من المؤكد أن إسرائيل تمر هذه الأيام بأزمة غير مسبوقة .. أزمة هدمت كثيراً من جدران الثقة والتعاطف التي أحاطها بها الغرب في مواجهة العرب على مدار عشرات السنين .. أزمة لها تداعياتها التي نالت ولا تزال من أخلاقيات إسرائيل أمام المجتمع الدولي ..
ليس لأنها المرة الأولى التي تقفز فيها إسرائيل بكل بجاحة فوق سياج القوانين الدولية المستظلة بمظلة الأمم المتحدة والمحمية بقوانينها واتفاقياتها وأعرافها "الأخلاقية" السائدة بين الدول الأعضاء..
ليست عملية اغتيال المقاوم الفلسطيني محمود المبحوح في دبي المرة الأولى التي تستعمل فيها إسرائيل أدواتها "المعتادة" من الخسة والدناءة والمساس بسيادة الدول المستقلة واختراق أراضيها وقوانينها ونظم الحماية فيها بل هي تعد ضمن عشرات المئات أو مئات الآلاف من المرات التي اعتادت إسرائيل حمل حقيبتها القذرة وأدواتها الدنيئة واستخدام ما في جعبتها من الفكر الإجرامي.. والتنفيذ الخسيس المثير بحق للاشمئزاز من هكذا كيان قائم على جميع عناصر الشر الإنساني من قتل ..وتخريب ..وتدمير.. ونهب.. وسلب.. وسرقة.. وتعذيب ..
كيان لا يستطيع السباحة إلا في بحيرة من دماء ضحاياه ..
كيان لا يشعر بالأمان إلا داخل حصونه المشيدة من جماجم قتلاه ..
كيان لا يستطيع التنفس إلا هواء معبأ بالدخان السام.. والغاز المسيل.. وروائح البارود ..
كيان لا يستطيع أن ينام إلا على قرقعات الدبابات والمجنزرات والجرافات وهي تسحق عظام الأطفال والنساء والشيوخ ..
ويبدو أن إسرائيل في هذه المرة استكانت إلى شعورها المتضخم بالذات وبالجرأة وبالتفوق معتمدة على المهارة التي لا تبارى في تنفيذ عملياتها الإجرامية فقامت بالاعتداء على سيادة (مجموعة) القوى الغربية التي تحمي إجرامها أو تتعاطف معها أو على الأقل تلتزم تجاه اعتداءاتها على العرب بالصمت المطبق ..
قامت إسرائيل وتحت رعاية وعناية وتخطيط رئيس وزرائها شخصياً بتزوير جوازات سفر رعايا دول العالم الغربي المتحضر والرعاة الرسميين لها وحماتها وصوانها من كل خطر أو ضرر أو حتى من شكاوى وأنات واستغاثات ضحاياها من العرب .. واستخدمت هذه الجوازات في اختراق سيادة دولة عربية واجتراح أراضيها وارتكاب جريمة قتل مقاوم فلسطيني بواسطة سبعة وعشرين عنصراً وعميلاً إسرائيلياً ..
وخرج القتلة من عملاء الموساد الإسرائيلي من دبي بجوازاتهم الأوربية المزورة كما دخلوها .. وهنأهم رئيس وزرائهم على نجاح العملية (السرية ) ( المتقنة) ..
إلا أن دبي كان لها رأي آخر .. بدأت الأخبار الصادرة من دبي رويداً رويداً تكشف عن خيوط العملية القذرة .. وهذه المرة كانت الأنباء مدعومة بالصورة الحية التي أحاطت بأدق تفاصيلها وأسماء المشاركين فيها فرداً فرداً .. وجوازات سفرهم المزورة والمنسوبة لدول أوربا كبريطانيا وألمانيا وبولندا واستراليا وغيرها .. بل وأسماء جواسيس إسرائيل الذين ساعدوها في عملية القتل ..
ضاحي خلفان مدير شرطة دبي ظهر أمام العالم " وحده" .. واجه العالم "وحده " كان فقط مسلحاً بالأدلة "الحية" التي تؤكد أن الكيان الصهيوني اخترق قوانين وتعدى على سيادة مجموعة كبيرة من دول العالم لم يميز فيها بين صديق وحليف وعدو .. ذلك كيان تعدى على الجميع ..
لم يحترم ميثاقاً ولا قانوناً ولا عرفاً ولا معاهدة ولا اتفاقية .. لم يحفظ لأحد حقاً ولا ذمة ولا صداقة .. ظاناً أنه سيمر هذه المرة كمثل عشرات المئات من مثيلاتها ..
إلا أن ضاحي خلفان قائد شرطة إمارة دبي كان بحق بطل هذه الواقعة التي كشف عن خيوطها بثبات وتتابع وثقة .. لم تخضع دبي للإرهاب الكيان الصهيوني .. لم تحتج كتلك الاحتجاجات السخيفة التي تصدر عن الدول العربية في كل اعتداء يقترفه الكيان الآثم ..
لم تشجب وفقط .. لم تستنكر وفقط .. لم تعترض وفقط .. لكن دبي كانت لها وقفة عجزت وأظن ستعجز الدول العربية قاطبة أن تتخذ مثيلتها ضد هذا الكيان الغاصب ..
قررت "دبي" أن تتشدد في التفتيش على جوازات سفر رعايا الدول الغربية .. وهذه هي المرة الأولى التي يتذوق فيها الغرب طعم الاشتباه في رعاياه أو وثائقه كمثل ما يفعل مع العرب بالتمام ..
قررت ملاحقة المجرم رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد " وتعقبهما باعتبارهما "مجرمين" ارتكبا تزوير جوازات سفر دولية واقترفاً جريمة اغتيال وقتل على أرض دولة مستقلة ذات سيادة وبالمخالفة للقوانين الدولية والسعي في استصدار مذكرة توقيف ضدهما لمحاكمتهما ..
كما صعدت دولة الإمارات سقف المواجهة بإصدار قرار شديد الجرأة قرار شديد الجرأة حين قررت منع دخول الإسرائليين وكل حاملي الجنسية الإسرائيلية حتى مزدوجي الجنسية إلى أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة ..
وهي في مجملها قرارات تؤكد سعي "دبي " إلى تأديب الكيان الصهيوني وإحراج الأنظمة الغربية الراعية والداعمة له أمام رأيها العام وشعوبها .. كما أنها قرارات تكشف عن تهاوي وتخازي وضعف واستكانة الأنظمة العربية جميعها واللاهثة خلف استرضاء أو استجداء الكيان الصهيوني الذي يعربد على موائد قممها الخاوية والخالية من ثمة جرأة على اتخاذ أو تحديد خطة عمل أو خط أو حتى موقف مشترك ضد صلف وعجرفة وإجرام وعربدة الكيان الصهيوني ..
وسندها في ذلك ليس عملية قتل فرد محدودة بل حروب كاملة وإبادات شاملة ارتكبها الكيان المجرم بطول الوطن العربي وعرضه دون أن يعترضه أحد كمثل ما اعترضه (ضاحي خلفان) قائد شرطة "إمارة دبي" التي قد لا تزيد عن حجم قبضة يد دول عربية تمتلك الجيوش والعروش والأساطيل والسلاح وغيره ..
إسرائيل انكشفت هذه المرة .. وانفضاحها في عملية "المبحوح" يؤكد خواءها الداخلي رغم ثبات شراستها وإجرامها إلا أنها بعملية المبحوح ومعالجة "دبي " للقضية ومواجهة العالم الغربي المتحضر الحر بجرائم "ربيبته" .
كل هذا يضع القادة العرب والأنظمة العربية المتخاذلة والمتخازية أمام مسئولياتها وأمام شعوبها وأمام التاريخ في تحد يلزمها أن تتحد جميعها لتقف على قلب رجل واحد لكي تتساوى - على الأقل- في ميزان الجرأة مع "إمارة دبي" !!!
وأن يستصدر زعماؤها.. وملوكها ..ورؤساؤها ..وأمراؤها ..وسلاطينها قرارات في قمتهم القادمة يجب ألا تقل في مستواها بأي حال من الأحوال عن قرارات "ضاحي خلفان" قائد شرطة دبي ..
وإلا فقل على العرب السلام ..
التعليقات (0)