بقلم/ محمد أبو علان:
http://blog.amin.org/yafa1948
إبان العطلة الصيفية للمدارس يلفت نظرك في ساعات الصباح وأنت في طريقك للعمل مجموعات من الطلبة والطالبات يحملون حقائبهم المدرسية ويسيرون في اتجاهات مختلفة، مع أنه في العادة طلبة المدارس يسيرون في نفس الاتجاه عند توجهم لمدارسهم ساعات الصباح
وبعد الاستفسار يتبين لك أن هؤلاء هم "مقاتلي معركة" أسمها امتحان الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2009/2010، أخذوا هؤلاء الطلبة يستعدون باكراً لامتحان الثانوية العامة القادم، فمعظم الطلبة يحجزون لهم أمكنة في مراكز ثقافية تدير تجارة مربحة اسمها دورات تقوية لطلبة الثانوية العامة، الطلب على هذه المراكز بات عالياً، ولم يعد مقتصر على مستوى أكاديمي معين من الطلبة، فالطالب المتفوق والطالب ذو المستوى الأكاديمي المتدني سواسية في هذا الموضوع.
ابنتي طالبة ثانوية عامة في الفرع العلمي للعام الدراسي 2009/2010 طلبت الالتحاق بإحدى المراكز الثقافية على الرغم من أن معدلها في العام الدراسي المنصرم كان 96.5%، وعند استفساري عن حاجتها لمثل هذه الدورات، إجابتها كانت صريحة وبسيطة "كل صاحباتي سجلن، وأنا زيهن"، بمعنى باتت المراكز الثقافية ودورات التقوية فيها مسألة ثقافة ومنهج راسخ في ذهن طلبة الثانوية العامة.
ظاهرة المراكز الثقافية المنتشرة في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية تتطلب التوقف عندها من قبل جميع الجهات ذات العلاقة سواء وزارة التربية والتعليم العالي التي تمنح التراخيص لهذه المراكز، أو من قبل أولياء أمور الطلبة والطالبات الذين يلتحقون في هذه المراكز.
وهذه الظاهرة يجب أن تقيم بالدرجة الأولى على قاعدة تناقض المصالح بين القائمين على هذه المراكز الثقافية والذين هم في الأصل مدرسين في سلك التربية والتعليم مع الحياة الأكاديمية في المدارس التي يعمل بها هؤلاء المدرسين العاملين في المراكز.
هذا التضارب في المصالح بين المراكز والمدارس قد يعكس نفسه على مستوى الطلبة الأكاديمي، وعلى أداء المدرسين تجاه طلبتهم، ويؤدي لتدني عطائهم للطلبة في المدرسة لكي يدفعوهم لتعويض سوء الأداء هذا من خلال اللجوء للمراكز الثقافية التي تعمل دون حسيب أو رقيب بعد أن يحصل المركز على التراخيص اللازمة من الجهات المعنية.
وبعد لجوء طلبة الثانوية العامة لهذه المراكز بغرض التقوية ورفع مستواهم الأكاديمي تبدأ رحلة الاستغلال المالي لهؤلاء الطلبة وذويهم، فتكاليف الدروس في هذه المراكز تعتبر عالية جداً بالقياس للمستوى المعيشي ومستوى الرواتب في القطاع العام، ناهيك عن الواقع الاقتصادي السيء بشكل عام في المجتمع الفلسطيني.
وفي استطلاع سريع للتكلفة المادية لدورات التقوية والدروس الخصوصية لطلبة الثانوية العامة في عدد من المحافظات أفادنا أحد المدرسين العاملين في موضوع تدريس طلبة الثانوية قائلاً: "سعر الدرس الواحد للطالب في المركز حوالي عشرة شواقل، بينما الدرس الخصوصي في المنزل يكلف ولي أمر الطالب ما بين خمسون وستون شيكل للحصة الواحدة.
بينما في مدينة طوباس متوسط تكلفة دراسة المادة الواحدة في المركز الثقافي حوالي 250 شيكل للفصل الدراسي الواحد، وجرت العادة أن يدرس طلبة الثانوية العامة في الفرع العلمي ثلاث مواد هي الرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية، وطلبة الفرع الأدبي مادتين هما اللغة الإنجليزية والرياضيات، وطلبة الفرع التجاري يدرسون اللغة الانجليزية والمحاسبة.
ومحافظة بيت لحم لم تبتعد عن متوسط الأسعار في بقية المحافظات في هذا المجال، مدرس في الثانوية العامة، ويدرس الطلبة كذلك في المراكز الثقافية أفاد بأن تكلفة الحصة الخصوصية في المراكز تكلف الطالب عشرة شواقل تقريباً، وتكلفة الحصة الخصوصية في البيت تتراوح ما بين 50 إلى 60 شيكل، والعامل الرئيس المقرر في موضوع المدرس إن كان "مدرس سوبر أو عادي" على حد تعبيره.
وإذا أردنا إجمال التكلفة المالية لدروس التقوية والدروس الخصوصية نرى أن طالب الثانوية العامة في الفرع العلمي يكلف ولي أمره (750) شيكل في الفصل الدراسي الواحد بدل دروس تقوية فقط للمواد الثلاث التي يدرسها، وطالب الفرع الأدبي والتجاري يكلف ولي أمره حوالي (500) شيكل في الفصل الدراسي الواحد، ناهيك عن تكاليف الكتب والقرطاسية ورسوم امتحان الثانوية العامة، ويتضح أكثر حجم المبالغ التي تدرها التجارة في موضوع دورات التقوية والدروس الخصوصية إذا علمنا أن حوالي 70-80% من الفرع العلمي يأخذون مثل هذه الدروس والدورات، مقابلهم 50% من الفرع الأدبي، و 40% من الفرع التجاري.
هذه التكاليف تعطي الانطباع عن حجم المبالغ الضخمة التي تنفق على مستوى الوطن في مثل هذه المراكز، وهذه المبالغ لا تشمل تلك المبالغ التي تدفع على الدروس الخصوصية التي تعطى للطلبة في منازلهم والتي تكون أسعارها ما بين أل (700-1200) شيكل للمادة الواحدة وذلك حسب سمعة المدرس الأكاديمية، ودرجة الطلب عليه، والتي في العادة يتشارك فيها ما بين طالبين إلى ثلاثة طلبة بالحد الأقصى للأسر ذات الوضع الاقتصادي المتواضع، في الوقت التي تلجأ الأسر ميسورة الحال لتخصيص مدرس خاص لأبنائها مما يرفع سقف التكلفة عليها.
هذا الواقع يتطلب حلول جذرية وفورية توفر مجموعة من الشروط والظروف لما فيها مصلحة الحياة الأكاديمية في المدارس بشكل عام، وعلى مستوى الطلبة بشكل خاص، ومنع ظاهرة استغلال طلبة الثانوية العامة مادياً من قبل مراكز وأشخاص الربح المادي هدفهم الأول الأخير.
والخطوة الأولى تكون بالرقابة على هذه المراكز الثقافية من ناحتين الأولى، منع مدرسي القطاع الحكومي من العمل في هذه المراكز لتجاوز قضية تضارب المصالح بين عملهم في المراكز وعملهم كمدرسين في المدارس الحكومية، والناحية الثانية الرقابة على أسعار دورات التقوية لكي لا يصبح الموضوع موضوع استغلال فاحش للطلبة من النواحي المالية كما هو حاصل حالياً،
والخطوة الثانية منح امتيازات وحوافز لمدرسي طلبة الثانوية العامة والتي ستشكل دافع قوي لهم لتحسين أدائهم، وستعزز من سعيهم لتحقيق نتائج أفضل من خلال ما يقدمونه لطلبتهم، في المقابل تكريم المدارس والمدرسين الذين يحققون أفضل النتائج على مستوى الوطن مما يعزز التنافس والسباق الإيجابي بين المدارس.
وقد يكون التفكير في إطار أكاديمي موازٍ تشرف عليه وزارة التربية والتعليم العالي ومجالس أولياء الأمور مسألة تستحق الدراسة لرفع مستوى الطلبة ذوي المستوى المتدني أكاديميا مقابل تكلفة رمزية أو معقولة يدفعها الأهل لصالح تحسن مستوى أبنائهم، شريطة أن لا يأخذ هذا الإطار الموازي الصبغة التجارية البحتة.
ومثل هذه الخطوات يجب أن لا تصرف نظر وزارة التربية والتعليم العالي وكافة الجهات الأكاديمية ذات العلاقة لإعادة النظر في منهجية امتحان الدراسة الثانوية العامة في شكله الحالي، وتغير المنهجية تكون على قاعدة عدم حصر تقييم أداء الطالب في امتحان الثانوية العامة فقط، بل يجب أن يكون هناك وزن لسجل الطالب الأكاديمي في العامين الأخيرين من حياته الأكاديمية في المدرسة على الأقل.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)