مزاد بشري
الكاتبةليالي الفرج
ينطوي العام بسرعة خاطفة كلمح البرق، فتنطوي أيامه دون عودة، وما هي سوى بضعُ خطوات تفصلنا عن معانقة شهر الله، شهر الخير والبركة، شهر رمضان، وما يحمل من سمات الرحمة والسماحة ما لا تحده عقبات، شهر أختصه الله بالرحمات والبركات من رب العباد.
وعلى النقيض تماماً، يتبارى بعضُ الأفراد في هذا المجتمع في ركْل حواف ما تبقى من الإنسانية في زمن «اللاآدمية»، لتَعمي بصيرتهم لذَّة المكسب السريع وإن كان على جلد ظهور الضعفاء.
إذ يستغل البعض هذا الشهر لينطلق عدَّاد المزاد البشري لأعلى مستوى من مزاد الرأفة واللين، ليستغل حاجة الآخرين لاستئجار عاملة منزلية، وتبدأ رحلة الإستغلال المادي برفع الأجر، لوثوقهم بأن السوق شحيح، وقضايا الإستقدام تواجه ماتواجه من معاضل، والأمر لم يعد متيسراً كالسابق، فبرزت ظاهرة تسيطر على هذه السوق في أشبه ما يكون مافيا تأجير العاملات المنزلية، وعلاوة على أن برنامج العمل لهؤلاء العاملات فيه الكثير مما يتعارض مع الدين والأخلاق والإنسانية من السلوك الجشع الذي يمتطيه من يدر هذه السوق وكأنها سوق للنخاسة والعياذ بالله، إذ هناك تحميل أكثر من طاقة كل عاملة ممن تتم إدارتهن من خلال سيدات النخاسة الجديدة، إذ يغدو الإنسان لديهن مثل الآلة التي لاتكل ولا تمل، وما يهم هو المردود الربحي من تشغيله، دون اكتراث ولا مراعاة للحق الإنساني، إذ هذه العاملة المغلوب على أمرها في نهاية المطاف بشر له طاقة وقدرة على التحمل.
لنقترب من هذا العالم، لنلقي نظرة سريعة وخاطفة،... في نهاية ذلك الحي المتواضع تقطن أم عبد الله، أصبح اسمها ناراً على علم في تلك المنطقة، ويقصد مقر سكنها الكثيرات، ولا تخلو قوائم هواتفهن المحمولة من رقم أم عبد الله التي لا يكاد هاتفها النقال أن يتوقف عن الرنين طوال اليوم.. تتسابق السيدات في كسب ودها، ومحظوظة من تبلغ المنال للحصول على حجز « عاملة من عاملاتها المنزلية».
هي ماهرة في إدارة هذه الكوكبة من العاملات والتنقل بهن من بيت لآخر لتقديم ما يملكن من مهارات في تدبير الشؤون المنزلية، وتكون الأكثر حظاً تلك التي تسبق الأخريات وتحصل على « العاملة المدعوَّة: » أرينا " فهي نجمة النجمات، تعمل دون توقف أو تذمر، تحمل حقيبتها الظهرية على طرف كتفها الهزيل في كل جولة لها لمنازل العميلات.
مهامها كثيرة فهي الخادمة الحديدية: تنظيف، ترتيب، طهي، غسيل، عناية بأطفال العائلة،... وما لا يخطر ببالك أيها القارئ من المهام الموكلة لها.
قد يعترض أحدهم قائلاً: هذه مهام طبيعية واعتيادية، وأغلب العاملات المنزلية ينجزنها.. نعم هو كذلك.
لكن هناك أمراً غير مستساغ، ويكاد يتعارض مع تقبل العقل له من حيث المنطق الإنساني، هذه العاملة تعمل أكثر من اثنتي عشر ساعة في اليوم، وليس لها خصوصية في إقامتها إذ يتم التنقل بها من منزل لآخر وكل منزل يتضمن بيئة مُختلفة وجهداً موكلاً مُتبايناً، وما إلى ذلك من المعاناة التي تتعايش معها بطيب خاطر، لكنه طيب خاطر من نوع آخر فلأنها تُصارع ظروفاً ضنكه في بلدها، أو ربما أهلها هم من يعانون وهي المنقذ الوحيد الذي سينتشلهم من معاناتهم من خلال عملها هذا، لذا يطيب خاطرها من هذه العبودية الحديثة، فنحنُ في عصر أصبحت التجارة بالرِّق مكسباً سريعاً ومُرضياً، وكذلك عبودية البشر من كماليات الحياة الخاصة.
وفوق ذلك وذاك، تأشيرات العمل وعقود العمل التي تم التعاقد معهن خلالها لا تسمح بمثل هذه الظاهرة بتاتاً، ولكن السؤال الذي يأتي هنا هو ماهي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء نشوء هذه الظاهرة، وما هي الحلول الحقيقية أيضاً وليس الإجراءات الترقيعية لهذه الظاهرة، ذلك سؤال يوجه إلى وزارة العمل وإدارة الاستقدام.
و في هذا المضمار نستقي وننهل من نهر رحمة وسماحة ديننا الحنيف فيما يخص الخدم
يقول ـ سلم: «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليـُلبسه مما يلبس، ولا تكلـّفوهم ما يغلبهم، فإن كلـّفتموهم فأعينوهم عليه».
فأين نحنُ من قبسات هذه الجواهر!
التعليقات (0)