كان الاتحاد السوفياتي السابق من أولى الدول التي اعترفت باستقلال سوريا وأقامت علاقات دبلوماسية معها في العام 1944م، وتحتل العلاقات السورية – الروسيه صفحات بارزة ومهمه من تاريخ سوريا المعاصر فقد اتسم خط سير العلاقات السورية - الروسية عبر تاريخها الطويل بالثبات والاستقرار والديمومة رغم كثرة الأحداث وسرعة التطورات المتلاحقة في العالم ما يجعلها تتجاوز حدود الصداقة التقليدية لتؤسس مستوى استراتيجيا من التعاون والتنسيق الشامل والجامع للملفات والقضايا السياسية والاقتصاديه منطلقة في ذلك كله من قاعدة ثابتة هي الرؤية المشتركة لكل ما يتصل بقضايا العالم والمسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك، خصوصاَ اذا علمنا ان هذه العلاقات يعود تاريخها الى قيام ثورة تشرين الاول/اكتوبر العام 1917م، وفي الواقع ان مجمل السياسات التي اتبعها الاتحاد السوفيتي (السابق) بعد قيام الثورة تؤكد على هذه الاهميه،و ابتدات السلطة البلشفية سياستها باصدار "مرسوم السلام" والغاء الاتفاقيات السرية بعد يوم واحد من قيام الثورة حيث اعلن النظام الجديد رفضه "للدبلوماسية السرية "وقام بنشر جميع المعاهدات والاتفاقيات التي عقدتها الحكومة القيصرية السابقة مع الدول وغيرها( كمال مظهر احمد ، اضواء على قضايا دولية في الشرق الاوسط ، وزارة الثقافة والفنون ،دار الحرية للطباعة، بغداد ، 1978 ، ص140)، كما وجه نداء ( الى جميع المسلمين الكادحين في روسيا وفي الشرق) بين فيه طبيعة واهداف الثورة واعلان القرار السوفيتي بنقض وكشف المعاهدات والاتفاقيات التي عقدت مع الدول الكبرى في مرحلة ما قبل الثورة، اضافة الى ان الحكومة السوفيتية فضحت التواطؤ" الانجلو- فرنسي" بشان السيطرة على الاراضي العربية عندما اعلنت في كانون الاول/ديسمبر العام 1917 م عن المعاهدات السرية ومنها (معاهدة سايكس - بيكو Sykes-Picot Treaty) السيئة الصيت ونستطيع القول ان الحكومة السوفيتية قامت بمحاولات لتفجير الثورة في الشرق ولعل هذا النداء هو اول مبادرات الثورة في هذا المجال وقد كان لاقدام الحكومة السوفيتية على فضح وكشف تلك المعاهدات والاتفاقيات دور في لفت نظر العرب اليها في فترة مبكرة كانت خلالها الدول الاستعمارية الكبرى تتامر وتعد المشاريع والاتفاقيات السرية وغيرها من المخططات لاقتسام الوطن العربي، وساعد ذلك على نمو الوعي القومي والوطني لدى الشعب العربي، ولكن لم يكن بوسع الحكومة السوفيتية ان تفعل شيئا كثيرا لمعاونة الحركة الثورية في هذه الفترة، وذلك نظرا للظروف الخاصة التي احاطت بالثورة البلشفية في ايامها الاولى، ولذلك اقتصرت مساهمتها في هذا المجال على تاليف (اتحاد تحرير الشرق) في تشرين الاول/اكتوبر العام 1918 م (علما ان مؤتمر اتحاد الشرق ظل حدثا منفردا لم يصل ذكره الى العالم الابالشيء القليل ، راجع : والتر لاكور ، الاتحاد السوفيتي والشرق الاوسط ، نقله الى العربية لجنة من الاساتذه الجامعيين ، منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1959 ، ص37-38). ، ومساعدة الحركة الثورية بالدعاية والتعاطف معها، فقد اكد( فلاديمير لينينLenin F.) ، اهمية تقديم كل الوان العون للكفاح الثوري ضد الامبريالية العالمية :" هناك نوع واحد من الاممية الحقيقية، وهو العمل بكل اخلاص من اجل تطور الحركة الثورية، والكفاح الثوري من بلد المرء ذاته والمساندة بالدعاية والتعاطف والمساعدة المادية لهذا الكفاح، وهذا الخط وحده في كل بلد بدون استثناء". وهكذا حظيت الثورات العربية الوطنية التي شملت الوطن العربي بعد الحرب العالمية الاولى بتاييد الثورة الاشتراكية ودولتها الجديدة الجمهورية السوفيتية الاتحادية مثل ماحدث في سوريا عام1919م، فقد جاء في وثائق ( الوحدة العربية) التي انشات في سوريا عام 1919م " ان العرب يعتبرون لينين وزملائه والثورة العظمى التي قاموا بها من اجل تحرير الشرق من نير الظالمين الاوربيين قوة جبارة قادرة لاعطائها السعادة والرفاهية". وقد وقفت الحكومة السوفيتية ضد نظام الانتداب الجائر فقد فضح "لينين "الجوهر التسلطي الاستعماري لنظام الانتداب حين قال " نحن نعلم حق العلم انهم عندما يتحدثون عن توزيع الانتدابات على المستعمرات فانما يعنون توزيع انتدابات للسلب والنهب وتخويل اقلية ضئيلة من سكان الارض حق استثمار الاكثرية من سكان الكرة الارضية". ونخلص الى القول ان الاتحاد السوفيتي وقف موقفا معارضا لنظام الانتداب، بل انه وجه الكثير من رسائل الاحتجاج الى حكومتي بريطانيا وفرنسا، ونحن نعلم ان سوريا قد وضعت تحت الانتداب الفرنسي، الامر الذي اثار حفيظة فرنسا واعتبرته تدخلا سافرا في شؤون الدول المنتدِبة والتي تحت سلطة الانتداب. فقد اشارت الحكومة السوفيتية في بيان مفوضية الشعب للشؤون الخارجية الصادر في الرابع عشر من اذار/مارس العام 1923 م" الى ان الدول الامبريالية تغطي بمنظر كاذب من الشرعية الزائفة تجاوزاتها على حقوق واستغلال الشعوب الاخرى على شكل انتدابات يقررها مجلس عصبة الامم وجمعيتها العامة".
وفي الثاني عشر من ايار/مايو العام 1923 م اعلنت الحكومة السوفيتية في مذكرة قدمتها الى حكومات بريطانيا وفرنسا وايطاليا " تخضع سوريا وفلسطين اليوم لما يسمى بالوضع الانتدابي، ان الحكومة السوفيتية لاتعترف بهذا الشكل الجديد في الوضع الدولي"، واشارت المذكرة الى موقف الحكومة السوفيتية السلبي من الوضع الذي جعل من فلسطين وسوريا وغيرها اراضي خاضعة للانتداب، ازداد اهتمام موسكو بالشرق سنة 1920م، وفي هذا العام بالذات انعقد (مؤتمر باكو Baco’s Conference) الشهير (ضم المؤتمر 2050 شخصا وكان نصيب المراة في المؤتمر (53) مندوبة و6 من العرب ، ومن الجدير بالذكر ان هؤلاء الستة العرب كانوا من مصر وفلسطين وسوريا وشبه الجزيرة العربية وان مندوبي مصر وسوريا ساهموا بشكل خاص في اعمال المؤتمر الذي كان يستهدف فيما يستهدف التحريض على الثورة في المستعمرات ردا على تدخل الدول الاستعمارية، في اطار الصراع مع العالم الراسمالي، ولقد خاطبت الدعوة( فلاحي سوريا والبلدان العربية ) بهذه الفقرة " يا فلاحي سوريا والبلدان العربية لقد وعدكم الفرنسيون والانكليز بالاستقلال، ولكن جيوشهم احتلت اراضيكم فارضة قوانينها وانتم بعد ان تحررتم من السلطان التركي اصبحتم عبيدا لحكومات باريس ولندن والفرق بين حكمها وحكم السلطان انها تشدد عليكم الخناق اكثر فاكثر وانتم تعلمون ذلك".ومن بين الوثائق المختلفة التي يوردها المستشرق السوفيتي المعروف "ا.ن خيفيتشA.N.Kefeetch "في كتابة (الدبلوماسية السوفيتية وشعوب الشرق 1921-1927م) بيان اصدره بعض الوطنيين السوريين الشباب في كانون الاول/ديسمبر العام1920م جاء فيه " ان سعادة واستقرار كل العالم انما يعتمدان على اتحاد كل المسلمين مع البلاشفة". ومن المهم ان نشير هنا الى انه انتقلت بفضل جهود التقدميين الغربيين بعض افكار وقرارات مؤتمر شعوب الشرق الاول الى حيز التنفيذ العملي في اقطار مختلفة والتي مست قسم غير قليل منها حركات التحرر الوطني في البلدان العربية بشكل مباشر فمثلا ظهرت في فرنسا احتجاجات واضحة ضد القوات الفرنسية التي قامت بقمع انتفاضة الدروز في سوريا 1925-1927م.وفي العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر العام 1922م افتتح في لوزان المؤتمر الدولي المكرس لقضايا الشرق الاوسط، وعلى الرغم مما بذله وزير الخارجية البريطاني ( اللورد كيرزون Lord Kerazon ) لكي يحول دون اشتراك مندوبي روسيا السوفيتية في مؤتمر لوزان بحجة كونها قد وقعت معاهدة مع تركيا في السادس عشر من اذار/مارس العام 1921م، وبعد عدة احتجاجات شديدة اللهجة من قبل الحكومة السوفيتية اضطر منظموا المؤتمر الى دعوة الوفد السوفيتي. وفي العشرين من كانون الاول/ديسمبر العام 1922م نشر الوفد السوفيتي الذي وصل الى لوزان مذكرة بصدد المسالة الشرقية ايد فيها مطالب وفود الاوساط العربية الوطنية التي وصلت الى لوزان للدفاع عن مصالحها، ووجه الوفد السوفيتي في هذه الوثيقة نقدا لاذعا لسياسة الدول الامبريالية التي استاثرت بحق الوصاية على شعوب العراق وسوريا وفلسطين وشبه الجزيرة العربية " التي تعتبرها غير قادرة على تيسير امورها بنفسها".
وفي فترة المؤتمر زارمراراً رئيس الوفد السوفيتي( تشيتشرين schechren) ممثلوا المنظمات الوطنية في مصر وسوريا وفلسطين والعراق والبلدان العربية الاخرى، هذا وبعد تحليل الوضع في البلدان العربية الواقعة تحت الانتداب البريطاني والفرنسي من قبل الحكومة السوفيتية، اكدت الحكومة السوفيتية انعدام ابسط الحقوق هناك للتطور التقدمي للشعوب العربية، ولذلك اعربت الحكومة السوفيتية عن موقفها السلبي المتشدد ازاء السياسة الاستعمارية التي انتهجتها فرنسا وبريطانيا وعلى الخصوص في العالم العربي تحت راية عصبة الامم المتحدة ونظام الانتداب السيء الصيت الذي اقرته عصبة الامم. واذا عدنا الى الوقائع التاريخية نستطيع ان نتبين التاثير العميق الذي احدثته ثورة اكتوبر الاشتراكية في البلدان المضطهدة بما في ذلك البلدان العربية، فقد اصبح معروفا ان مجموعة من الثورات التي حدثت في البلدان العربية قد استلهمت مثال لها ثورة اكتوبر، وقد اقام قادة هذه الثورات علاقات معروفة مع السلطة السوفيتية وتبادلة الرسائل مع لينين فمثلا بعث لينين برسالة تاييد الى ابراهيم هنانو(ولد في حلب العام 1869 م درس فيها ، انتقل الى اسطنبول لاكمال دراسته في الحقوق ، اشترك في الجيش العربي الذي دخل مدينة حلب عام 1918 م، انتخب عضوا في المؤتمر السوري ، تزعم حركة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي بعد سقوط الحكومة العربية في دمشق ، توفي في العام 1935 م، راجع : احمد عطية الله ، القاموس السياسي ،دار النهضة العربية، القاهرة، 1968،ط3،ص1352) ، الذي يقود حركة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في شمال سوريا سنة 1921. وعندما اندلعت الثورة السورية عام 1925، كانت موضع اهتمام السوفيت باعتبار انها حركة تحررية من السيطرة الفرنسية.
كما ان الهيئات الشعبية ايضا كان لها دور في توطيد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، فقد تشكلت هيئات عربية تدعو الى التعاون مع الاتحاد السوفيتي منها(لجنة توحيد العرب ) التي تشكلت في دمشق ودعت الى الحصول على السلاح من الاتحاد السوفيتي لتعزيز المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاجنبي. وتميزت فترة مابين الحربين بغياب النفوذ السوفيتي عن المنطقة العربية، فلم يكن بوسعه ان يصطدم بكل من فرنسا او بريطانيا اللتان كان لهما نفوذ كبير في المنطقة، دون ان يعني ذلك ان الاتحاد السوفيتي لم يعرها اهتماما. ولعل الموقف الذي يؤخذ على الاتحاد السوفيتي هنو تاييده لسلخ لواء الاسكندرونة العربي- السوري والحاقه بتركيا، ففي عام 1939 م وعندما تواطات فرنسا مع تركيا حيث كانت الاولى منتدبة على سوريا لسلخ لواء الاسكندرونة والحاقه بتركيا، وعلى اثر الرفض العربي للمؤامرة تقرر عرض القضية على عصبة الامم التي كانت تمثل ارادة الدول الاستعمارية الكبرى، فلم يكن الحل الذي قدمته سوى الحاق اللواء بتركيا، وقد عبر الاتحاد السوفيتي بلسان وزير خارجيته (ليتفينوفLitvinov) عن ارتياحه لهذه التسوية السارة بقوله " ان هذه التسوية تدل على نجاح الحكومة الفرنسية التي تربطها بحكومتنا رابطة الصداقة وعلى نجاح الحكومة التركية التي ارتبطت معها بروابط صداقة قديمة ولم تتبدل، وعلى نجاح العصبة والتي تعتبرها عنصرا مهما في سياستها"، ان سبب " ارتياح " الاتحاد السوفيتي كان يعود لرغبته في تامين علاقات جيدة مع تركيا، لضمان مرور سفنه عبر مضايقها، والتي هي المنفذ الوحيد للاتحاد السوفيتي الى البحر المتوسط، ومن جهة اخرى فانه اراد بموقفه هذا التعبير عن حسن نواياه تجاه الدول الغربية، يضاف الى ذلك ان الاقتراح الفرنسي جاء من حكومة (الجبهة الشعبية ) التي يحتل الحزب الشيوعي في برلمانها اثنين وسبعين مقعدا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، اتاحت للاتحاد السوفيتي فرصة التواجد مرة اخرى في الوطن العربي، وخاصة بعد انضمامه الى دول الحلفاء منذ منتصف عام 1941م،اذا علمنا انه نتيجة للحرب العالمية الثانية فان حركة التحرر القومية لشعوب البلدان العربية توسعت بمراكز قوة جديدة، فقد نما الوعي الوطني للشعوب العربية فجأة وبسرعة وقد تعزز تأثير الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية خصوصا في سوريا ولبنان ومصر والعراق، كما ان طبقة العمال توسعت عددا وتوحدت تنظيما، وقادت حركة العمال عناصر مركزية لحركة التحرر القومية العربية، وتم وضع البرجوازيين القوميين على جانب من قيادة حركة التحرر الوطنية بل استبعدت مثل ماحدث للكتلة الوطنية في سوريا. وفي الثالث والعشرين من كانون الاول/ديسمبر العام 1943م وقعت سوريا اتفاقا مع ممثلي سلطة الانتداب القاضي باستلام المصالح المشتركة والصلاحيات من سلطة الانتداب، ودخلت الحكومة السورية في مفاوضات طويلة مع ممثلي سلطة الانتداب لاستلام هذه الصلاحيات استمرت حوالي ستة اشهر انتهت في الخامس من حزيران/يونيو العام 1944م، وفي الخامس من تموز/يوليو 1944 م ابلغت وزارة الخارجية السورية الدول العربية والاجنبية بهذا الامر.
بدأت الدول العربية والاجنبية بالاعتراف باستقلال سوريا وبالنسبة الى الاتحاد السوفيتي فقد قام وزير الاتحاد السوفيتي المفوض لدى الحكومة المصرية(نيقولاي نوفيكوفNekolyNovekof وهو هو اول سفير سوفيتي في مصر درس في الكلية الشرقية في مدينة لينيغراد وحاز على شهادة في تاريخ الشرق وتولى مناصب في المؤسسات السوفيتية ثم عمل بالخارجية السوفيتية في العام 1938م، ايضاً شغل مدير الدائرة الاوربية في الخاريجية السوفيتية، ثم اصبح بعد ذلك سفير بلاده في مصر راجع: فؤاد المرسي، العلاقات المصرية- السوفيتية 1943-1956، د.م، د.ت،ص55). بالمجئ الى لبنان، ودارت مباحثات بينه وبين ممثل الحكومة السورية جميل مردم، اسفرت عن اعتراف الاتحاد السوفيتي باستقلال سوريا، وتم الاتفاق بين البلدين على تبادل التمثيل الدبلوماسي، وثم اقام جميل مردم حفلاًفي مقر وزارة الخارجية اعلانا لهذا الاعتراف وعلى شرف الوزير المفوض، ثم نشر بعد ذلك نص البرقية التي ارسلها جميل مردم الى مولوتوف -وهو Motolov مولوتوف فيبيتشلاف ميخايلفتش : سياسي روسي اسمه الاصلي سكرياين عين رئيس للوزارء 1930-1941 م، ووزير للخارجية 1939-1949 م، ونائب لرئيس الوزراء 1941-1957 م، وشغل منصب وزير الخارجية ايضا من عام (1952-1956م) ، كان الناطق الاكبر باسم روسيا في الشؤون الدولية ، اقصاه "خروتشوف" من وزارة الخارجية عام 1956م) ، في الحادي والعشرين من تموز/يوليو العام 1944م، وقد جاء بها " ان سوريا معجبة بالشعب الروسي وجهوده وما يحرزه من فوز في معركة الديمقراطيات الكبرى ضد روح الاجتياح والسيطرة، وان سوريا تجد ما يشجعها على مفاوضتكم فيما شاهدته من اتجاه السياسة الخارجية السوفيتية منذ ظهورها الى الغاء الامتيازات والمنافع التي كانت تتمتع بها روسيا القيصرية والتي اعترفت روسيا السوفيتية انها تتنافى ومبدا المساواة بين الامم. ان سوريا التي حصلت على الاعتراف رسميا باستقلالها بعد نضال كبير تكون سعيدة باقامة العلاقات السياسية معكم، ولي الشرف بان اطلب موافقة حكومتكم على تسمية مندوب فوق العادة ووزير مفوض تعينه سوريا لديكم مقابل وزير تعينه حكومتكم. ثم رد "مولوتوف" على البرقية التي ارسلها جميل مردم وقال فيها "ان حكومة الاتحاد السوفيتي تقدر اسمى تقدير الشعور الذي اعربتم عنه تجاه النضال العظيم الذي يقوم به الشعب السوفيتي ضد المانيا الهتلرية، وهي سعيدة بانشاء علاقات سياسية مع سوريا، ومستعدة لتعيين مندوب ووزير مفوض لها في دمشق".وفي السادس والعشرين من تشرين الاول/اكتوبر، قدم سولود (Soloed) الوزير المفوض الروسي اوراق اعتماده الى وزارة الخارجية السورية وقال بهذه المناسبة " اني اذ اقدم اوراق اعتمادي هذه اود ان اوكد لفخامتكم باني سأبذل كل ما بوسعي بصفتي مندوبا فوق العادة ووزيرا مفوضا لتوثيق العلاقات القائمة بين بلدينا في جو من الصداقة والتعاون المتين" وفي مؤتمر يالطا (Yalta Conference) الذي اجتمع فيه الرؤساء الثلاثة (روزفلت، تشرشل، ستالين) لمدة ثلاثة ايام، وذلك لتسوية الامور المتعلقة بالحرب، واعداد ميثاق الامم المتحدة، تقرر دعوة الحكومات التي حاربت دول المحور الى مؤتمر يعقد في نسان فرانسيسكو في العام 1945م، وقد اشترط على الدول التي تريد الانتماء الى الامم المتحدة ان تعلن الحرب على دول المحور، وعلى هذا الاساس اصدرت الحكومة السورية في السادس والعشرين من شباط /فبراير العام1945م الحرب على دول المحور.وفي الخامس والعشرين من اذار/مارس العام 1945 م وجهت الولايات المتحدة دعوة الى الدول المحاربة في صف الحلفاء لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو، ولم تدع سوريا ولبنان اليه، وعلى اثر ذلك قامت الحكومتان السورية واللبنانية بتحرك واسع وارسال مذكرات مشتركة الى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين تطلبان اشتراكهما في المؤتمر لانهما مستوفيان لجميع الشروط.
اسفر التحرك السوري واللبناني على اقناع الولايات المتحدة والدول الاخرى وحملها على تغيير موقفها، فاعلنت وزارة الخارجية الامريكية ان الدول الاربع قد وافقت على انضمام سوريا ولبنان الى تصريح الامم المتحدة واشتراكهما في الامم المتحدة، وتذكر بعض المصادر ان دعوة سوريا ولبنان الى مؤتمر سان فرانسيسكو جاءت نتيجة لممارسة بعض الضغوط الدبلوماسية من الدول الاخرى، اضافة الى التحرك السوري- اللبناني الذي اسهم في توضيح وجهة نظرهما الى الاطراف الدولية.ومن هذا نستنتج ان الاتحاد السوفيتي لعب دورا مهما في اقناع الولايات المتحدة لموافقتها على دعوة سوريا ولبنان الى مؤتمر سان فرانسسيسكو، ولم يكتفي بذك بل انه مارس ضغوطا على الولايات المتحدة لحملها على الموافقة الى دعوة سوريا ولبنان الى المؤتمر. ادى تماطل الجانب الفرنسي في تنفيذ تاكيدات ووعود الاستقلال الى اضطراب الاوضاع في سوريا، فقبل المفاوضات التي كان من المقرر اجراؤها في التاسع والعشرين من ايار/مايو العام 1945 م بين فرنسا من جهة وسوريا ولبنان من جهة ثانية، قامت فرنسا بانزال قوات في اراضي البلدين لتكون ورقة ضغط تستخدمها فرنسا على سوريا ولبنان في المفاوضات وبالمقابل ردت سوريا على هذا الاجراء بقطع المفاوضات من جانبها وذلك في التاسع عشر من ايار/مايو العام 1945م، الامر الذي جعل فرنسا ترد على ذلك بضرب دمشق وحلب والمدن السورية الاخرى بالطائرات والمدفعية في السادس والعشرين من ايار/مايو العام 1945م.على اثر ذلك نشرت الحكومة السوفيتية من ناحيتها بيانا قالت فيه " ان الخلاف الذي حدث بين فرنسا من ناحية وسوريا ولبنان من ناحية ثانية، حمل الحكومة السوفيتية ان تبعث بمناشدة خاصة الى الحكومة الفرنسية و الى حكومات بريطانيا والولايات المتحدة والصين، مبينة ان التقارير التي وصلت اليها تدل على انه وقعت في سوريا ولبنان خصومات مسلحة، وان الجيش الفرنسي قاتل السوريين واللبنانيين وسلط القنابل على العاصمة السورية من المدافع والطائرات وحدثت اشتباكات عسكرية في مدن اخرى من سوريا ولبنان وعدد القتلى والجرحى يزداد في كل يوم فالموقف يزداد خطورة باعتبار ان الدول الثلاث المذكورة هي اعضاء في الامم المتحدة.ونشرت( صحيفة البرافداPravda ) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفيتي في عددها الصادر يوم الثاني من حزيران/يونيو العام 1945 م مقالا جاء فيه " ان الراي العام السوفيتي يامل في ان تكون للمذكرة السوفيتية التاثير لحمل الدول المعنية على تحقيق السلام في سوريا ولبنان".وجاء في بيان اخر اذاعته الحكومة السوفيتية " ان الحوادث الجارية في كل من سوريا ولبنان لاتنسجم مع اهداف الامم المتحدة، لذا فان الحكومة السوفيتية ترى وجوب اتخاذ الاجراءات لايقاف العمليات الحربية وتسوية النزاع بالطرق السلمية" ولما زعزعت الاحداث الدامية في سوريا والعدوان الفرنسي عليها في ايار/مايو العام 1945 م ثقة السوريين بامكان قيام فرنسا بارضائهم ، وبان قضيتهم لايمكن ان تحل الامن خلال مساعدة الدول الكبرى، وبان مستقبل العلاقات السورية- الفرنسية يمكن تسويتها بصورة فاعلة ضمن اطار مباحثات دولية، لهذا اتصلت الحكومة السورية بالاتحاد السوفيتي لطرح هذا الموضوع في محادثات بوتسدام، وفعلا حدث هذا الامر وتم طرح هذا الموضوع في محادثات بوتسدام(مؤتمر بوتسدامPotsdam Conference )، الا انه ظل مدار بحث ومناقشات من اجل الاتفاق على صيغة نهائية، وعلى اية حال فقد توصل الى حل للمشكلة السورية خلال المناقشات التي دارت في اجتماعات مجلس الامن في شباط/فبراير العام 1946م. ان من المطالب التي لم تتخلى عنها الحكومة السورية انسحاب القوات الاجنبية من اراضيها ، هذا الامر الذي طالما اكده المسؤولون السوريون اكثر من مرة، ورافق هذا المطلب مطلب اخر هو نقل القوات الخاصة من الادارة الفرنسية الى الادارة السورية، وكانت الحكومة السورية ترى ان ذلك يمكن ان يتم ضمن اطار دولي. وفي الثالث عشر من كانون الاول/ديسمبر العام 1945 م عقدت حكومتا فرنسا وبريطانيا ما يسمى بـ ( الاتفاق الانكلو- فرنسي حول الشرق الاوسط)، وقد جاء فيه " ان فرنسا وبريطانيا موافقتان على سحب قواتهما من اراضي سوريا ولبنان على شرط وجود قوى كافية في البلدين لحفظ الامن الى ذلك الوقت الذي تقرر فيه هيئة الامم المتحدة مسالة الامن الجماعي في هذه المنطقة، وتحتفظ الحكومة الفرنسية حتى تنفيذ هذه الامور بقواتها التي اعيد تجميعها في لبنان".ومما لاشك فيه ان الدافع الاساسي لهذا التقارب بين المتنافسين هو التصميم الذي تبديه الجماهير في نضالها لاجلاء كل الجيوش الاجنبية عن سوريا ولبنان، الامر الذي يمس القوات البريطانية والفرنسية معا، اضف الى ذلك ان حركة التحرر الوطني اشتد ساعدها في سوريا ولبنان وكذلك في الاقطار العربية الاخرى التي استهدفت اساسا التخلص من النير الاجنبي.
كان ذلك الشرارة التي اطلقت الاحداث من جديد فاعلن الاضراب في سوريا ولبنان، واستنكر الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية كلاهما الاتفاق البريطاني- الفرنسي وطالبتا بجلاء القوات الفرنسية والبريطانية فورا عن كل من سوريا ولبنان ، رأت الحكومتان السورية واللبنانية ان فرنسا وبريطانيا لاتبديان اية رغبة في تلبية المطالب المحتمة بالجلاء. فقررتا عرض القضية على منظمة الامم المتحدة، وفي الرابع من شباط/فبراير العام 1946 م قدم الوفدان السوري واللبناني شكوى مشتركة الى مجلس الامن جاء فيها " انه بالرغم من انتهاء الحرب فان جيوشا فرنسية وبريطانية لاتزال باقية في سوريا ولبنان، ان وجود هذه الجيوش يتناقض وسيادة سوريا ولبنان وان حكومتي سوريا ولبنان يطلبان من مجلس الامن ان يتخذ قرارا بجلاء جميع الجيوش الاجنبية من الاراضي السورية واللبنانية جلءً تاما وفي وقت واحد". بدا مجلس الامن مناقشاته حول القضية في الرابع عشر من شباط/فبراير العام 1946م، بين مندوب سوريا ( فارس الخوري ) وجهة نظر حكومته حول اجلاء الجيوش الفرنسية والبريطانية عن سوريا ولبنان، واعلن انه على الرغم من عدم وجود اية مبررات حربية، فان الجيوش الفرنسية والبريطانية مازالت موجودة في اراضي دولتين مستقلتين، وان اتفاقية الثالث عشر من كانون الاول تتناقض مع ميثاق الامم المتحدة وتعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لسوريا ولبنان.ثم تكلم جورج بيدوGeorge Bidault- وزير الخارجية الفرنسي) وحاول ان يبرهن على ان بقاء القوات الفرنسية والبريطانية في سوريا ولبنان ليس انتقاصاً من سيادة هذين البلدين، وان هناك دول عديدة ترابض فيها جيوش اجنبية، ثم ادعى مندوب فرنسا بعد ان اضطر الى القبول بالجلاء، انه من المستحيل ان يتم ذلك فورا.ثم تكلم الكسندر بيفن -Alexander Bevin مندوب بريطانيا) من مواقع التاييد لوجهة النظر الفرنسية وحاول، كما فعل جورج بيدو، ان يبرر ابقاء الجيوش في المنطقة متبررا بمستلزمات الامن والمحافظة على طرق المواصلات، ثم برر ان عقد اتفاقية الثالث عشر من كانون الاول/ ديسمبر العام1945 م بانها عقدت " تداركاَ لنشوء فراغ وتاميناَ لسلامة وامن تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم".ان حجج المندوبين الفرنسي والبريطاني ومزاعمهما بالحرص على سلامة سوريا ولبنان لم يقنع احدا، وانقسم مجلس الامن حول هذه القضية الى فريقين، الاول وقد ضم الاتحاد السوفيتي وبولونيا ومصر والمكسيك، ووقف الى جانب سوريا ولبنان بكل حزم، اما الفريق الثاني وقد ضم كل من الولايات المتحدة الامريكية واوستراليا والبرازيل وهولندا الخ، وقف الى جانب فرنسا وبريطانيا. وفي الجلسة التي عقدها مجلس الامن في الخامس عشر من شباط /فبراير 1946م تكلم( فيشنسكي Feshineski- مندوب الاتحاد السوفيتي )، فايد مطلب سوريا ولبنان بقوة، وفضح سياسة بريطانيا وفرنسا الاستعمارية، كما فضح الطابع الامبريالي لاتفاقية الثالث عشر من كانون الاول/ديسمبر العام 1945 م بين فرنسا وبريطانيا، واتهم مندوب الاتحاد السوفيتي فرنسا وبريطانيا بانهما يعملان على تنفيذ مؤامرة لاقتسام مناطق النفوذ في المنطقة ، واشارة الى شرعية مطلب سوريا ولبنان بالجلاء، لان هذا المطلب يستند على مبادئ السيادة الوطنية، وطلب "فيشنسكي" من مجلس الامن اتخاذ قرار بسحب جميع الجيوش الفرنسية والبريطانية من المنطقة فورا وفي نفس الوقت.اما الدول الغربية فانها رغم تاييدها وتبريرها للمواقف الانكلوا- فرنسية في سوريا ولبنان، لم تقو على اتخاذ موقف صريح معاد للجلاء، الا انها حاولت ايجاد حل وبشكل يعطي الدولتين الغربيتيين فرصة للممطالة والتسويف، وقد ظهر هذا بشكل واضح من مشروع القرار الذي قدمه( ادوارد ستيتينيوسEdward Stetinus - مندوب الولايات المتحدة الامريكية) الى مجلس الامن ونصه " ان مجلس الامن ،يعرب عن ثقته بان الجيوش الفرنسية والانكليزية ستنسحب من اراضي سوريا ولبنان في اقرب وقت ممكن عمليا وان مفاوضات فورية ستجري لهذه الغاية بين الاطراف المعنية".ان المشروع الامريكي يبدو للوهلة الاولى انه ينسجم ومصلحة سوريا ولبنان، ولكن بعد التدقيق في محتواه نجد ان هذا المشروع لم يطلب الجلاء الفوري للقوات الاجنبية من سوريا ولبنان، ثانيا عرض المشروع الامريكي اجراء مفاوضات حول الجلاء ولكنه لم يحدد ما هية هذه المفاوضات هل هي مفاوضات فنية حول اخراج الجيوش الاجنبية من البلاد، ام هي مفاوضات للتسويف والمماطلة بغية الحصول على امتيازات اقتصادية وسياسية وعسكرية. قبل البدء بالتصويت على المشروع الامريكي طلب المندوب السوفيتي ادخال بعض التعديلات عليه بحيث تعدل عبارة " في اقرب وقت ممكن" بكلمة " فورا " ،كما طلب اضافة كلمة " فنية " بدلا من " فورية " بعد كلمة المفاوضات، وقد استهدف الاتحاد السوفيتي بهذين التعديلين حصر المفاوضات المقترحة بشان الجلاء بالمسائل الفنية المتعلقة بتنفيذه فقط. رفض اعضاء مجلس الامن هذه التعديلات وصوتوا لصالح المشروع الامريكي، فما كان من مندوب الاتحاد السوفيتي الا ان استخدم حق النقض ( الفيتوVito)، فسقط بذلك المشروع الامريكي. وعلى الرغم من ان المشروع لم يقر، فان ممثلي بريطانيا وفرنسا اعلنا انهما سيعملان على سريان مفعول قرار الاغلبية في المجلس، فاظطرت بريطانيا وفرنسا الى بدء المفاوضات مع سوريا ولبنان ابتداءاً من شهر اذار/مارس العام 1946 م وحتى الثلاثين من نيسان/ابريل العام 1946 م، وفعلا انجزت القوات الفرنسية والبريطانية جلاءها عن الاراضي السورية في السابع عشر من نيسان/ابريل 1946وتعد ممارسة حق النقض ( فيتو ) التي طلبها الاتحاد السوفيتي هي اول نقض سوفيتي في تاريخ الامم المتحدة، وقد وصفت جريدة التايمس- اللندية في اليوم التالي لاجتماع مجلس الامن النجاح الذي احرزه المندوب السوفيتي ( فيشنسكي) بقولها " انه كان نجاحا للاساليب والطرائق الاصولية". كان لموقف الاتحاد السوفيتي انذاك دور كبير في احراز هذا الاستقلال، حيث اكد الاتحاد السوفيتي تمسكه بالمبادئ اللينينية، ودافع عن حق الشعوب في حريتها واستقلالها، ولقد اصر المندوب السوفيتي حينها بشدة على جلاء القوات الاجنبية الكامل واللا مشروط من اراضي سوريا. اذا علمنا ان اجهزة الاعلام السوفيتية واصلت حملتها في عام 1946م منتقدة السيطرة الاستعمارية البريطانية على اقطار المشرق العربي ، واكدت ان هذه البلدان من حقها تقرير مصيرها وحصولها على الاستقلال الكامل ، واتهمت الحكومة الامريكية بانها مثل بريطانيا تسعى باساليبها الخاصة للتحكم في مصائر الاقطار العربية، واكدت (صحيفة ازافستياEsvestia ) " ان العالم باسره يترقب اليوم الذي تعالج فيه الامم المتحدة بجدية مشاكل المشرق العربي وجلاء القوات البريطانية والفرنسية منه.وبالرغم من الاستقلال الذي حصلت عليه سوريا وبعض بلدان المشرق العربي الا انه لم يكن من وجهة النظر السوفيتية سوى استقلالا شكلياَ بحجة ان القادة السياسيين لهذه البلدان كانوا مجرد ادوات استعمارية، ولم يكن الاستقلال ليستكمل مقوماته ومضمونه الحقيقي الا بالقضاء على هؤلاء القادة عن طريق الحركات الوطنية، ليتولى الشيوعيين زعامتها، فوصفت الحكومة السوفيتية هذه الحكومات بانها عميلة للاستعمار وقد جاء هذا الوصف على اثر السياسة القمعية التي تبنتها تلك الدول ضد الاحزاب الشيوعية في هذه البلدان مثل ما حدث في سوريا وموقفها من الشيوعية في هذه الفترة، هذا بالتاكيد ما وظفته الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا لابعاد المنطقة عن التاثير السوفيتي، فاتبعت سياسة التحذير من الخطر الشيوعي وصورت لدول المنطقة ان دخول السوفيت معناه دخول الافكار والحركات الهدامة الى بلادهم. لذلك نلاحظ بعد مساندة الا تحاد السوفيتي لسوريا في قضية انسحاب الجيشين الفرنسي والبريطاني من اراضيها نشأت علاقات دبلوماسية بين البلدين، لكن تطور هذه العلاقات كان بطيئا ، بسبب حذر الحكومة السورية من الشيوعية، ورغم هذا الحذر والتخوف الا ان وزير الاعلام السوفيتي (غدانوفGadanof) صنف سوريا من الدول المتعاطفة مع الاتحاد السوفيتي، وقد جاء ذلك في التقرير الذي رفعه الى المجلس التأسيسي للاممية العالمية( الكومنترن Cominnter وهي منظمة الشغلية العالمية تمثل اتحاد الاحزاب الشيوعية في مختلف بلدان العالم ، دامت من عام 1919-1943 م، وقد لعب لينين دورا بارزا في انشائها ، وقد وضعت امام الاحزاب الشيوعية مهمة اكتساب اغلبية الطبقة العاملة الى جانب الشيوعية والنضال من اجل دكتاتورية البوليتارية) ، ولابد من الاشارة هنا الى المتغيرات التي حدثت في الوضع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية التي نتج عنها غياب قوى وضعف اخرى، وبروز الولايات المتحدة قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، وتزامن ايضا مع بروز محور جديد يقوده الاتحاد السوفيتي،وظهور ما يسمى بـ(الحرب الباردة) ، وهذا ما دفع كلا من الولايات المتحدة الامريكية، والاتحاد السوفيتي الى مزيد من الاهتمام بمنطقة الشرق الاوسط وخاصة دول المشرق العربي والمشاركة الفعلية في رسم مستقبلها، فالاهمية السوقية للشرق الاوسط ازدادت بالنسبة للولايات المتحدة لتستخدمها في مواجهة الاتحاد السوفيتي بوصفه قوة ومحورا عالميا جديدا، وعلى الرغم من تطور صيغ النزاع والصراع مع السوفيت الى التهديد باستخدام الضربة الصاروخية الذرية، فقد ظل الشرق الاوسط نقطة استناد لنظام الاحلاف، الذي تسعى الولايات المتحدة الامريكية من خلال تطويق الاتحاد السوفيتي. وتعود سياسة تطويق الاتحادالسوفيتي الى (جورج كينان George Kennan الخبير الامريكي بالشؤون السوفيتية)، وتقوم فكرته على بناء خط عسكري دفاعي " الحزام الشمالي" من منطقة الشرق الاوسط باسرها، واهمية سوريا في ذلك الوقت كونها تقع في بقعة مهمة تسمى في نظر الامريكيين "باراضي حافات اسيا" الممتدة من تركيا من جهة الجنوب الشرقي ومع امتداد الحرب الباردة الى ساحة كبيرة من اسيا والشرق. كان من بين الاهداف السياسية الامريكية على الصعيد الخارجي، حماية مصالحها بالحيلولة دون خضوع المناطق التي لها فيها مصالح لاية انظمة معادية وخاصة الشيوعية، وظل هاجس الولايات المتحدة هو منع تسرب النفوذ الشيوعي الى الشرق الاوسط، ومنع تقدمه في هذه المنطقة التي لديها من الامكانات البشرية والاقتصادية مجتمعة ما يجعلها اهم قوة يُعول عليها في الدفاع عن المنطقة. وكان الحزب الشيوعي السوري قد استفاد من التحالف السوفيتي مع الحلفاء الغربيين اثناء الحرب وتمكن من توسيع نشاطه داخل سوريا دون ان يتعرض لمضايقة السلطات الفرنسية، وبعد الحرب العالمية الثانية وبعد دعم الاتحاد السوفيتي استقلال سوريا في الامم المتحدة، اخذ نشاط الحزب الشيوعي السوري في الداخل يتزايد مع اتساع مساحة الضغوط والتاثير على صعيد السياسة الخارجية الاتحاد السوفيتي مما دفع الولايات المتحدة الى مزيد من الاهتمام بسوريا، واهتمت بشكل كبير واحيانا مضخم بموضوع الخطر الشيوعي والتلويح بالخطر السوفيتي، فعلى سبيل المثال نشرت جريدة النيويورك تايمس تقريرا لوكالة الاستخبارات الامريكية " ان هناك خمسين الف عضو شيوعي في سوريا ولبنان ومصر وايران وفلسطين، منهم ثمانية عشر الف في سوريا ولبنان وحدهما" . اقيمت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وسوريا في العام 1944 م كما اسلفنا عقب اعلان استقلال سورية. واصرت موسكو بالرغم من مقاومة بريطانيا وغيرها من الدول الغربية اصرت على ادراج هذا البلد العربي في القائمة بالدول المؤسسة لهيئة الامم المتحدة. وقام الاتحاد السوفيتي بصفته عضوا دائما لمجلس الامن الدولي عام 1946 م بتأييد مطلب سورية بسحب القوات البريطانية والفرنسية من اراضيها. كان الاتحاد السوفيتي يقدم لسوريا الدعم السياسي والعسكري في مواجهتها لاسرائيل، وفي عام 1963م اقيم مركز الدعم المادي التقني للاسطول البحري السوفييتي في ميناء طرطوس السوري. وكان الاتحاد السوفييتي يورد الى سوريا اسلحة وغيرها من السلع بكميات كبيرة، مما ادى الى تراكم مديونية كبيرة ( في عام 1992 م كان دين سوريا لروسيا يتجاوز مبلغ 13 مليار دولار). وفي عام 2005 م وقعت بين البلدين اتفاقية شطب 73 % من الديون السورية آخذا بالحسبان ان المبلغ المتبقي وقدره 2.11 مليار دولار سيتم صرفه لتنفيذ العقود الروسية. وتم ابرام هذه الاتفاقية في يونيو/ حزيران عام 2008 م. وفي سبتمبر/ايلول عام 2004 م تم تشكيل مجلس الاعمال الروسي السوري برعاية مجلس الاعمال الروسي العربي. ولا تزال اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي الموقعة عام 1995م قاعدة للعلاقات الروسية السورية في مجال العلم والثقافة. ويعمل في دمشق الاساتذة الروس وتقوم البعثة الآثارية الروسية بتنقيبات في منطقة مدينة حسك. ويتم تبادل الوفود والخبراء والعلماء بين اكاديميتي العلوم للدولتين. وقد قام وزير الثقافة الروسي ألكسندر افدييف وزميله السوري رياض نعسان آغا بتوقيع برنامج التغتون في المجتال الثقافي لاعوام 2010 -2012 م ولا يزال الجانب الروسي يخصص منح دراسية حكومية للطلبة السوريين الدارسين في روسيا. ويصل الى روسيا كل سنة حوالي 200 طالب لتلقي تعليمهم في الجامعات والمعاهد الروسية على حسابهم الشخصي.
في الخامس عشر من اذار/مارس 2011م اندلعت احتجاجات وتظاهرات من جانب التنظيمات الحزبيه او جماعات الاسلام السياسي وبالخصوص جماعة الاخوان المسلمين المدعومه من الغرب وتماشياَ مع ماتثرثر به القوى الغربيه حول الربيع العربي فقد اطلقت اجهزة الاعلام العربيه المسانده للمشروع الامريكي والغربي من اجل تفكيك الشرق الاوسط والعالم العربي الى دويلات منخوره فقد اعلنت روسيا وقوفها الى جانب الحكومه السوريه بكل الامكانيات المتوفره وهذا الموقف لم يأتي من فراغ انما تاريخ طويل من التعاون بكل المجالات وخصوصاَ السياسي والعسكري والاستراتيجي هو الفاعل الحقيقي للموقف الروسي تجاه سوريا ويبدوا ان عودة روسيا الجديده الى الشرق الاوسط مؤشر جديد على تنامي القوه الروسيه وراح القادة الروس يتعاملون مع الأزمة السورية بوصفها صراعاً دولياً على سوريا متعدد الأطراف، إقليمياً ودولياً ومختلف المركبات، الداخلية والخارجية. واعتبروا أنه يتوجب عليهم توفير الحماية للنظام، بما يفضي إلى منع محاولة الدول الغربية تجريدهم من أهم القلاع المتبقية لهم في المنطقة. وعليه، لم يتوقفوا عن توفير الغطاء السياسي للنظام، وعن التعامل مع الأحداث في سوريا من زاوية الصراع الخارجي، مع أحاديث خجولة عن ضرورة الإصلاحات تصدر أحياناً عن الرئيس المنتهية فترة رئاسته، ديمتري مدفيدف، أو عن الرئيس العائد من جديد إلى الكرملن، "فلاديمير بوتين"، أو عن وزير الخارجية "سيرغي لافروف "وسواه. وبناءاَ على معلومات اجهزة الاستخبارات فهم دائمي الحديث عن "الجماعات" و"العصابات المسلحة" و"المؤامرة الخارجية" التي تتعرض لها سوريا، وعن التدخل العسكري الخارجي، بل باتوا ينظرون إلى الأزمة السورية بوصفها مسألة صراع دولي وإقليمي (وهم محقون في نظرتهم هذه)، تتطلب حضور روسيا القوي، كي تتمكن من سدّ ساحة الفراغ الحاصل في هذا البلد، بالنظر إلى ما يتمتع به من موقع جيوسياسي هام بالنسبة إلى روسيا في المنطقة، وعدم تركه للاقتتال والفوضى .
وشكل الفيتو الروسي الصيني المزدوج في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2011م، ضد مشروع القرار الغربي المتعلق بالأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي، محطة جديدة في العلاقات الروسيه السوريه من جانب والعلاقات الدوليه وترسخ تحالف مكونيها الروسي والصيني من جانب اخر، عندما تكرر استخدامه للمرة الثانية في 4 فبراير/شباط 2012 م في نفس موضوع الأزمة السورية وفي المحطة الجديدة، صار التنافس في مجلس الأمن الدولي تعبيراً عن مظهر من مظاهر تسجيل النقاط على الخصوم، وإفشال مشاريعهم، حيث تمكنت روسيا من الوقوف بوجه المحاولات الغربيه تجاه الأزمة في سوريا وما كل هذا الا مثال واضح حول متانة وقوة اواصر العلاقه بين سوريا وروسيا ومدى تضخم حجم مساحة افاقها وتطلعاتها المستقبلية، لقد بحثنا في تاريخ العلاقات بين روسيا وسوريا وحللنا الحاضر والمستقبل وقد وجدنا ان روسيا تقف الى جانب حلفائها في محنتهم في الوقت الذي لاحظنا الولايات المتحده الامريكيه كيف تستعجل حاكمي تونس ومصر وكيف انها تخلت عنهما وطلبت منهم التخلي عن السلطه.
التعليقات (0)