم التطبيع؟. ثم إن اللافت في الموضوع أن مثل هذا القانون لم يصدر حتى في الدول التي توجد على خط النار مع إسرائيل. فلماذا نفعل ما لم يفعله المعنيون المباشرون بالصراع أنفسهم؟... التطبيع مع إسرائيل من عدمه ليس هو الشغل الشاغل للمغاربة. لدينا أزماتنا الخاصة التي تحتاج إلى حلول حقيقية وجذرية في الشغل والصحة والتعليم والقدرة الشرائية وكل متطلبات العيش الكريم. أما إذا كنا بحاجة إلى ترتيب الأولويات التشريعية في هذه المرحلة، فإنه ينبغي على هذه الأحزاب التي تقدم مقترحات ومشاريع قوانين في البرلمان أن تسارع إلى تنزيل مقتضيات الوثيقة الدستورية أولا في ما يتعلق بوضع الأمازيغية مثلا. عليها أن تسارع إلى تقديم مقترحات قوانين لتجريم التكفير الذي أصبح خطرا داهما يترصد المغاربة، ويهدد الأمن والتعايش والإستقرار في هذا البلد، خصوصا بعد الحملات التكفيرية المتكررة الصادرة من طرف ثلة ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام والمسلمين في حق كل من غرد خارج قفص الوهابية، أو أدلى بدلوه من وجهة نظر مخالفة. لذلك فإن الحاجة أصبحت ملحة للتصدي لهؤلاء من خلال القانون قبل أن يستفحل الأمر ويتحول خطاب التكفير إلى هدر للدماء.
لا أحد ينبغي له أن يتفق مع السياسات الصهيونية التي تنتهجها إسرائيل، والضمير العالمي مطالب برفض الممارسات الإسرائيلية بشدة. فلسطين قضية إنسانية، والمغاربة متعاطفون وجدانيا مع الفلسطينيين، وهم ليسوا في حاجة إلى قوانين تمنعهم من التطبيع مع إسرائيل، لأنهم غير معنيين بالموضوع أصلا. لكنهم معنيون بحماية أمنهم وصيانة نسيجهم الإجتماعي قبل كل شيء. فما أحوجنا اليوم إلى قوانين تحمي كياننا الداخلي قبل التفكير في أمور ثانوية أو غير ذات أولوية بالنسبة لنا. ما أحوجنا إلى ترتيب أولوياتنا، وننتبه إلى أن "تازة" تهمنا أكثر من " غزة".
محمد مغوتي. 02 – 02 – 2014.
التعليقات (0)