مواضيع اليوم

تآكل هيبة المرشد..وسلطته.... والحرس الثوري يبتلع الدولة

ممدوح الشيخ

2009-12-02 17:08:18

0


لا أحد توقع ثورة برتقالية..لكن كثيرين ينتظرون "بريسترويكا إيرانية"
إيران الجديدة المولودة من رحم الانتخابات والاحتجاجات:
تآكل هيبة المرشد..وسلطته.... والحرس الثوري يبتلع الدولة

بقلم/ ممدوح الشيخ


لا أحد يستطيع الجزم بما تؤول إليه فورة الاحتجاجات المتواصلة على نتائج الانتخابات الإيرانية حيث تتفاعل عوامل عديدة داخلية وإقليمية في فضاء يظل مفتوحا على كل الاحتمالات، لكن غياب الجزم في شأن السيناريو الأرجح لا يعني غياب الدلالات المؤكدة لما حدث بالفعل!
فإيران التي تغيرت بثورة جماهيرية كان الناس فيها يطوقون جنود الحرس الثوري في الشوارع غير إيران الجديدة التي يواجه فيه "أبناء الثورة" رصاص هذا الحرس، فالبعد الجيلي لأعمار الشريحة الأكبر من المحتجين تؤكد أن من ربتهم الثورة في ظلها هم أول المنتفضين عليها، وبالتالي فإن شرخا كبيرا أصاب المكانة المفترضة لـ "النموذج الإيراني" في عيد ميلاده الثلاثين.
وردود الفعل الغاضبة من رجال دين وقيادات سابقة تولت مناصب مرموقة في ظل الثورة (محسن رضائي – مير حسين موسوي – محمد خاتمي – هاشمي رفسنجاني) مؤشر على وصول التصدع إلى قاعدة الثورة، ومع احتدام الصراع وارتفاع لهجة السجال رسمت صورة أخرى لحصاد التجربة على لسان بعض أهم أركانها، ما جعل مراقبين كثيرين يؤكدون أنه حتى لو صح أن رهانا على ثورة برتقالية فشلت وهي في المهد فإن هناك الآن حتمية لميلاد "بريسترويكا" إيرانية لا أحد يعرف من يتقمص فيها دور ميخائيل جورباتشوف، الرجل الذي أطلق موجتين من المراجعة في الفصل الأخير من تاريخ الاتحاد السوفيتي: "الجلاسنوست" و"البريسترويكا" فتحتا الباب واسعا لانهيار من الداخل!
وفي مؤشر قوي على إدراك داخل النظام الإيراني نفسه لضرورة تضييق الهوة بين محافظيه وإصلاحييه أقيل اسفنديار رحيم مشائي صهر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من منصبه كنائب أول لرئيس الجمهورية قبل مرور أيام على إعلان تعيينه وقبل مرور ساعات على إصداره نفيا مدويا لأخبار استقالته!
التغير الثاني الخطير هو أن الحرس الثوري بدأ عملا منظما للسيطرة على مفاصل الدولة الإيرانية يؤكد ما توقعه كثيرون – منهم "الوطن العربي" – أن المرشد ستتم إزاحته إلى الظل فيما سيبتلع الحرس الثوري الدولة الإيرانية نهائيا. المعلومات تشير إلى زحف منظم من الحرس للاستيلاء على قطاعي: النفط والتعليم العالي، أي عقل إيران وخزينتها!
وفي إطار التعيينات التي يقوم بها نجاد يسعى لتسمية قائد بالحرس الثوري هو العميد روستام قاسمي، وزيرا للنفط، وهو حتى الآن يشرف على نشاط تجاري للحرس الثوري تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات في صناعة النفط. وفي تصعيد لا سابقة له قال الجنرال يد الله يواني رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري إن انتخابات 12 يونيو ساعدت الحرس الثوري على ضمان بقاء السلطة في يديه وهو – حسب وصفه – التطور السياسي الأكثر أهمية بل إنه "نقطة تحول، أدخلت تغيرات مهمة في أحوالنا السياسية". ولكي يعزز صقور الحرس الثوري سيطرتهم التامة بدأت التداعيات تظهر داخل صفوف الحرس نفسه، إذ ألقى القبض على 24 من الضباط النظاميين الذين عقدوا اجتماعا لمناقشة أزمة الرئاسة، وبهذه التداعيات الخطيرة تخلى الحرس "علنا" عن حياده السياسي الذي يلزمه به القانون، ومن ناحية أخرى دخل مرحلة "التطهير" بناء على قواعد سياسية.
ونقل أيضا عن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد يدالله جواني أن "تيار مير موسوي مرشح الرئاسة الإيراني المهزوم كان يستهدف ممارسة الضغط على المرشد والنظام، ما يعني أن لعبة "اختباء" الحرس الثوري وراء المرشد لضرب دعوات الإصلاح أصبحت كثر وضوحا. وفي سياق متصل استبدل المرشد الأعلى للثورة خامنئي رئيس القسم الأيديولوجي والسياسي بالجيش.
وفي خطوة ستحول إيران – ربما نهائيا – إلى دولة شمولية عسكرية نقل عن الجنرال محمد إسماعيل سعيدي أحد قادة الحرس الثوري قوله إن الطلاب يجب أن يتعلموا في الجامعات كيفية التعامل مع "التهديدات الناعمة"، وهي دعوة لإقحام الأيديولوجيا المتشددة للمؤسسة العسكرية في التعليم الجامعي، ما سيجعل الجامعات جزءا من آلة التجنيد الأيديولوجي.
وقد فتح التغول الكبير للحرس الثوري باب النقاش حول قضايا أكثر عمقا تتصل بلحظة نجاح الثورة نفسها، فالمثقفون الإيرانيون يستعيدون الآن حقيقة أن الثورة الإيرانية لم تكن نتاج تحركات الخوميني أو رجال الدين وحدهم بل ثمرة عمل طيف واسع من القوى والفعاليات والتيارات السياسية : حزب نهضت آزادي إيران (النهضة لحرية إيران) بقيادة (مهدي بازرجان) وكان أول رئيس للحكومة بعد الثورة واستقال بسبب خلافه مع رجال الدين. وحزب توده اليساري (التجمع)، ومنظمة مجاهدي خلق بقيادة مسعود رجوي وكان لها شأن كبير في بدايات الثورة. كل تلك التيارات ساهمت في نجاح الثورة لكن رجال الدين – مستخدمين الحرس الثوري – أطاحوا بالجميع، واليوم يطيح بهم الحرس.
ويعد عهد أحمدي نجاد ذروة تضخيم سلطات الحرس على النحو الذي أدى إلى وصوله للوضع الحالي، فقد تم أولا إحكام القبضة على الحوزة عبر تحييد دورها بشكل كبي رفلقد نجح الحرس في حصار الحوزة وإغلاقها على ذاتها رغم محاولات رفسنجاني الاستعانة بها بلا طائل. وتلا ذلك التحكم في مصادر الدخل القومي، وبخاصة النفط ودخل الحرس العديد من المناقصات والمشاريع بمليارات الدولارات فيما يخص أنابيب النفط وبناء المطارات والسدود. حتى أصبح – تقريبا – يقوم بكل مشاريع الدولة.
وخلال رئاسته عمل نجاد على الفصل بين الجيش وقوات الحرس الثوري فنقل الجيش للمناطق الشمالية من إيران لنفيه خارج الساحة السياسية والاقتصادية، مع وضع قوات الحرس في المنتصف والجنوب للسيطرة على الوضع الأمني ومنابع النفط ما منحه مزيداً من القدرة الإستراتيجية لقوات الحرس. وفي الوظائف الحكومية عمل نجاد على فصل كل التكنوقراط ووضع محلهم قادة متقاعدين من الحرس الثوري،كما فصل رؤساء الكثير من شركات الصناعية الحكومية الكبرى في إيران ليضع مكانهم ضباطا بالحرس.
إن القبضة التي مكنت المرشد من السيطرة على الدولة الإيرانية لم تكن بحاجة لمن ينبهها لحقيقة أنها هي السلطة الحقيقية، وإيران الجديدة التي ولدت بعد الانتخابات الرئاسية هي "جمهورية الحرس الثوري"، والمحتجون على التحول من قيادات الثورة السابقين (محسن رضائي – مير حسين موسوي – محمد خاتمي – هاشمي رفسنجاني) يحتجون على إقصائهم، وكثير من الشباب الذين خرجوا للشوارع وجدوا في أزمة الانتخابات فرصة ليقولوا "وداعا للثورة"!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !