المقابلة أجريت بعد عملية المدرسة الدينية (مركاز هالراب) في القدس المحتلة
بقلم: محمد أبو علان:
زيارة تالي فحيمه لبيت الشهيد علاء أبو دهيم منفذ عملية مدرسة "مركاز هراب" بالقدس المحتلة كانت خطوة مدانة من الجانب الإسرائيلي على اعتبار أن خطوة كهذه تمثل "دعماً للإرهاب" وفق المفاهيم الإسرائيلية، وفلسطينياً كانت هذه الخطوة مثيرة من حيث معرفة الدافع لقيام يهودية بزيارة بيت استشهادي فلسطيني نفذ عملية عسكرية هزت الكيان الإسرائيلي وأجهزته الأمنية بشكل عام، والصهيونية الدينية بشكل خاص، هذا التساؤل دفعني للبحث عن تالي فحيمه ومحاورتها لمعرفة ما يدور برأسها من أفكار ودوافع لنصرتها القوية والعلنية للقضية الفلسطينية لدرجة استعدادها لتحملها تعذيب الشباك والجلوس في معتقلات الاحتلال لمدة قاربت الثلاثون شهراً، وما هي دوافعها لزيارة بيت الشهيد علاء أبو دهيم؟.
وكانت إجابتها عن تساؤلنا هذا شيء لربما لا يتوقعه الكثيرون كون الحديث يدور عن يهودية يفترض نظرياً مناهضتها لكل ما هو فلسطيني في ظل الصراع الدائر بيننا منذ ستون عاماً، وقالت في هذا المجال" عائلة أبو ادهيم فقدت أحد أبنائها، ومنذ التعرف على هوية المنفذ للعملية تعرضت للكثير من الضغوطات، فاعتقل عدد من أبناء العائلة، وتم التحفظ على الجثة، ومداهمات مستمرة لبيتهم، فكان الهدف من زيارتي هو التضامن مع هذه الأسرة ومع حجم المعاناة التي تواجهها، كوني أدركت أن زيارتي ستثير حفيظة الإسرائيليين وسيهاجمونني مما سيخفف جزء من الضغط على هذه العائلة".وواصلت حديثها لتقول" المجتمع الإسرائيلي والدولة اليهودية اتهموا عائلة أبو ادهيم بالإرهاب، هذا المجتمع وهذه الدولة لا حق لهم بالتحدث عن الإرهاب كونهم هم الإرهابيون، وعلى يدهم الكثير الكثير من دماء الفلسطينيين وخاصةً الأطفال منهم، وما جرى في قطاع غزة من مجازر في الأسابيع الأخيرة خير دليل وأفضل شاهد على قولي هذا"، وفي تعليقها على العملية الإستشهادية نفسها في مدرسة "مركاز هراب" قالت"إن هذه العملية تمثل رد على جرائم الاحتلال المتواصلة بحق الفلسطينيين، وإن لا أحد يبحث عن الموت بنفسه، فالكل يريد الحياة ولكن حياة الإنسان الطبيعي التي تحفظ له حريته وكرامته"
ولم يكن بالإمكان مواصلة الحديث مع تالي فحيمة دون التطرق لعلاقاتها مع زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى في جنين، فكيف ذلك وهي بسبب هذه العلاقة تعرضت للاعتقال والتعذيب في مقرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وكانت نتيجة هذه العلاقة والزيارة لمخيم جنين أربعة أشهر من الاعتقال الإداري بدايةً، ومن ثم السجن لمدة عامين ونصف، وفي هذا الجانب قالت" زكريا الزبيدي ليس له مشكله مع اليهود، مشكلته مع الاحتلال الذي يغتصب أرضه ويقتل أبناء شعبه، وزكريا الزبيدي استقبلني في ذروة مواجهاته وحربه مع الإسرائيليين، قائلاً أصافح اليد التي تمتد لمصافحتي، ولا أتردد في قتل من جاء ليقتلني"، واستكملت الحديث عن الزبيدي قائلة" زكريا الزبيدي لم يعد اليوم مهتم بشأن الاحتلال بالدرجة الأولى، فهمه الذي يحمله اليوم هو حالة الانقسام الداخلي الذي يعيشها الشعب الفلسطيني، وبات مدركاً أن لا قيمة للنضال وللمقاومة في ظل غياب الوحدة الداخلية الفلسطينية"، وقبل هذا الحديث كان من المحذور على تالي فحيمة التحدث مع زكريا الزبيدي طيلة فترة وقف التنفيذ الذي حُكمت بها وكانت لمدة إحدى عشر شهراً، وتابعت القول على لسان الزبيدي قوله" سألقي سلاحي ما لم يتوحد الداخل الفلسطيني".
ومسيرة حياة هذه الناشطة اليهودية مثار اهتمام لشدة التحول التي حصلت بمعتقدات وتفكير هذه الناشطة، فهي تُعرف بنفسها وتقول"أنا يهودية تربيت تربية صهيونية يمينية، وكنت أهتف الموت للعرب بعد كل عملية فلسطينية تستهدف اليهود أينما كانت، ولكن الانتفاضة الفلسطينية الثانية كانت بمثابة نقطة التحول في توجهاتي الفكرية، وأخذت بعدها أطرح مجموعة من الأسئلة بهدف التعرف على ما يجري في الأراضي المحتلة، والواقع الذي تعرفت عليه بما يحمل من جرائم للاحتلال ومعاناة يعيشها الفلسطينيين كانت العامل الرئيس في الانقلاب الحاد لتوجهاتي التي أحملها اليوم وأدافع فيها عن الحق الفلسطيني".
ورغم هذه التوجهات التي تحملها تالي فحيمه فهي لا ترى نفسها في معسكر اليسار الإسرائيلي غير الفاعل في حقيقية الأمر وفق معتقداتها، وتقول "اليسار الإسرائيلي لا تروق له مواقفي، ويعتبر مواقفي دعم ومساندة للإرهاب"، وفي الوقت نفسه تعتقد أن اليسار الإسرائيلي لم تعد تفصله مسافة كبيرة عن مواقف اليمين الإسرائيلي، وتتابع القول "إن لم يكن اليسار الإسرائيلي كذلك فلماذا لم يأتوا معي لجبل المكبر للتضامن مع عائلة فلسطينية تتعرض للكثير من المضايقات من قبل الاحتلال؟، ولماذا لم نراهم في جنين ومخيمها في العام 2002 أيام المجازر اليهودية هناك"، ونظرتها الكلية لهذا اليسار في إسرائيل بأنه جبان، ولا يجرؤ حتى على رفع صوته ضد الاحتلال.
ولنفيها علاقتها بمعسكر اليسار الإسرائيلي كان من الطبيعي عندها أن نبحث عن المعسكر التي تجد نفسها فيه، فتقول "الإنسانية والحياة الكريمة هي عنوان قناعاتي وأساس عملي ومعسكري الذي انتمي إليه، وأومن إيمانا مطلقاً بحق كل إنسان بالعيش بحرية وكرامه بغض النظر عن الجنس واللون والدين والعرق، والشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال ويعاني القتل والحواجز بشكل يومي وكل ذلك بسبب الاحتلال، فالمشكلة تبدأ من الاحتلال وتنتهي بالاحتلال، وبدون زوال الاحتلال لن يستطيع الشعب الفلسطيني العيش بحرية وكرامة كاملتين كبقية شعوب هذا العالم".
وهي تؤمن بالعمل الفردي أكثر من إيمانها بالعمل ضمن إطار أو مجموعة معينة، كون الانضواء تحت راية جماعة ما ستجعل الفرد يتعامل مع كافة الأمور وفق رؤية جماعته، بمعنى آخر يكون الحكم على الأمور والقضايا مبنى على آراء مسبقة تفرضها الجماعة، لهذا تفضل العمل الفردي لنشر وجهة نظرها وتوجهاتها الفكرية قدر الإمكان، وفي هذا السياق تعترف بأن أفكارها تشكل أفكار أقلية محدودة جداً في المجتمع الإسرائيلي، وهذه الأفكار لا تشكل ظاهرة في المجتمع الإسرائيلي بعد.
ورغم مواقفها الصريحة والعلنية المؤيدة للفلسطينيين إلا أن الكثيرين من الفلسطينيين رفضوها في البداية، وتقول في هذا الموضوع "كنت أحاول الحديث مع الفلسطينيين عبر الانترنت وعبر غرف البال تووك ولكن كانوا يرفضون محاورتي، وكانوا يطردونني من غرفهم، ولكن مع تقدم الأيام بات الأمر مختلف وبات الكثيرين منهم يتقبلون الحوار والحديث معي"، وتتابع القول في هذا السياق وتقول " على الفلسطينيين أن يدركوا أن هناك من يمكن التحدث معه في الجانب الآخر".
وترى تالي فحيمه الكثير من نقاط التقاطع بينها وبين الشعب الفلسطيني، وأول هذه النقاط رفضها المطلق للاحتلال، وإيمانها بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، ولم تقتصر نقاط التقاطع هذه على المواقف السياسية بل تجاوزتها لأمور الحياة اليومية، فهي تعاني مثلما الفلسطينيين، فهي ملاحقة باستمرار من أجهزة الأمن الإسرائيلية، فهي تعتبر نفسها "اليهودية الوحيدة التي تعيش تحت الاحتلال"، فقد تعرضت للاعتقال الإداري لمدة أربعة شهور، وبعدها حكمت بالسجن الفعلي لمدة عامين ونصف العام، وهذه الظروف لا يعيشها إلا الفلسطينيين تحت الاحتلال، فمن الغريب أن يشاركهم هذه الحياة أي من اليهود.
وعند سؤالها عن حياتها اليومية في المجتمع الإسرائيلي قالت " ما بك هل جننت، تريدني العيش في المجتمع الإسرائيلي لكي يذبحونني، فأنا مرفوضة بالمطلق داخل هذا المجتمع، هذا المجتمع الذي يعتبر نفسه واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط يرفض حتى التفكير بما أقول، فأنا أعيش في قرية فلسطينية كوني أكثر شخص مكروه في المجتمع اليهودي ولست آمنة حتى على حياتي" .
وبعد هذا الاستعراض لمواقف وآراء الناشطة اليهودية تالي فحمية لا أريد الدخول في تحليل هذه الآراء، ولكن اترك الباب مفتوح لسؤالين أولهما هو هل يمكن أن تتحول هذه الحالة في المجتمع الإسرائيلي؟، وثانيهما إن كان الجواب بالإيجاب كيف يمكن أن يكون ذلك؟
- كاتب فلسطيني.
التعليقات (0)