مواضيع اليوم

تاريخ الشموس المكسورة ( قصيدة)

أحمد الشرعبي

2012-12-13 09:57:23

0

 تاريخ الشموس المكسورة ( قصيدة ) . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 11/12/2012

 

يا حزني الطازَجَ ، لا تقتربْ من نزيف البيانو على الأسلاك الشائكة . هذه رموشي تعتقلُ حَواجبي ، فكيف أرى رعشةَ السنديان في أجفان المذبحة ؟ . أقضي وقتَ فراغي في تشريح جثة البحر . لكنَّ الرملَ مات مسموماً . انتصرتُ على أعدائي فقتلني أحبائي . قلبي دستورُ الضَّحايا ، ونعشي دولةُ اليمام ، فكيف أُقنع الفراشاتِ بالتداول السِّلمي للسُّلطة ؟! .
يَا جَارتي العَمْياء ، لا تحرقيني بالأحلام الضَّائعة ، لا تنظري في عيوني . أَشلائي في صُندوق القُمامة، وكُلُّنا رَهائن . لا أركض في عَرَق الرمال لأُحاكِمَ الشاطئَ . إِنَّ جسدي محكمةُ الأسماك، والقاضي مشنوقٌ على أهداب الموج. يا مملكةَ الخديعة ، لماذا تستثمرين حناجرَ الأيتامِ في براميل البارودِ ؟ .
الصراصيرُ تجرُّ السفنَ الغارقة نحو القلوب المهجورة . أحقنُ النعوشَ الجديدة بالأوسمة المستعمَلة . أيتها العصافيرُ الواقفة على شواهد القبور ، هكذا تصيرُ العِظامُ عرشَ الذكريات المخلوع ، وحواجبي سورَ المقبرة الجديد . أَلْقِ طَوْقَ النجاة للقبور الغارقة في عَرَقي . ولا تَعْبأْ بالبعوض الذي يُفسِّر تاريخَ الغبار في ثلاجة الموتى .
يا ضباباً يَفرض حَظْرَ التجول في أعصابي. قد صار سُعالي فضةَ الإبادة . حقاً !، إن شيخوخةَ البحر طفولةُ الصحراء . نحن العشاق السجناء في عُلبة الكبريت . والحطبُ مملكتنا الجميلة . والسناجبُ تُفتِّت مومياءَ الهديل تحت حوافر الشَّلال .
أيها المساءُ الجريحُ ، انظرْ إلى صُداع الضحايا وراء جثامين الدلافين كي تصبح أكثر جمالاً ! . أحرقت الشموعُ صنوبرَ الذاكرة . ولم يجيء العشاقُ والمخبِرون إلى مطعم السراب . حقاً ، إنه عَشاء على ضَوْء الأكفان .
يا مدينتي الوادعةَ ، تَغتصبُكِ البنادقُ الزُّمردية . سيأتي الموتُ يُحرِّر الخيولَ الزجاجية من إسطبل الكهرمان . أركضُ بين الجثث المجهولة الهوية والراياتِ المنكَّسةِ أُنادي على الوهم . ولم ترشدني جمعياتُ حقوق المرأة إلى جثة أُمِّي .
العناكبُ المخمليةُ ، والأحزانُ المفتوحةُ للبكتيريا . سائرون في جِنازة الصنوبر الذي قتله الصدى في صَوْتِ النَّاي. قد صارت دماءُ القطط الضالة زَيْتاً لمحرِّكات الشَّاحنات. الأعناقُ المقطوعةُ على شُرفات البرق . وَحْدَه الحطبُ الذي نرميه في الموقدة يَبكي علينا .
تِلْكَ الأكفانُ على حبل الغسيل . نُجهِّز حدائقَ جنوننا لحفل استقبال القراصنة . وجُثماني دليلٌ سِياحيٌّ لليمام التائه . لن تَشبعي أيتها الصاعقةُ حينما تأكليني . لم يَبْقَ مِنِّي غيرُ البلوطِ بعد أن أكلني الوسواس القهري . لا ذكرياتٌ ورائي ولا دَوْلةٌ أمامي . أنا دودةُ القَز التي تَكسي الآخرين وتظل عاريةً في المدى .
الأدغالُ التي تَسقط في عَرَقي هي اسمُ أوسمتي البلاستيكية ، فاخترعْ قِناعاً لأنوثة البراكين ولا تَسقط ضَحيةَ أحمر الشِّفاه للهياكل العَظْمية . أتناولُ المجازر بالمِلعقة . أُمنياتُ العناكبِ هِيَ مَنْفاي الاختياري فاخترني مِن بين الأسرى نافذةً للشلال . أنا السرابُ أَهْرب مِنِّي نحو أغنيات تَهْرب مِنِّي إلى أحلام تغتالنا ضاحكةً. قد اكتشفتُ وطني في صَفَّارات الإنذار ، فأنذرني قبل أن تجرحني .
أَنكِرني عندما تراني أبيع عمودي الفقري على إشارات المرور لأدفع راتبَ حارسِ ضريحي . ارمِ عينيكَ في الكهرمان كأنك لم تَرَني . أيها الليلكُ تنزوي في أدغال الطاعون تداوي جُروحكَ المعدنية . والنزيفُ صار مدينةً بلا صبايا ، شُموعاً بلا حكايا . أنا السجينُ في لحم المجرات ، والموتُ سَيُحَرِّرني كالمذنَّباتِ . أتشظى كالعصافير تَكْسر السدَّ . قَد صِرْتُ تاريخاً غامضاً للسيول.
القيثارةُ المكسورة . ويظل بكائي وشماً على الرصاصة . أطبخُ أحزانَ الغروب لكي تأكل البِحارُ اليتيمةُ . جُوعِي أرشيفٌ لمناديل الأسيراتِ بعد سقوطِ الأحلام . أيها الشلالُ الأعمى تتناول الشوكولاتة لِتَكْسرَ الاكتئابَ . إنها دمعاتُ البلوطِ اكتئابُ الفؤوسِ في موسم حصاد المشنوقين . نسيتُ خارطةَ قلبي حين مات الليلُ بأزمةٍ قلبية .
يا فراشتي المحتضرة ، اكرهيني ! ، ما فائدةُ قصص الحب وقد سرق طفولتنا العسكرُ ؟ . أنا التاريخُ والجغرافيا لكنَّ خارطتي منهارةٌ . أنا الألف والياءُ لكنَّ أبجديتي ضائعةٌ .
أُكرِّرُ دَمِيَ الخامَّ في ممالك السُّل لتزدادَ أرصدةُ السناجب في بنوك المذبحة . أُصفِّي ماءَ عيوني من القوارب الغارقة . إن دمي كالنفط الخام كلاهما يَحترق في الشفق . فابحثْ في جسد الزنابق عن متاهاتي . الحزنُ صهيلُ المسافات. والحواجزُ الأمنية في عُروقي تَمْنع وُصولَ الذاكرةِ إلى الذكريات .
في ثلاجة الموتى يَقضي الصليلُ شهرَ العسل . والبعوضُ يَرقص في عُرس القتلى. سَأَرْحلُ مع الإماء حينما يتقاعد النخاسون. مندهشاً كالدب القطبي الخارج من البيات الشتوي كان صُداعي. نحن الجثث المجهولة في الإسطبلات . تحترق أخشابُ البيانو في دموع الفتياتِ . نزيفُ الحدائقِ يَغْسلُ بلاطَ الزنازين اللوزية . نَعَم ، سَيَنْبتُ اللوزُ في سَقْفِ الزِّنزانة .
أرى في عِظام الغيم صُورةَ أبي . والبراويزُ امتدادُ نحيبي في أُذن البارود . لن أفتخر بفحولة الزبد أمام الصحراء العرجاء . ما فائدةُ أن أكون رومانسياً بين الأضرحة اللوزية ؟ . تائهٌ أنا مُذ فقد الزعترُ قواه العقلية . أيتها الضِّباعُ التي تَقفز في الشفق الدموي. لم يعد في أوردتي شمسٌ لكي يَخطبَ الزنابقَ الوحلُ النبيلُ . يخافُ الطاعونُ أن يَنْظر في المرآة . يَخرج من ثقوب قلبي الدودُ. ومِن حُسْنِ حَظِّ الغبار أن الصحراء ترمي حَواجِبَها في البِحار .
لم أستفدْ من الكيمياء غَيْرَ صَداقةِ الجثث المتحلِّلة . فلا تَسأل الأمطارَ عن جُثمان أبي الذي تتقاتل عليها الشجراتُ . يا صديقي المقتولَ ، إن الإجاباتِ تَنْبعُ من عِظامِكَ فابحثْ في جبينكَ عن مدينتكَ الذبيحة . تتكاثر الضفادعُ في فُوَّهاتِ جُروحي . والمساءُ يَحْرثُ أجفاني فتنامُ الخيولُ المرهَقةُ في أهدابي .
لا تُطلِقوا الرصاصَ على قلب الشتاء . لا تُزعِجوا قَيْلولةَ السنابل . زَهْرةُ الخرابِ وَرْدةُ السرابِ . تَسْكبُ الرياحين دماءها اللزجةَ في الغسق وتلتهم الديدانُ أعضائي وأنا أَضحكُ . ويتوكأُ على جثتي المنتصِبةِ البحرُ المشلولُ .
لا وقتَ للحزن يا صديقي . لا الزمانُ زماني ولا الطريقُ طريقي . وقفَ الليلُ على بابي فلم أعرف أصابعي إلا في لمعان حريقي . أدركتُ حزناً يتقمص الأشجارَ فبكيتُ كالحائط في أعالي شهيقي . أيها الصنوبرُ الآتي من دروبنا كالرعد يَكْسرُ حواجبَ المشنوقِ . ذَهَبَ الضيوفُ إلى الضيوف وبَقِينا يا وطني غريبَيْن كدَهشة البروقِ .
وصايا القاتلِ تُراثُ القتيلِ . وشجرةُ الزيتونِ الوحيدةُ سَتُغسِّل الليلَ بعد وفاته . أظلُّ أَموتُ في الكهوف ، واحتضاري يُضيءَ طريقَ السنونو نحو الأناشيد . افرحي يا أُمِّي ، قد أثمرت عِظامُ الموتى زعتراً وفراشاتٍ ، والعناكبُ سَتُطْلِقُ اسْمِي على الشَّارع الذي سأموتُ فيه .
سأتنازلُ عن حَقِّي في عرش البكاء فلا تُشفِقي عليَّ أيتها السنابل . ذلك البلوطُ يُعلِّق أكفانَ اليمام على جدائل اليتيماتِ . فاشكرْ الصبايا اللواتي يَرسمنَ قبورهنَّ على سطوح القطارات. تتحركُ أشلائي حَسْبَ بُوصلةِ الذكريات. وليست الذاكرةُ سِوى زُجاجةِ عِطْرٍ غامضٍ . إنني المِنجلُ الذي نَسِيَ موعدَ الحصاد ، وأنا الحاصِدُ والحصَادُ .

https://www.facebook.com/abuawwad1982




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات