تجارة الخوف تزدهر مغاربيا:
واشنطن تخطط..مدريد تطرق الباب.. باريس تخسر..والجزائر الرابح الأكبر
ممدوح الشيخ
تسارعت خلال أسابيع قليلة عملية إنضاج واقع مغاربي جديد يتوج الجزائر على رأس اللاعبين الإقليميين كمحرك رئيس لمنظومة مواجهة القاعدة. والواقع الجديد يتضمن على ما يبدو تحول الجزائر نهائيا من التحالف مع باريس إلى التحالف مع واشنطن، فيما مدريد تتقدم على أطراف الأصابع باحثة عن موطئ قدم وبخاصة أن طريقها لتعاون مماثل مع المغرب يعوقه ملف سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا وتطالب بهما المغرب.
وداعا باريس
التحول عن "قبلة" باريس أكدته شواهد عديدة أهما دخول الجيش الجزائري على خط فتح ملفات التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر، ففي سابقة هي الأولى من نوعها كشفت مجلة الجيش الجزائري أن فرنسا استخدمت جزائريين كحيوانات اختبار في تجربة نووية أجرتها عام 1960 في صحراء الجزائر، والمعلومات ليست جديدة ولم تكن سرية بل هي أقرب إلى "السر المعلن" لكن دخول الجيش على الخط متغير جديد. وحسب الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية برينو باريلو فإن سلطات الاستعمار الفرنسي استخدمت 42 ألف جزائري كفئران تجارب في تفجير أولى قنابلها النووية في صحراء الجزائر (أكتوبر وديسمبر 1960).
وفي تصريحات لوزير الخارجية قال إن العلاقات الجزائرية الفرنسية تعترض العراقيل تطورها، ومنها الملف النووي الذي يعد أكبر الملفات الاستعمارية، وبين توتر غير معلن منذ منتصف 2009. وبينما وجه رئيس الوزراء الفرنسي السابق لوما شديدا للرئيس الفرنسي ساركوزي بسبب التدهور في العلاقات الفرنسية الجزائرية شدد دو فيلبان على ضرورة توحيد الإرادات بين البلدين لـ "كتابة تاريخ جديد" معتبرا أن الوقت حان لطي صفحة من العلاقات بين البلدين بعد عشرية من المواجهات.
وعلى ما يبدو فإن النظام الجزائري يريد استغلال فترة الدفء في العلاقات الجزائرية الأميركية للضغط على باريس بأقصى درجة، وفي البرلمان الجزائري قدم 120 عضوا مشروع قانون يطالب بتجريم الاستعمار بإنشاء "محكمة جنائية جزائرية خاصة" وأن تعترف فرنسا بالجرائم المرتكبة في حق الجزائريين إبان الاستعمار مع الاعتذار والتعويض، كشرط أساسي لاستمرار العلاقات بين البلدين.
وتشير مواد مشروع القانون إلى أن ضرورة مثول كل من شارك في أي فعل إجرامي ضد الشعب الجزائري المحكمة الجنائية، مع إدانة السلوك الاستعماري الفرنسي وما شمله من: "إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية"، كما ينص المشروع – وهو الأهم – على أن تتحمل الدولة الفرنسية كل ما يترتب عن الدعوى مدنيا في حال كون المتهم متوفيا. والمشروع لقي دعم عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني!
وسبق للبرلمان الجزائري أن رفض عام 2005 مقترحا مماثلا.
الاحتواء الأميركي
وعلى الجانب الآخر تتقدم واشنطن بخطى واثقة نحو احتلال موقع الشريك الاستراتيجي الأهم للجزائر ويكرر المسئولون الأميركيون تأكيد أولوية العلاقات مع الجزائر، فقد أكد الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، مايك هامر، أن بلاده تدرك أهمية التعاون مع بلدان المغرب العربي، خصوصا الجزائر وموريتانيا والمغرب، في محاربة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، موضحا أن منع العناصر الإرهابية من اتخاذ منطقة الساحل مكانا آمنا لها هدف يسعى إليه الجميع. وقال المسؤول الأميركي إن واشنطن تتشبث بالعمل مع بلدان المغرب العربي وعلى رأسها الجزائر. وتشهد العاصمة الجزائرية زيارات متكررة لوفود الأمريكية على جميع المستويات.
وتطمح أميركا من وراء مراهنتها على الجزائر أن تتحول إلى نقطة انطلاق لجهود مواجهة القاعدة، وفي تحول ذي صلة أعلنت أميركا عزم البنتاغون مراجعة شروط بيع الأسلحة للجزائر، وقد رفضت الجزائر مؤخرا عرضا أميركيا يخص بيع عتاد وآلات عسكرية متطورة، بسبب الشروط التي تتمسك واشنطن بها لبيع أسلحة متطورة، وهو ما اعتبرته مساسا بسيادتها، وفي مواجهة منفسة شرسة من روسيا والصين وفرنسا، ولرغبة أميركا في تطوير علاقاتها المتنامية مع الجزائر تقدم الأميركيون بعرض وصفه الجزائريون بـ "المهم من الناحيتين التكنولوجية والاقتصادية وتم الحديث بشأنه دون الشروط المعروفة لدى البنتاغون القاضية بمراقبة دورية للمعدات والعتاد الذي يتم بيعه وتقديم تعهدات بعدم استعمالها ضد الدول التي تعتبرها واشنطن صديقة، وتوضيح مجالات استعمالها. وجاء التحول في الموقف الأميركي بعد رفض المؤسسة العسكرية الجزائرية أية شروط في أية عملية بيع للأسلحة والمتوقع أن يقرر البنتاجون تخفيف الشروط أو تغييرها
مدريد على الخط
ومن العوامل التي عززت إحساس الجزائر بأهمية دورها الإقليمي في مواجهة خطر القاعدة ما تتخذه إسبانيا من خطوات ملموسة لخطب ود الجزائر، فقد أعلن وزير الخارجية الإسباني ميغال موراتينوس استعداد إسبانيا لتنظيم مهمات استكشافية في منطقة الساحل لتحديد الخيارات الممكنة في إطار مكافحة الإرهاب على غرار ما تم في موريتانيا ومالي. وعبر كاتب الدولة الإسباني لشؤون الأمن أنطونيو كاماتشو، عن ضرورة وجود سياسة أوروبية في منطقة الساحل السفير الأسباني يحدد أولويات الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وفي مثل هذه السياسة تحتل الجــزائر موقعا رئيسا فهي – حسب الرؤية الإسبانية – شريك استراتيجي باحتلالها موقعا متميزا في السياسات الأمنية.
وفي مواجهة الإقبال الغربي على التعاون الأمني مع الجزائر يشهد البرلمان الجزائري تحركات لسن قانون يحظر إقامة قواعد أجنبية في البلاد وهو حائط صد سيكون ضروريا في مواجهة مطالبات متوقعة في هذا الاتجاه. القانون يمنع إقامة قواعد عسكرية ومكاتب استخبارات أجنبية في الجزائر، ولا يخفي نواب جزائريون أن هدفه مواجهة الضغوط الغربية لواشنطن وباريس وبخاصة في ظل رفض الجزائر استضافة قيادة "أفريكوم"، كقاعدة عسكرية في الصحراء لملاحقة القاعدة.
وتشهد المداولات حول القاعدة تسريبات مقصودة لها دلالاتها، منها تصريح مسئول إيطالي بأن الأجهزة الأمنية رصدت علاقات بين أتباع التنظيم في إيطاليا وقيادته في الجزائر منذ ثلاث سنوات مضت.
نقطة الضعف الموريتانية
وفي مقابل الإشادة بالنجاح الجزائري أطلق تقرير إسباني تحذيرا من تزايد الإرهاب بشكل يُضعف نظام الحكم في موريتانيا، التقرير عنوانه: "موريتانيا: الإرهاب الإسلامي ونتائجه" وأعده الباحث المتخصص في قضايا الدفاع والأمن، خابيير انييباس ونشره معهد رييل أنستيتو ألكانو للأبحاث الاستراتيجية الدولية بإسبانيا. وقد تنبأ التقرير بأن يشكل الإرهاب "خطرا لا يمكن التكهن بنتائجه على النظام الحاكم برئاسة محمد ولد عبد العزيز". وأكد التقرير وجود "تغيير في استراتيجية تنظيم القاعدة بشأن موريتانيا.
فالمجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة أو المتأثرة بها تخلت بشكل تام عن استخدام التراب الموريتاني الشاسع باعتباره مجرد ملجأ أو منطلق لهجمات عابرة في مناطق موريتانيا الداخلية، لكي تحوله إلى ساحة حرب مفتوحة، أي أنها أصبحت أحد أهم الأهداف المقصودة لذاتها. وشدد التقرير على أن الحكومة الموريتانية باتت في "موقف ضعف شديد". وأوصى التقرير بأن تضطلع إسبانيا بـ"دور فاعل وسري، في نفس الوقت، في المنطقة".
وفي الوقت نفسه كشف معروف ولد هيبة، المعروف باسم أبو قتادة الشنقيطي، أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة في موريتانيا ومنطقة الساحل المسجونين في نواكشوط، عن وجود اتفاق سري مع الرئيس الموريتاني الأسبق، معاوية ولد سيد أحمد الطايع، يقضي بتفادي عناصر التنظيم الإرهابي ممارسة نشاطه في موريتانيا مقابل السماح له بالتحرك في دول الجوار.
وهو ما يعني استخدام الأراضي الموريتانية كقاعدة خلفية لضرب أهداف خارجية في الدول المجاورة. وقال المهندس الميكانيكي الضابط السابق بالبحرية الموريتانية أحد قادة جناح "الصقور" الأكثر تشددا بالقاعدة بموريتانيا، إن نظام الرئيس السابق ولد الطايع نقض اتفاقيات سابقة مع التنظيم السلفي كانت تقضي بعدم استهداف موريتانيا، وتأمينها لنشطاء القاعدة في الساحل الإفريقي لضرب أهداف خارجية وكانت القاعدة حريصة كل الحرص على تجنيب موريتانيا ما لا قبل لها به، وأضاف أنه تحدث شخصيا مع عدد من أمراء التنظيم في المنطقة في موضوع عدم استهداف موريتانيا، لكن الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع خانها.
التعليقات (0)