مواضيع اليوم

تأملات مشروعة فى قصة قرآنية (2)

ali youcef

2009-09-03 22:19:48

0

بعيداً عن هؤلاء الذين يقدسون البشر ويرفعون من شأنهم لدرجة العبادة وأنهم لا يأتيهم الباطل ، فهذا مقال موضوعى من خلال القرآن الكريم يؤكد وجود فئات كبيرة من المنافقين الذين حاربوا الله ورسوله سراً بينما كانوا يجهرون بإيمانهم وتقواهم ،ويشاركون النبى فى صلاته وجلساته ومعاركه لصد المعتدين ، ولولا أن الله تعالى قد أنبأ نبيه بذلك لما عرفهم ولما عرف دنائتهم ورغبتهم الشديدة فى تدمير دعوة الحق والحب والسلام التى بعث من أجلها والتى طبقها بشكل عملى فى دولته الناشئة الصغيرة ، دولة المدينة المنورة فى عهد النبى الخاتم عليه السلام .

هذه جولة تأملية فى بعض آيات من سورة الأحزاب نقف فيها على حقائق مهمة جداً من خلال القرآن الكريم وهى أن هناك رجال كانوا حول الرسول الخاتم فصدقوا ما عاهدوا الله عليه بينما كان هناك آخرون منافقون مندسون ليس لهم هم سوى القضاء على الدعوة الإسلامية التى قوضت أحلامهم وخيبت آمالهم فى السيطرة الدائمة على السلطة والثروة .
.

بخصوص صحابة النبى عليه السلام فقد قال الله تعالى عن الصالحين منهم :

(( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه .. الآية )) الفتح 29

ثم قال الله تعالى عن الذين بايعوا النبى على الإيمان :

(( لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا )) الفتح 18

ولكن رضا الله هنا ليس وثيقة أبدية بمعنى أن لو أحد المبايعين للرسول أخل بشرط من شروط البيعة فلا رضى له من الله وفى هذا يقول الله تعالى :

)) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )) الفتح 10

أى أن مسألة أن الله تعالى رضى عن المؤمنين الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة ليست مسألة منتهية عند حد المبايعة ولكنها تمتد لتشمل الإلتزام بهذه البيعة وهو دوام الإيمان بالله تعالى وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والإخلاص لله تعالى ورسوله سراً وعلانية ، وعدم مناصرة الذين يحاربون الله ودينه ورسوله .. ألخ فإذا تحققت تلك الشروط فيمن بايع فقد فاز برضى الله تعالى ،أما لو أخل بهذه الشروط أو بواحد منها فقد فسدت بيعته .

واقرأ معى قول الله تعالى عن صنف آخر من الصحابة كانوا يجلسون مع النبى الكريم ( ص) ولكنهم خانوه ونافقوا وظاهروا عليه أعداءه فهل هؤلاء صحابة مخلصون ؟ وهل يستحقون أن نحترمهم كما نحترم الصالحين الطيبين الذين بذلوا النفس والمال فى سبيل نصرة الله ودينه ورسوله ؟ إقرأ معى ماذا قال الله تعالى عن هؤلاء :

))ومِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )) التوبة 101 .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل بهم الأمر للهروب من مواجهة المعتدين الذين يكيدون لله ودينه ورسوله يقول تعالى عنهم فى سورة الأحزاب حيث يحكى القرآن العظيم عن واقعة الأحزاب ويصور العدد الهائل والعدة والعتاد لجيوش الكافرين فيقول تعالى :

)) إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10(

ثم يصور الله تعالى التغيرات النفسية التى اصابت المحاربين فى هذه الأثناء فيقول جل من قائل :

)) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً {11}
وفى هذه اللحظات بالذات يظهر المعدن الحقيقى للإنسان ويظهر الذين عاهدوا الله ورسوله بصدق أم بنفاق ويتضح الفرق بين المؤمن الحقيقى والمنافق يقول تعالى :

)) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً {12} وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً {13}

ثم يذكر الله تعالى عهدهم السابق وإلتزامهم بالكفاح والجهاد ضد المعتدين والوقوف بكل قوتهم مع رسول الله نصرة لدين الحق ولكنهم – أى المنافقون والذين فى قلوبهم مرض – نكثوا عهدهم مع الله ورسوله يقول تعالى :

)) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً {15}‏ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً {16} قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {17}

لم يقف حد البعض منهم عند النفاق الداخلى ولكنه خرج من القلب إلى اللسان فراحوا يحاولون إقناع الآخرين بعدم نصرة الله ودينه ورسوله يقول تعالى :

)) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً {18} أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً {19} يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً {20}

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة لكل صالح ومؤمن تقى إلى قيام الساعة يقول تعالى :

)) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}

وهؤلاء هم المؤمنون الحقيقيون الذين نصروا الله ودينه ورسوله يقول عنهم الله تعالى :
(( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً {22}‏

ولذلك يستخدم الله تعالى حرف (( من )) لكى نعرف أنه ليس كل مؤمن صادق فى إيمانه ولكن بعض المؤمنين صادقون فى إيمانهم والبعض الآخر غير صادق فكيف نسوى بينهم فى الحكم والحب والإقتداء والتأسى ؟؟ يقول قيوم السماء والارض
:
)) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً {23}

ولذلك يقول تعالى أن الصادقين من المؤمنين لهم أجر عظيم عند مولاهم تعالى وأما الكاذبون فهم منافقون ولا وزن لهم عند الله تعالى يقول سبحانه :

)) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً {24}

ومع ذلك وبعد هذا الإختبار الرهيب لإيمان الناس فى عهد النبى (ص) فقد أذل الله المعتدين وأخزاهم وردهم وانتصر منهم يقول تعالى :

))وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً {25}

ثم أذل الخونة من أهل الكتاب الذين نصروا المعتدين وأيدوهم ضد الله ورسوله رغم كل الخير والعدل والسلام الذى عاشوا فيه فى كنف النبى محمد ( ص) العادل الصادق الأمين وصحبه الكرام فى المدينة قبل تلك المعركة ، ولكنهم بسبب خيانتهم نالوا جزاءهم العادل يقول تعالى :

)) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً )) الأحزاب 11 : 27

وكلنا نعرف قصة بعض الصحابة الذين تمنوا أن يغنيهم الله فضله وعاهدوا الله تعالى لئن أعطاهم الله من فضله فسوف يتصدقون على الفقراء والمساكين والمحتاجين وينفقون فى سبيل الله تعالى بغير حساب فلما أعطاهم الله المال والجاه بخلوا به ونقضوا عهدهم مع الله تعالى فاستحقوا غضب الله عليهم فى الدنيا والآخرة يقول تعالى عن ذلك :

))وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ {77})) التوبة 75 :77

مما سبق نجد نوعين من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام ، نوع صادق فى إيمانه ونوع منافق.

وعلى أى حال فصحابة الرسول بشر ويجرى عليهم ما يجرى للجميع وهم ليسوا فوق النقد بشرط عدم التجريح أو التعرض بالإهانة ، ولكن يكون النقد بناءاً وله هدف نبيل وهو الوصول إلى الحق ومعرفة الحقيقة .

ولكن يبقى سؤال مهم جداً :
هل الذين دونوا تاريخ صحابة النبى صادقون فيما كتبوا ؟ يعنى هل كل خبر وصلنا من التاريخ هو خبر حق وصدق لا يأتيه الباطل ؟ أم أن هناك أخبار مدسوسة ضد صحابى معين بسبب أن طائفة معينة تكرهه فأضافت لتاريخه ما ليس فيه ؟ وهنا يحدث لبس ولغط عظيم إذا أصدرنا أحكاماً أو سطرنا اراءاً حول أناس توفاهم الله تعالى منذ اربعة عشر قرناً من الزمان حيث أن الرأى السديد والحكم الأكيد يكون مبنياً على رؤية العين وشهادة الشهود فلماذا نضع أنفسنا فى مأزق خطير مع الله تعالى مالك الملك ؟؟

عندما تقاتل المسلمون فى معركة الجمل و صفين أو غيرها ، هل وصلت أخبار هذه المعارك عن طريق القرآن أم عن طريق التاريخ ؟؟

لو كانت جاءت فى القرآن – وهو مستبعد حيث أنها حدثت بعد انقطاع الوحى – لكنا سلمنا بكل كلمة جاءت عنها ، ولكنها جاءت ايضاً برواية الرواة وأخبار التاريخ والمؤرخين ، والمؤرخون بشر يصيبون ويخطئون ، فكيف نأخذ بكلامهم كأنه مسلمات ؟؟ لابد أن الفتن والأهواء الشحصية قد لعبت دوراً كبيراً فى التأريخ كما لعبته فى تزييف أحاديث كثيرة نسبت ظلماً للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .

ومن هنا اقول أن الصحابة بشر مثل أى بشر وليسوا معصومين من الخطأ وليسوا فوق النقد بشرط تحرى الدقة فى المسائل التاريخية والبعد التام عن أسلوب التجريح والإهانة أو التحقير أو التقليل من شأنهم ، وهذه أخلاق نحن مطالبون بها ليس تجاه الصحابة وحسب ، ولكن تجاه بعضنا البعض ، بل وتجاه الذين يخالفوننا الدين والفكر والعقيدة ، فالملك لله تعالى الواحد القهار ، ونحن مجرد بشر لا نملك لأنفسنا ولا لغيرنا نفعاً ولا ضرراً ولا موتاً ولاحياة ولا نشورا ً .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !