مواضيع اليوم

تأملات في الدين والسياسة (1) عن علاقة الدين بالسياسة

أحمد بوعشرين

2009-09-09 00:40:50

0

أعيد نشر حلقات سلسلة تأملات في الدين والسياسة التي نشرتها سابقا ببعض الإضافات والتنقيحات في مدونتي نسيم الحوارعلى أن أكمل ما تبقى من مواضيعها بعد نشر كل الحلقات السابقة كي يسهل التذكير والتواصل:

لأن تحرير النقاش في مثل هكذا موضوعات بات أولويا وذلك للاعتبارات التالية:

1-لإزالة بعض الالتباسات فيما يخص ما يصطلح عليه في الأدبيات السياسية الإسلامية بالمشروع السياسي الإسلامي هذه الالتباسات التي هي نتيجة تراكم عصور الانحطاط والاستبداد، والتي أدت إلى أن همشت مرجعيةالإسلام من ساحة التأطير المجتمعي،

2-لتقديم معالم إجابات فيما يخص بعض نوازل العصر خصوصا في المجال السياسي والمجتمعي،انطلاقا من ثوابت المرجعية الإسلامية ومحكماتها،

3- لفتح نقاش فكري هادئ مع المخالف في الرأي والمرجعية السياسية بغية بسط أفكار ووجهات نظر الاجتهاد الإسلامي فيما يخص قضايا هذه النوازل، ولإيجاد تقاربات فكرية تغني الأمة عن السجالات الفكرية العقيمة.

4-ثم أخيرا لتحرير فكرنا السياسي الإسلامي من قيوده السلطانية ومن فقه الغلبة الذي غلب على مجمل أطروحاته الفكرية المعاصرة منها والقديمة، وإعادة ربطه بأصوله المرجعية الصافية

بهذا المنظور أردت أن أن أقتحم هذا المجال من المواضيع لحساسيته، وعلى قاعدة هذه الهواجس والاعتبارات أتوجه إلى القراء ولهم واسع النظر في التلاقح الفكري والنقاش البناء.

الحلقة الأولى علاقة الدين بالسياسة
ثمة التباس حاصل في فهم هذه العلاقة ،إذ يتصورها البعض علاقة تخاصم وتضاد، ولأن هذا الالتباس مرده إلى تلك العملية التماثلية بين تجربتين حضاريتين تاريخيتين متبايتين في أسسهما الفلسفية وفي سياقيهما التاريخيين،(التجربة الحضارية التاريخية الغربية ، والتجربة الحضارية التاريخية العربية والإسلامية)،فإن ذلك ينتج عنه عملية إسقاط قسري لحقل مفاهيمي بالكامل(مفاهيم الغرب) على حقل آخر مغاير له من حيث تربته وفضاءه القيمي والحضاري(المفاهيم الإسلامية الأصيلة)، وكان نتاجه تولد هذه “الثنائيات المتخاصمة”من مثيل “الدين والسياسة”، الشيء الذي كان له كبير الأثر لدى بعض من نخبنا في فهمه للتجربة العربية والإسلامية التاريخية،وبالتالي لعدم حصول اقتناع لديه بإمكانية تحقيق إقلاع ونهوض حضاريين،من منطلق ذاتي ومن عمق مرجعية أمتنا الحضارية الإسلامية.
ولسنا هنا بصدد هذا النقاش بذاته وتفاصيله،ولكن حبذنا الإشارة إليه، لتبيان أن منظومتنا المفاهيمية الحضارية، تستوعب هذه الثنائيات التي خاصمها البعض- نتيجة هذه العملية التماثلية التي في غير محلها-في إطار منظور مغاير للسياق التاريخي الغربي التي تولدت فيه، ومبني على أساس مرجعية أمتنا الحضارية المتمثلة في الإسلام.فأين يتجلى موقع السياسة في ديننا؟وما هي هذه السياسة التي نؤصل لها من منظور مرجعية الإسلام “الدين“؟
أ- مفهوم السياسة الشرعية
السياسة لغة: من ساس يسوس سياسة ونقول ساس القوم أي دبرهم وتولى أمرهم1.ومنها نستقي مفهومها العام باعتبارها تدبير شؤون الناس.
وأما من حيث الاصطلاح الشرعي: يعرفها ابن عقيل قائلا :”السياسة كل فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وان لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي”2
وعليه يمكن اعتبار السياسة تدبيرا لشؤون الرعية(بمفهومها الإسلامي) على هدى من الشرع الإسلامي ووفق ضوابطه جلبا لصلاح أحوالهم في الدنيا وفي الآخرة،ذلك لأن”الدنيا والأمن والأنفس والأموال لا تنتظم إلا بسلطان مطاع” -كما يقول الإمام أبي حامد الغزالي وإلا “شمل القحط وهلكت المواشي وبطلت الصناعات وكان كل غلب سلب ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حيا”3.
والسياسة في الإسلام شرعية، بمعنى منضبطة تمام الانضباط للدين التي هي جزء منه،وبالتالي تدور مقتضياتها حيث ما دار الحق، وليس حيث ما دارت موازين القوى المادية، فالحق يظل حقا والباطل يظل باطلا مهما تغيرت الأحوال والموازين، فمعيارها هو الحق وليس القوة.
ب- وجوب السياسة في الإسلام
إن وجوب السياسة هو من مقتضيات كونها جزء من الدين ،ولأن السياسة هي تدبير لشؤون الرعية وفق ما يرتضيه الشرع ، فوجوبها هو من وجوب الدولة/الخلافة أو الإمامة في الإسلام التي تتم بها “حراسة الدين وسياسة الدنيا به”على حد تعبير ابن خلدون ، وهذا الوجوب مؤسس على الشواهد التالية:
1. لورود أحكام عديدة مستنبطة من أدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة بما يدل على وجوبها تبعا : فأداء الأمانات،وإقامة العدل، وفرض الزكاة والجزية، ومنع الظلم،والدعوة إلى الجهاد، وإقامة الدين، ونشره ونصرته،وحماية بيضة الإسلام، وحماية الأموال والأعراض والأنفس من بطش الظلمة، ووجوب القتال وراء الإمام العادل…، كلها أحكام واجبة جاءت بها نصوص القرآن والسنة،ولا تتم إلا بوجود كيان فعلي(الدولة) يقوم بها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما تقول القاعدة الفقهية.
2. لا نجد عند جمهور الفقهاء من لا يقول بعدم وجوب إقامتها وهي وإن كانت مصنفة من حيث طريقة التولية، بمعنى شكلها ضمن المصالح العامة فإن إقامتها ارتقت إلى مستوى الوجوب، ذلك أن بها يتحقق “ إنفاذ الشرع ” و”حماية بيضة الإسلام” على حد التعبير الفقهي بل إنها اعتبرت عند ابن تيميه “من أعظم واجبات الدين، بل لا قيامللدين إلا بها”1
لذلك نجد ابن حزم يقر بإجماع جمهور الفقهاء وحتى المتكلمين حول وجوبها، حيث يقول:”وقد اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة،وأن الأمة فرض واجب عليهاالانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا النجدات من الخوارج…“2،
” واتفق أئمة الدين على أن نصب الإمام واجب على المسلمين وإن كان من فروض الكفاية، كما أن القيام بذلك من الواجبات كما دلت عليه نصوص الأحاديث والآيات…”3
3. إسراع الصحابة الكبار إلى سد الثغرة التي تركتها وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم،في سقيفة بني ساعدة، باختيار من يخلفه بعد وفاته لقيادة الأمة الإسلامية،وحراسة الدين،مما يدل على بداهة فهمهم لضرورتها ووجوبها، وأنها جزء من حفظ الدين.4 “وأجمع الصحابة على تقديم الصديق بعداختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين، حتى قالتالأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك، وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش، ورووا لهم الخبر في ذلك، فرجعوا وأطاعوالقريش. فلو كان فرض الإمام غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرةوالمحاورة عليها، ولقال قائل: إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم، فمالتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب. ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرتهالوفاة عهد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك،فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام”5
وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة بحول الله

 

 


--------------------------------------------------------------------------------

1انظر منجد الطلاب دار المشرق بيروت ص345
2علم أصول الفقه عبد الوهاب خلاف ص-86.
3 الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي، ص 148، الطبعة الأولى 1988.
1 السياسة الشرعية لابن تيمية، الطبعة الثانية، 1991 ص 198.
2 ابن حزم/الفصل في الملل والأهواء والنحل-ج4-ص149 طبعة دار الجبل.
3 مقتطف من نص بيعة أهل فاس للمولى عبد الله بن إسماعيل وكانت من إنشاء الفقيه العالم الوجيه أبي العلاء إدريس بن المهدي المشاط المنافي كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أبو العباس أحمد الناصري دار الكتاب الدارالبيضاء طبعة 1418 ه/1997 م المجلد الثالث ص 126-127-128
4 انظر كتاب المناقب رقم 3394 صحيح البخاري .
5 انظر الجامع لأحكام القرآن تفسيرالقرطبي في معرض تفسيره للآية:” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلفي الأرض خليفة…” الآية 29 من سورة البقرة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !