مواضيع اليوم

تأملات في الإسراء والمعراج

أيمن عرفان

2012-06-16 09:47:11

0


من أعظم الأحداث التي اشتملت عليها حياة النبي صلى الله عليه وسلم حادثة الإسراء والمعراج، لَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ العَظِيمَةُ تَسْرِيَةً عن النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَاجِعَتَيْنِ أَصَابَتَاهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ: وَفَاةِ عَمِّهِ الَّذِي كَانَ يَحْمِيهُ، وَوَفَاةِ زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ تُوَاسِيهِ. لَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ بَعْدَ ازْدِيَادِ الِاضْطِهَادِ، وَاشْتِدَادِ الإِيذَاءِ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ طَرَدَهُ أَهْلُ الطَّائِفِ، وَرَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ، فَخَرَجَ هَارِبًا فَارًّا إِلَى مَكَّةَ دَاعِيًا رَبَّهُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ". فَجَاءَتْ هَذِهِ الحَادِثَةُ إِكْرَامًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ؛ لِتَكُونَ زَادًا لَهُ فِي عَزِيمَتِهِ، وَتَجْدِيدًا لِثَبَاتِهِ ، فإِنْ كَانَ أَهْلُ الأَرْضِ لَمْ يَعْرِفُوا قَدْرَكَ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ قَدْ عَرَفُوكَ، فَأَنْتَ إِمَامُ المُرْسَلِينَ، وَأَنْتَ حَبِيبُ رَبِّ العَالَمِينَ.
رَوَى البُخَاريُّ فِي صَحِيحِه عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ الحطيم مكان حول الكعبة، قيل هو حجر إسماعيل وقيل المسافة بين الركن الأسود والمقام وقيل غير ذلك وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا، وفي بعض الروايات أنه كان بين النائم واليقظان، وَفِي رِوَايَة " فُرِّجَ سَقْف بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّة " وَفِي رِوَايَة أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ شِعْب أَبِي طَالِب ، وَفِي حَدِيث أُمّ هَانِئ أَنَّهُ بَاتَ فِي بَيْتهَا قَالَ " فَفَقَدْته مِنْ اللَّيْل فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي " وَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّهُ نَامَ فِي بَيْت أُمّ هَانِئ، وَبَيْتهَا عِنْد شِعْب أَبِي طَالِب، فَفُرِّجَ سَقْف بَيْته - وَأَضَافَ الْبَيْت إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَسْكُنهُ - فَنَزَلَ مِنْهُ الْمَلَك فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْبَيْت إِلَى الْمَسْجِد فَكَانَ بِهِ مُضْطَجِعًا وَبِهِ أَثَر النُّعَاس؛ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَلَك إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَأَرْكَبهُ الْبُرَاق إِذْ أَتَانِي آتٍ هُوَ جِبْرِيل فَقَدَّ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ قَوْله: (مِنْ ثُغْرَة) وَهِيَ الْمَوْضِع الْمُنْخَفِض الَّذِي بَيْن التَّرْقُوَتَيْنِ، وقَوْله: (إِلَى شِعْرَته) أَيْ شَعْر الْعَانَة، وَفِي رِوَايَة مُسْلِم "إِلَى أَسْفَل بَطْنه"، وقَوْله: (مِنْ قَصِّهِ) أَيْ رَأْس صَدْره، وَقَدْ حدث شق الصدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مرات، وَلِكُلٍّ مِنْهَا حِكْمَة ، فَالْأَوَّل حينما كان صغيرا في بني سعد فَأَخْرَجَ عَلْقَة فَقَالَ : هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك " وَكَانَ هَذَا فِي زَمَن الطُّفُولِيَّة فَنَشَأَ عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال مِنْ الْعِصْمَة مِنْ الشَّيْطَان ، ثُمَّ وَقَعَ شَقّ الصَّدْر عِنْد الْبَعْث زِيَادَة فِي إِكْرَامه لِيَتَلَقَّى مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَلْبٍ قَوِيّ فِي أَكْمَل الْأَحْوَال مِنْ التَّطْهِير، ثُمَّ وَقَعَ شَقّ الصَّدْر عِنْد إِرَادَة الْعُرُوج إِلَى السَّمَاء لِيَتَأَهَّب لِلْمُنَاجَاةِ، فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، الطست معروف وهو إناء، وفي بعض الروايات مملوءة حكمة وإيمانا، وهنا يظهر تساؤل: الحكمة والإيمان أشياء معنوية، فكيف يمكن أن يملأ منها الطست ويغسل بها القلب؟ والجواب هنا: إما أن تكون الحكمة والإيمان قد تم تجسيدهما بالفعل وما ذلك على الله بعزيز، كما يجسد الموت يوم القيامة في صورة كبش يذبح بين الجنة والنار، وإما أن يكون المقصود وجود مادة ما يَحْصُل بِها زِيَادَة فِي كَمَالِ الْإِيمَان وَكَمَال الْحِكْمَة، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ قِيلَ الْحِكْمَة فِي الْإِسْرَاء بِهِ رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَى طَيّ الْأَرْض لَهُ إِشَارَة إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ تَأْنِيسًا لَهُ بِالْعَادَةِ فِي مَقَام خَرْق الْعَادَة ، لِأَنَّ الْعَادَة جَرَتْ بِأَنَّ الْمَلِك إِذَا اِسْتَدْعَى مَنْ يَخْتَصّ بِهِ يَبْعَث إِلَيْهِ بِمَا يَرْكَبهُ، دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ. أَيْ يَضَع رِجْله عِنْد مُنْتَهَى مَا يَرَى بَصَره فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، هذا الحديث لم يذكر لنا قصة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بل ذكر المعراج مباشرة، مما جعل بعض العلماء يقول أن الإسراء حدث في ليلة والمعراج حدث في ليلة أخرى، بل وقال بعضهم أن المعراج تكرر أكثر من مرة مع رسول الله، ولكن الأرجح أن كل ذلك كان في ليلة واحدة، وفي رواية لمسلم :" فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ"، وفي روايات في غير الصحيحين أنه صلى إماماً بالأنبياء في المسجد الأقصى مما يبين لنا مكانة المسجد الأقصى في الإسلام وفضيلة الصلاة في المسجد الأقصى، ثم يأتي تساؤل: هل استمر النبي على البراق في رحلة المعراج، بعض العلماء قال أن ظاهر الحديث يوحي بذلك، ولكن في روايات أخرى أن جبريل أخذ بيد النبي فعرج به إلى السماء الدنيا ولم يذكر البراق، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، من هذه الكلمات تتضح لنا عدة أمور: (1) أن السماء مبنية، وأن لها باب يفتح ويغلق، وحتى يكون هناك باب لابد وأن يكون هذا الباب على حائط، معنى ذلك أننا في العصر الحديث وعلى الرغم من كل هذا التقدم العلمي الذي وصل إليه البشر فهم عاجزون عن أن يصلوا إلى السماء الدنيا التي هي السماء المبنية. (2) ثم تأمل وخازن السماء يقول : من هذا؟ معنى ذلك أنه لا يعلم من وراء الباب، فجبريل معروف على مستوى جميع الملائكة فلو كان الملك يرى من خلال الباب لعرف جبريل، معنى ذلك أن هذه السماء الدنيا بما فيها من أبواب مبنية ببناء ساتر يحجب من خارجها عن من داخلها. (3) تأمل وجبريل يستأذن في الدخول، جبريل على علو قدره وارتفاع منزلته، مطاع ثم أمين، جبريل في الملائكة يأمر فيطاع، ومع ذلك يستأذن قبل الدخول إذ أنها قوانين وضعها الله عز وجل فلا كبير إلا الله، ثم تأمل في إجابة جبريل حينما قيل له من هذا؟ قال: جبريل، وذكر اسمه ولم يقل أنا، وكأن هذا أدب الاستئذان، أنه عند الاستئذان تذكر اسمك ولا تقل أنا، وإنما تقول أنا فلان. (4) ثم تأمل والباب مغلق، والملك يقول لجبريل: ومن معك؟ كيف عرف الملك أن جبريل معه أحد؟ وكأن الملائكة اعتادت أن تأتيها الأنوار من جهة السماء فلما جاءتهم أنوار النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الأرض تساءلوا من صاحب هذه الأنوار؟. (5) ثم تأمل حينما قيل لخازن السماء أنه محمد صلى الله عليه وسلم، لم يقل محمد من؟ بل قال: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ إذا ملائكة السماء كانت تعرف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وفي رواية أن آدم عليه السلام كان عن يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، والسواد هو إذا نظرت إلى شخص من بعد فلا تستطيع أن تميز هل هو رجل أو امرأة صغير أو كبير، وكان آدم عليه السلام إذا نظر إلى يمينه ضحك وإذا نظر عن يساره بكى، هذه الأسودة هي نسم بنيه أي أرواح أبنائه، عن اليمين أهل الجنة ينظر إليهم ويضحك لأنهم نجوا وفازوا بالرضوان، وعن يساره أهل النار ينظر إليهم ويبكي لأنهم معذبون في جهنم والعياذ بالله، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ، إذا ما حدث عند السماء الأولى سيتكرر عند كل سماء من السماوات السبع وكأن السماوات السبع لها نفس مواصفات السماء الأولى، فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، ما إن مر النبي صلى الله عليه وسلم على موسى حتى بكى موسى؟ ترى ما سبب بكائه؟ قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. إياك أن تعتقد أن موسى عليه السلام ينتقص من قدر رسول الله حين قال غلام. موسى عليه السلام يشير إلى الفترة الزمنية القصيرة التي استغرقها النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة وهي فترة ثلاثة وعشرين سنة في حين أنه يتبعه ويدخل في دينه العدد العظيم من الناس في حين أن غيره من الأنبياء قضى مئات السنين يدعو الناس وما آمن معه إلا قليل، ثم إياك أن تعتقد أن موسى عليه السلام كان يحسد النبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضل، وإنما بكى موسى لفوات الأجر، وهذا أمر يطلبه كل الناس حتى الأنبياء، فلكل نبي أجر مثل أجر من لتبعوه، أليس الدال على الخير كفاعله، أنا حينما أعلمك كيف تصلى، في كل مرة أنت تصلي فيها أنا أحصل ثواب كثوابك، فكلما زاد عدد أتباع النبي كلما زاد أجر النبي، وهذا أمر كان موسى يتمناه فبكى لعدم تحصيله، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، وفي رواية لمسلم أن إبراهيم عليه السلام كان مسنداً ظهره إلى البيت المعمور وأن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا، وعليه فلك أن تتخيل الكم العظيم لملائكة السماء. قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، السدرة هي شجرة السدر والسدر هو النبق، وسميت سدرة المنتهى قيل لأنه ينتهي إليها علم الخلائق فلا أحد -حتى جبريل- يعلم ماذا بعد سدرة المنتهى ولم يصل بعدها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى فيقول: فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، قلال جمع قلة وهي نوع من الجرار تسع لكمية كبيرة من الماء، وهجر اسم البلدة التي تنسب إليها هذه القلال، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وفي بعض الروايات يخرج من أصلها أي من أصل سدرة المنتهى، فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، مما يدل على أن هذين النهرين من الأنهار المباركة، فهنيئا لمصر ولكل بلد يمر بهما هذا النهران، ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، وكما ذكرنا فهناك روايات أن إبراهيم عليه السلام كان مسندا بظهره على البيت المعمور فأكثر الروايات أن البيت المعمور في السماء السابعة، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، هي الفطرة أي هي دين الإسلام الذي فطر الله عز وجل الناس عليها، واللبن قد يشير للفطرة لعدة أسباب، منها لِأَنَّهُ أَوَّل شَيْء يَدْخُل بَطْن الْمَوْلُود وَيَشُقّ أَمْعَاءَهُ، ولأن المولود لا يستغني عنه ويستغني به عن غيره، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْشَأ عَنْ جِنْسه مَفْسَدَة، وفي بعض الروايات أن إناء كان به ماء وليس عسلا، وأن جبريل قال له لو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، وفي بعض الروايات أن هذا العرض كان في بيت المقدس بعض أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من المسجد.
ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، طبعاً موسى عليه السلام كانت له تجربة مع بني إسرائيل حيث عانى منهم أشد المعاناة في إلزامهم بأوامر الله عز وجل، فاستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى نصيحة موسى عليه السلام ورجع إلى الله عز وجل ليسأله التخفيف، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ قَالَ فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي). وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع إلى ربه آخر مرة قال الله عز وجل: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي. أي هي خمس في الأداء وخمسون في الأجر، وأن هذا في علم الله من الأزل ولن يبدل، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أنه لن يحدث تخفيف أكثر من ذلك وأن ذلك قضاء الله، فاستحيا رسول الله أن يناقش الله عز وجل في قضائه.
لا شك أن رحلة الإسراء والمعراج كان فيها الكثير، والأحاديث عديدة تتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج وما حدث فيها ولكن لا يتسع المجال لذكر ذلك، ولو توسعنا لاحتاج الأمر منا للقاءات متعددة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !