ربما يعتبر التدوين و الكتابة أمر مسلي و ترفيهي و قضاء لبعض الأوقات الضائعة من قبل بعض مرتادي هذه الشبكة العنكوبوتية و هذا الصرح الإعلامي الخلاق الجميل " إيلاف " .. بالنسبة لي كان الأمر أكبر من ذلك بكثير .. خصوصا في تجربتي الإيلافية الخاصة .. حيث يجتمع كوكبة من المثقفين نادرا ما تجتمع في مكان واحد عبر هذا الأثير ..
فمن هؤلاء المدونين من أثرى ثقافتي و أمدني بزاد فكري و علمي ما كان لي أن آخذه من كتاب عابر يسقط في يدي أو مجلة علمية أقلبها لأتسلى بها و استفيد .. و السبب في ذلك أولا أن لا مجال للأخذ والرد مع مؤلف كتاب صب في كتابه هذا خلاصة معرفته .. و كذا إن كان المقال مطبوعا بينما التدوين من أكثر مجالات الكتابة إثراء ذلك لأنني أشارك الكاتب في الفكرة أو المعنى الذي يرنو له و قد أضيء له دروبا أخرى لم تخطر له على بال .. و كل ذلك عبر تعليقاتي ومشاركة الكثيرين في ذلك مما يجعل المقال الواحد في إيلاف - وإن كان مكررا ومعاد من حيث المضمون - بمئة مقال في أي مكان آخر .. لأنه عمل مشترك قام ببناءه الكاتب والقاريء على حد سواء .. هنا لا أتحدث عن كمية التعليقات لأي موضوع .. لكن حديثي عن نوعية هذه التعليقات و قدرتها على الإثراء والبناء .. أما تلك - أعني المواضيع - التي تعج بأنواع رديئة من التعليقات و بالسباب و الهمز واللمز فلا دور لها أبدا - وإن كثرت فيها التعليقات - بل هي أداة مدمرة و أرض جدباء غير صالح للري العقلاني المتوازن المبني على ( الصدق ) و إرادة الوصول للحقيقة المطلقة ..
كذلك تعلمت من التدوين ( الصمت ) الذي يندر أن نتعلمه نحن النساء .. فعادة في حياتنا نجد ردا لكل تعليق وجوابا لكل سؤال و سُخفا لكل قول سخيف و كيدا لكل كائد عنيد .. إلا أنني - ومع كثرة الأخذ والرد - تعلمت جيدا أن الصمت يفعل الأفاعيل و يوصلك لهدفك بأقل وقت ممكن و بأقل التكاليف النفسية والأعباء التي يتكبدها المحاور الساذج و القليل الخبرة عند السقوط في شراك الجدل و المهاترات الكلامية ..
تعلمت أيضا من التدوين أن الاختلاف لا يفسد للود قضية .. و أننا كلما اختلفنا و تقبلنا - و أتحفظ على نوعية التقبل هنا - هذا الاختلاف كلما زادت حكمتنا و زاد رشُدنا .. و أننا خُلقنا مختلفين في أشكالنا و بصماتنا فلماذا نثور و نُصدم عندما نكتشف اختلاف عقولنا و طُرق تفكيرنا !!
تعلمت من التدوين أن الإيمان حقيقة راسـخة منذ الأزل .. و أن نقيضه أيضا حقيقة ( وجودية ) لكن الفرق بين الحقيقتين فرق كبير و شاسع .. و إن لم يتأتى لي إدراك حقيقة نقيض الإيمان بعقلي لأنه لم يلمس قلبي بصدق فيكفيني فخرا أنني أحيا كليا قلبا وعقلا و شعورا و وجداننا بالحقيقة الأولى .. الحقيقة الأبدية .. ألا و هي حقيقة وجود الله .. و كما يُقال بالمتناقضات تعرف الأمور أكثر و تتضح .. لذا أقر وأعترف أنني تعلمت الإيمان أكثر وأن أكون مؤمنة بصدق من خلال التدوين هنا .. فشكرا لمن جلى لي الأمور أكثر ..
تعلمت من التدوين أن أغلب الأمور غير مهمة و القليل القليل منها هو المهم و لابد أن أبحث عنها و أجدها لأتفاعل معها .. فكما تمتلأ - في بعض الأحيان - ساحة التدوين بالتفاهات و التفلسفات فهناك ثمت جواهر متلألأ في الزوايا والأركان و لابد لي أن أبحث عنها .. و مرات نادرة تتسارقك المواضيع و تتجاذبك بحيث لا تعرف لمن تقرأ أولا و من ستدخل موضوعه أولا ..
علمني التدوين أن لا مؤامرات تحاك في الظلام بين البشر .. وأن ( الجهل ) هو الداء الأعظم الذي لا حل له إلا بالعلم والمعرفة ..
علمني التدوين أهمية الكلمة ووقعها على النفوس و بالتالي على قراراتنا في الحياة و كل مستقبلنا .. و أن بلادا قد تقام بكلمة و أمم قد تُحط بكلمة .. و أن لكل كلمة نتفوه بها أو نكتبها وقع مختلف بين إدراك شخص و إدراك شخص آخر .. و المدون الناجح هو المدون الذكي الفطن الذي يضع نفسه دوما مكان من يقرأ له و يحاول انتحال مخزونه الثقافي و يغوص في أعماق عقله ليستطيع تعبيد الطريق للفكرة التي يريد أن يوصلها أو للطرح بشكل عام ..
تعلمت من التدون الحب في الله و أن تجمعني علاقات أخوية رائعة بين عدد من المدونين .. تعلمت أن أفتح عقلي ليصل للأفق لكنه سرعان ما يصل لي فلا أفقده .. تعلمت التوازن و الابتعاد عن المبالغات فهي الداء الأكبر الذي يعوق الأمة و يُبطء من تناميها ..
أتمنى أن يزيد تعلمي هنا .. وأن يكون ما تعلمته حجة لي لا علي .. و أن تتكرموا علي بما تعلمتموه هنا في مدونات إيلاف سواء أكنتم مدونيين أم معلقين ولكم مني فائق الود و جزيل الشكر والاحترام .. و أطيب المنى للجميع ..
التعليقات (0)