لايكاد يمر الا وان نسمع خبرا عن التايتانك التي غرقت قبل مائة عام،الاف الكتب والمجلدات وغيرها من الافلام ،والتقارير، والبحوث،ولم يعد هناك تفصيل لم يمر عليها صناع الحدث في الوقت الذي تهمل فيه ملايين الاحداث التي هي اعظم واهم من سفينة غرقت في ظروف مازالت تحوم عليها الشكوك، وبلغ المستوى التصنيعي للحدث ان يقدم فلم صرفت له ميزانية تعد الاكبر في عالم الانتاج السينمائي، وحصد حينها عدد مهم من جوائز الاوسكار،كما استحوذ على شباك التذاكر لفترة ليست قليلة رابحا اكثر مما صرف اليه بكثير، ،بل اعاد منتجوا هذا الفلم صناعته بتقنية(HD) وقدم بمناسبة مئوية السفينة الغارقة ،كما ان مؤسسة نشيونال جغرافيك مولت رحلة لمخرج الفلم في اعماق المحيط تعد الثانية من نوعها ،وعملت نسخة ثانية لها في برنامج امتد الى ستة حلقات....،وهكذا تتواتر اخبار التايتانك وكأن العالم غرق وليس مجرد سفينة غرقت قبلها وبعدها كثير من السفن، وطبعا نحن لسنا بصدد سبر غور الفلم تقنيا،بل نحن نقرأ النص من منظور اخر ،ان العقل الغربي عموما مهووس بصناعة الاحداث ولديهم الادوات التي تساهم في تجسيد اي منها،ولنا في الانتخابات الامريكية خير مثال ،فالاعلام الامريكي والكوني مسخر والمال مسخر ،بل حتى دول لايعنيها الامر مسخرة كذلك،ويقول بعض من محبي السياسة بأهمية هذه الانتخابات على العالم ومنها بلده ويفوز الرئيس ويذهب ولانرى منه شيئا نافعا لا للعالم ولا لغيره،وامريكا من البلدان الماهرة في صناعة الحدث اذ تعظم التافه وتصغر المهم ،ولنا في الاحداث التي مرت وتمر على بلدان العالم ومنها العربي خير مثال فهي ساهمت بشكل اساس في تغيير الانظمة البائسة من خلال سيناريوهات تبدو شعبية، لكنها اختفت فجأة من المشهد وتركت تلك البلدان مبعثرة مشتتة قلقة قابلة للتشظي في اي وقت،وهكذا للحدث ملزمات وملجئات وتوقيتات،واذا ذهبنا الى الاقتصاد العالمي فهناك مشكلة الازمات الاقتصادية التي عصفت بامريكا واوربا ومنها اليونان وتفحص الطريقة التي صنع فيها الحدث ،ومن ثم غيابه عن (الفحيح )الاعلامي ،وهناك مشكلات الجوع والامراض والبطالة واتساع البون بين امم واخرى علميا وثقافيا وحضاريا، وبطيبعة الحال فأن صناع حدث (التايتانك) نهجوا ذات المنهج الاعلامي والتقني بقصد ابراز حدث ما تحت ظروف محددة ورفعه الى مستوى ايقوني بعيدا عن الدوافع والاسباب،فالسفينة هنا وفق رؤاهم ليست مجرد سفينة ،بل هي مأساة وتدمير تقني، لأن صناعها كانوا متأكدين من عدم غرقها للامكانات المتوافرة فيها ،ولم يحسب لجبال الجليد وظروف الطبيعة غير المنظورة ومنها اشتغال ظاهرة السراب في الهواء البارد مثلما وصل اليه اخيرا بعض من المحللين ،ولا لاي من الحسابات ،متناسين ذلك كله امام جبروت التقنية المادية،لذلك عملوا على احيائها ماديا ومعنويا وابرازها اعلاميا وتجاريا، نعم انها طريقة لصناعة الحدث ونمط من انماط اشغال المجتمعات بقراءات اخرى بعيدا عما يشغلهم من مشكلات والتي تستحق اهتماما وابرازا لاحداثهم على الاقل انسانيا ،خاصة وان عالم اليوم يعج بكثير من الاحداث التي يتجاوزها العالم الصناعي لانه يرى انها لن تؤتي له بمنافع مادية مقابلة.
التعليقات (0)