أعلنت ايران اليوم تطورات جديدة ونوعية ضمن ملفها التسلحي متعدد الجوانب، بالاطلاق الناجح لعدة صواريخ بالستية بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى ، وذلك في اطار مناورات "الرسول الاعظم-7" التي انطلقت في ايران يوم الاثنين 2 يوليو/تموز لتستمر ثلاثة ايام. لكن لماذا تستمر ايران بشكل جاد في برنامجها التسلحي القومي؟. كيف تتحمل كل الاعباء والضغوطات بمختلف انواعها النفسية والاقتصادية والسياسية والعدائية، جراء هذا البرنامج النوعي في المنطقة،لتصبح محط سياسيات عدائية من طرف القوى الغربية،والعربية على حد السواء ؟ .هل يشكل التسلح الايراني فعلا مشكلة بالنسبة لامن اسرائيل ، وتهديدا لمصالح الكتلة الغربية ، في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؟ هل اهداف التسلح الايراني سياسية ام أمنية دفاعية ؟ لماذا لم يقم بعد ربيع ايراني ؟ لماذا تضل ايران الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تواجه تهديدا ، او استهدافا جادا من طرف منظمة القاعدة ، وخطر الارهاب ؟
القلق الغربي من تطورات ملف التسلح الايراني ليس حديثا،فهو يلامس العقد من الزمن. وقدرة ايران العجيبة على خلق الخيارات السياسية،والمناورة والتفاوض تستمر على ايقاع واحد،ولا تتأثر بتغيرات ايران الداخلية،او المناخ السياسي لايران اقليميا ودوليا .وهو ما يطبع طموحات ايران السياسية بالملف الوطني القومي.وعلى مر كل هذه السنوات لم يستطع الغرب ثني ايران عن تسلحها سواء المرتبط بتطوير البرنامج النووي ،او المتعلق بمجالات التسليح الأخرى. لكن لماذا ؟
اعتقد ان السبب الرئيسي لنجاح ايران في ملفها التسلحي،هو كونها لا تشكل أي تهديد لامن اسرائيل أبدا، فايران لم تطلق اية طلقة في اتجاه اسرائيل منذ سنة 1948 ، وتكتفي فقط بالتصريحات النارية الاعلامية ،التي تفيد في شحذ التاييد الشعبي لبرنامجها النووي، داخليا في ايران ، ثم اقليميا ودوليا لدى الشعوب العربية والاسلامية ، واهمية التاييد الشعبي لملف ايران النووي تكمن في بناء اهم منشاتها النووية في مناطق ايرانية اهلة بالسكان.ويقوي من هذا الطرح ، أن حزب الله اللبناني يتبنى نفس السياسيات الاعلامية التصعيدية تجاه اسرائيل، ويتفادى التماس العكسري والفعلي معها،والدليل مواقفه العادية من القضية الفلسطينية ، خاصة قضية اجتياح غزة من طرف اسرائيل، حيث اعلن حزب على لسان أمينه العام أنه ليس طرفا في المعركة.هذه الفرضية تسمح لي أيضا بالاعتقاد أن اهداف ايران الحقيقية من برنامجها النووي ، سياسية صرفة بشكل اولي في اتجاه الغرب، وأمنية بالتبعية في اتجاه محيطها العربي والخليجي ، في منطقة الشرق الاوسط . وهي تسعى لتقديم نفسها كشرطي قوي لهذه المنطقة ، وبالتالي محاور وبعده حليف للقوى الدولية الغربية ، والاسوية القادمة.
منذ أشهر اعلنت ايران على لسان كل من الرئيس محمود أحمدي نجاد ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني بأنها نجحت في إتمام دورة تخصيب اليورانيوم معملياً ليشكل خبرا نوعيا في مسيرة برنامج التسلح الإيراني، فبهذا الإعلان انضمت إيران رسمياً إلى النادي النووي وأصبحت ثامن دولة في العالم تمتلك هذه التقنية. والنجاح الايراني في هذا الاتجاه يخدم بشكل فعال اهداف ايران الاستراتيجية في المنطقة، والتاثيرات الامنية المحتملة ، هي على دول الخليج العربي اذا تمت قراءته في سياق مساندة ايران للقوى الغربية، في ما يخص تدمير أكبر قوة منافسة في المنطقة، وهي العراق ،واحالتها الى فوضى سياسية وأمنية خلاقة، قد لا تخرج منها أبدا.
منذ عهد الشاه ، وايران تنظر لنفسها على اساس توفقها على الدول الخليجية،باعتبارها قوة اقليمية لا يستهان بها،ولا بد عند التعامل مع ايران الاخذ في الحسبان مصالحها ،ودورها كقائدة للمنطقة. واليوم مع تطورات ملفها النووي والتسلحي ايران تقدم نفسها ، للعالم وخاصة للولايات المتحدة الامريكية على اساس انها المحاور الوحيد في المنطقة سياسيا وأمنيا، وهو ما سوف يمكنها من تحالف قوي مع القوى الغربية، بشكل يحفظ لها هيبتها ،ومصالحها. بل الاكثر من ذلك انتقلت ايران الى مرحلة جديدة تمثل خطورة شيديدة على الكتلة الخليجية ، الا وهي التدخل السافر في شؤون هذه الدول الداخلية ، كما حدث بالنسبة لمناهضتها للاتحاد السعودي البحريني،وزيارة احمدي نجاد الأخيرة للجزر الاماراتية المحتلة من طرف ايران. أمام عجز خليجي واضح عن تنفيذ مشروع الاتحاد، وتهديدات التغييرات الكبرى ، التي قد تعرفها الانظمة الخليجية، بسبب زحف الربيع العربي، والمد الاخواني القادم ال المنطقة.
منذ حكم الاصلاحيون لايران 1997 ، اعربت هذه الجمهورية الاسلامية عن براغماتية سياسية نوعية وعملية، مكنتها من النجاح في برنامجها التسلحي ، وتأسيس دعائم قوة اقليمية نافذة ، والتاثير على السياسات والمعطيات الأمنية في الخليج العربي والشرق الاوسط برمته، بينما تحتاج السياسيات الخليجية ، الى خروج من وسوم النمطية والعجز والتشتت، لأن المناطق التي تدار بقوة واحدة ، لا تعرف الاستقرار أبدا.
أحمد سالم أعمر حداد
باحث مغربي متخصص في تحليل الصراع
newsdata1@gmail.com
التعليقات (0)