مواضيع اليوم
إن أول من بنى القدس وسكنها "اليبوسيين" وهم أحد بطون القبائل العرب الكنعانية نشئوا في صميم الجزيرة العربية وترعرعوا في أرجائها ثم نزحوا مع من نزح من القبائل الكنعانية واستوطنوا أرض القدس ،عندما هاجروا للشمال بسبب الجفاف والقحط من الجزيرة العربية باتجاه بلاد الشام في الألف الرابع قبل الميلاد . ومن أشهر ملوكهم، ملكي صادق ، وسالم اليبوسي ويبدو أن اختيار القدس للسكنى من قبلهم رغم قلة مائها ووعورة أرضها كان بسبب مجاورتها المنطقة التي يقع عليها "المسجد الأقصى" ركزوا هنا .. وقد توصل الآثاريون الذين أجروا تنقيبات في بعض المدن التي تحمل أسماء كنعانية أصيلة مثل أريحا إلى إرجاع تاريخها إلى ما قبل سبعة آلاف عام وهذا ما حمل بعضهم على اعتبارها أقدم مدينة في العالم ماتزال باقية حتى الآن . وأقام الكنعانيون داخل بلاد الشام وجنوبها الشرقي (شرقي الأردن) إضافة إلى جنوب فلسطين وساحلها وجنوبها الغربي. وعرفت المنطقة التي نزلت بها القبائل الكنعانية باسم (أرض كنعان)، وشملت ايضاالشريط الساحلي الممتد من صيدا وحتى غزة، ومن الساحل الغربي إلى البحر الميت شرقاً، ومن بحيرة طبريا شمالاً إلى بئر السبع جنوباً وكان الكنعانيون ينقسمون إلى قبائل متعددة ، اتخذت كل واحدة منها مكاناً خاصاً نزلت فيه، دون أن تتمكن من إقامة دولة موحدة، إلا أنها كانت على جانب كبير من الحضارة والمدنية ؛فقد كانت دولة لها نظم واسس. وبذلك تبرز وتوضح الدراسات التاريخية، بأن قبيلة (يبوس) تعد أول من سكن مدينة القدس وما حولها، وكان ذلك سنة (2500-3000 ) قبل الميلاد . وعلى الرغم أن الكنعانيين عبدوا عدة آلهة في الإطار العام ، وتأثروا بالديانة والثقافة البابلية ، إلا أن الدلائل تؤكد على أنهم اعتقدوا بالتوحيد ومارسوا هذه العقيدة . وبعد هجرة اليبوسيين واستيطانهم الارض المقدسة سميت المدينة التي بنوها هناك باسم ( يبوس) وهي التي وردت في الأحافير المصرية القديمة باسم( يابيشي) أو( يابيثي) وتقع أطلال هذه المدينة في الهضبة التي تدعى باسم (جبل صهيون ) اليوم . وفي عهد الملك اليبوسي الذي يعرف باسم( ملكي صادق) والذي حكم ا ليبوسيين خلال جزء من القرن العشرين قبل الميلاد,تغير اسمها من يبوس إلى( أورشاليم) أي (مدينة السلام). ليتبين للجميع أن مدينة القدس بناها اليبوسيون وسكنوها مدة طويلة قبل مجىء العبريين . بل إن المصادر العبرية نفسها تعترف بأن ابراهيم الخليل لماوصل إلى أرض كنعان(أي فلسطين حالياً) كان يدفع ضريبة العشر إلى ملك القدس( ملكي صادق) حوالي عام 1920 ق.م وأن هذا الملك الكنعاني كان ملكاً موحداً, ودليل ذلك أنه بارك ابراهيم الخليل بقوله: ( مبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك) وزيادة على ذلك فإن تسميته( أورشليم) بالذات ليست تسمية عبرية, كما يعتقد البعض , وإنما هي تسميته كنعانية حيث إن الألواح المكتشفة في مدينة ( إيبلا السورية) القديمة, التي تم تخريبها على يد الأكاديين قبل وصول العبرانيين إلى المنطقة بوقت طويل , ذكرت وجود مدينة (أورشليم في المنطقة, وكذلك وردت هذه الكلمة في النصوص المصرية القديمة باسم أورشليم) وهذه تسمية آرامية لا علاقة لها بالعبرية , لأنها لوكانت عبرية لقالوا(إيز شالوم وليس أورشليم) لأن كلمة مدينة يقابلها لفظ( إيز ) بالعبرية, وليس (أور) كما أن كلمة السلام يقابلها لفظ( شالوم ) بالعبرية وليس( شليم) بل إن التوراة نفسها تعترف بأن أصل القدس غير عبري حيث ورد اسم القدس في التوراة أحياناً باسم ( مدينة اليبوسيين) كما أن ملك اليهود(حزقيال ) لما خاطب مدينة القدس خاطبها بقوله: (أبوكِ عموري وأمك حثية) . وفي أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد حكم القدس ملك كنعاني اسمه( عبده هيبا- أو خيبا كما ذكرته مصادر اخرى) وذلك في فترة تبعية أرض كنعان لمصر, وقد عاش (عبده هيبا) في زمن الفرعون آمنحوتب الرابع الشهير باسم أخناتون(1379-1358ق.م) الذي اهتم بالشؤون الدينية والفنية أكثر من اهتمامه بالشؤون العسكرية- والسياسية وقد انعكس هذا الاهتمام سلباً على شؤون مملكته, وخاصة بالنسبة لأرض كنعان (فلسطين) وأورشليم(القدس) حيث في هذه الفترة بالذات بدأ ظهور العبيرو و( أوالحبيرو) في أرض كنعان , وأخذ هؤلاء يعيشون في المنطقة تخريباً وفساداً وقد حاول الملك (عبده هبا) الوقوف في وجههم فلم يستطع فاستنجد بمليكه أخناتون , ولكنه كان مشغولاً بإقرار الدين الجديد الذي فرضه على المصريين (عبادة قرص الشمس آتون بدلاً من آمون). ومما قاله(هيبا) الملك الكنعاني في إحدى رسائله إلى أخناتون: ( إلى الملك سيدي ومولاي , يقول خادمك عبده هبا : إنني أسجد سبع مرات ثم سبع مرات عند قدمي مولاي الملك.. إن هذه الأرض , أرض أوروسالم , لم يعطني إياها أبي ولا أمي , ولكن أيدي الملك القوية هي التي ثبتتني في دار آبائي وأجدادي , ولم أكن أميراً بل جندياً للملك وراعياً تابعاً للملك.. منحت ملكية أرض أوروسالم إلى الملك إلى الأبد ولايمكن أن يتركها للأعداء..إن العابيرو يعيشون في الأرض فساداً يامولاي ويحتلون حصونك واحداً بعد الآخر..فليرسل مولاي الملك فرق رماة السهام, فإذا وصل الرماة إلى هنا هذا العام فإن أراضي مولاي الملك لن تمس , و لكن إن لم يكن هناك , رماة فإن أراضي سيدي الملك ستضيع). وللأسف لم تلق هذه الصرخة الذبيحة أذناً صاغية لدى الفرعون المصري , فسقطت أرض كنعان تحت سيطرة العابيرو , ولو قدر (لعبده هيبا) أن يقنع أخناتون بإرسال نجدات عسكرية عاجلة له لتغير تاريخ المنطقة بالكامل. لقد تعايش العبريون مع اليبوسيين بسلام في أول الأمر- وتعترف التوراة بذلك فتقول في سفر بنيامين:( فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم). وفي هذه الفترة تقريباً دخل أرض كنعان شعب جديد أتى عن طريق البحر- واسمه( الفلست) وقد سكن أبناء هذا الشعب الساحل الكنعاني وبنوا عليه مدناً جديدة مثل( عقرون , وعسقلان , وأسرود , وعزة..) وهم من أعطوا أرض كنعان اسمها الجديد حيث أصبحت تسمى منذ ذلك الوقت .بفلسطين), وهكذا أصبح هناك ثلاثة شعوب يعيشون معاً في أرض كنعان (فلسطين) منذ أواسط القرن الثالث عشر قبل الميلاد . 1- العبريون : الذين انتزعوا من اليبوسيين أراضيهم وأهم مدنهم مثل أورشليم (القدس) وشكيم ( نابلس) ويريحو ( أريحا) ومجدو (التل). 2- اليبوسيون- الكنعانيون : الذين التجؤوا في غالبيتهم إلى رؤوس الجبال والهضاب بعدما طردهم العبرانيون من السهول والمدن المنبسطة. 3- الفلست أو الفيليستان : وهم الذين سكنوا السواحل وعمروها مثل عقرون (عكا), وعسقلون( عسقلان), وعزة(غزة) .. وفي منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلاد حاول الملك داود أن يجعل من أرض كنعان مملكة لبني إسرائيل , وأن يجعل من القدس عاصمة لمملكته هذه , فغير اسمها في عام 1003ق.م من أورشليم إلى ( أوردافيد: أي مدينة داود) ولكن هذه التسمية لم تدم طويلاً حيث استعادت المدينة اسمها السابق عام 966 ق.م ,كما أن إنشاء النبي داود لمملكة( إسرائيل) لم يصحبه القضاء مباشرة على وجود اليبوسيين في المدينة حيث تقول المصادر التاريخية والدينية إن داود قد أبقى السكان اليبوسيين في المدينة وحفظ لهم حقوقهم, والدليل على ذلك أنه لما أراد أن يبني الهيكل اشترى الأراضي اللازمة لذلك من أحداليبوسيين, ودفع له في أرضه خمسين شيقلاً من الفضة. ولم يقدر للنبي داود أن يبني الهيكل فترك هذه المهمة لابنه سليمان- الذي دعم مملكة أبيه ووسعها. وبعد النبي سليمان انقسمت الدولة إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال ,وعاصمتها شكيم( نابلس) ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم( القدس) ولكن هاتان المملكتان لم تعيشا إلا قرناً وبعض القرن , حيث زحف سرجون الثاني الآشوري على القدس واحتلها,وسمح للكنعانيين بالعودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم, ولما تحرك اليهود من جديد زحف عليهم حفيده سنحريب سنه 701ق.م وأخضعهم وقضى على مملكة إسرائيل نهائياً أما مملكة يهوذا في الجنوب فقد قدر لها أن تعيش بعد مملكة إسرائيل فترة قصيرة حتى هاجمها الملك الكلداني نبوخذ نصر . مما سبق يتضح للجميع أن القدس عربية والمسجد الاقصى اسلامى .. وللمزيد يقول المؤرخ بريستد ” إن بني إسرائيل ( قوم موسى ) عندما جاؤوا إلى بلاد كنعان ، كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة فيها كثير من أسباب الراحة وحكومة وصناعة وتجارة وديانة .ولم يقم لليهود كيان سياسي في المنطقة لأكثر من سبعين عاما على عهد النبيان داود وسليمان عليهما السلام . هذا بينما ظلت المنطقة دائما أرضاً عربية، عريقة في عروبتها . وقد حافظت فلسطين أو القدس على كيانها العربي سنين عددا .. ولقد ظلت أزماناً تحافظ على وحدتها وتضعف أزماناً أخرى وحياة العرب فيها من الكنعانين لم تختف بما وقع لها من غزوات العبرانيين أو الفرس أو اليونان أو الرومان. وكل ما في الأمر أنها بلاد قد تداولتها أيدي الغزاة، دون أن تفقد أهلها وأصحابها وهويتها. واعتراف التوراة بأرض فلسطين كانت أرض غربة بالنسبة إلى سيدنا إبراهيم وآل إسحق وآل يعقوب إذ وصفوا بالمغتربين بين الكنعانيين سكانها الأصليين . وتؤكد التوراة غربة اليهود عن القدس، في سفر القضاة 11:19 و 13 تجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف (يبوس) “.. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا، قال الغلام لسيده : «تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا». فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. ” «وَقَالَ ابْرَاهِيمُ لِعَبْدِهِ كَبِيرِ بَيْتِهِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي 3 فَاسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ الَهِ السَّمَاءِ وَالَهِ الأرض إن لا تَاخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ انَا سَاكِنٌ بَيْنَهُمم 4 بَلْ إلى ارْضِي وَالَى عَشِيرَتِي تَذْهَبُ وَتَاخُذُ زَوْجَةً لِابْنِي اسْحَاقَ ».( تك ، 4-3 : 24 ) وهذا يؤكد أن سيدنا ابراهيم عليه السلام كان غريبا في أرض كنعان ألم يكن بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى أرام النهرين لجلب عروس لابنه من هناك فلا يفرح بزواج ولده الوحيد ؟ . وتؤكد النصوص التوراتية : « وَتَغَرَّبَ إبراهيم فِي ارْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ أياماً كَثِيرَةً ».( تك ، 34 : 21 ) . « وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي ارْضِ غُرْبَةِ أبيه فِي ارْضِ كَنْعَانَ» ( تك ، 1 : 37 ) . « وَجَاءَ يَعْقُوبُ إلى إسحاق أبيه إلى مَمْرَا قَِرْيَةِ أربع (الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ) حَيْثُ تَغَرَّبَ إبراهيم وإسحاق». ( تك ، 27 : 35 ) . ويقول المؤرخ غوستاف لوبون : … غير أن استقرار العبريين بفلسطين تم بالتدريج على ما نرى، فالعبريون قضوا زمناً طويلاً ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين لا أن يكونوا سادتها. ويضيف : وفي فلسطين كان يعيش اليبوسيون …، وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين … ، وكان ذلك حتى عهد داود . ولم تكن لهؤلاء اليهود لغة، أو ثقافة، أو حضارة خاصة بهم، وإنما كانوا يقومون على تراث كنعاني بحت كما تؤكد لنا ذلك الأحداث التاريخية. وهكذا بقيت القدس، بل كل فلسطين، كنعانية في ثقافتها، وفي حضارتها، ولغتها.بالتالي القدس خالصة العروبة أبدا وأزلا وما وجود اليهود فيها إلا فترة انتقالية تمثل سبعين عاما فقط أو سبعة وتسعين عاما على عهد داود وسليمان عليهما السلام . فالقدس العربية من أقدم مدن الأرض، وهى أقدم من بابل ونينوى، وليس أقدم منها إلا (اون) أو (ايوتو) وقد سكن البشر مدينة القدس منذ القدم، ويؤيد كل ما ورد في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال : “قلت، يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال : المسجد الحرام، قلت: ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى، قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة “ . وأشارت روايات التوراة إلى أن ملكي صادق، اعتقد هو وجماعته بالله الواحد العلي مالك السماوات والأرض، واتخذ من بقعة الحرم القدسي الشريف معبداً له، وقدم ذبائحه على موضع الصخرة المشرفة، وقد مجدته التوراة، كما مجده الإنجيل باعتبار أنه أول من قدس الحرم الشريف ووصفاه بأنه (كاهن الله العلي) . وبذلك يكون العرب الكنعانيون أقدم من قدس هذه البقعة المباركة وتعبدوا فيها، وذلك قبل هجرة سيدنا ابر اهيم اليها وقبل أن يقوم سيدنا سليمان بن داود ببناء هيكله بما يقرب من ألف سنة. وهذا يفسر لنا ما أثبتته الحفريات وذكره المحدثون من أن بناء سليمان كان على أساس قديم، فقال صاحب الأنس:”وهـذه الأقـوال تدل على أن بناء داود وسليمان إياه إنما كان على أساس قديم، لا أنهما المؤسسان له بل مجددان “كما ذكر كعب الأحبارالذي كان من علماء اليهود ثم أسلم- ” إن سليمان بنى هيكل بيت المقدس على أساس قديم . وتدل الدراسات التاريخية والأثرية أن الكنعانيين لم ينقطع نسلهم في فلسطين مع كثرة الأجناس التي تعاقبت على السكن فيها، فقط ظلوا فيها حاكمين ومحكومين يشكلون سواد السكان بعد اندماجهم مع المسلمين وإن كان اسمهم قد غاب في التاريخ . وهكذا فاليبوسيون الكنعانيون أقدم من استقر في فلسطين، وأسسوا “حضارة فلسطين القديمة فيها وبقيت بيت المقدس عربية كنعانية يبوسية، حتى تعرضت لغزو العبرانيين، بعد نحو ألفي سنة، أي في نحو سنة (1000) ق.م.
|
التعليقات (0)