مواضيع اليوم

بين فيتو أمريكا... و فيتو حماس.

محمد مغوتي

2011-09-30 13:49:02

0

    تعرف أروقة الأمم المتحدة و مكاتبها في نيويورك و معها الديبلوماسية الدولية نشاطات مكثفة بعد المطالبة الرسمية التي تقدم بها محمود عباس أمام مجلس الأمن الدولي من أجل الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. و هي الخطوة التي فاجأت الكثيرين و بعثرت أوراق رعاة السلام المتعثر في الشرق الأوسط. لذلك جاءت هذه المبادرة كاختبار حقيقي لمصداقية صانعي القرار في المنتظم الأممي، و باتت كل الأنظار متجهة إلى الموقف الأمريكي المعلن و الذي يرفع سيف الفيتو في وجه تحقيق هذا الحلم الفلسطيني... لكن هذا الموقف الأمريكي الرافض لإقامة دولة فلسطينية في هذه المرحلة يجد سندا له ( و إن اختلفت الأسباب طبعا) عند حكام غزة الحمساويين. و هو الأمر الذي يفرض طرح السؤال التالي: أيهما أخطر... هل هو الفيتو الأمريكي أم فيتو حماس؟.
     رغم ما يقال عن الحرج الكبير الذي وقعت فيه واشنطن نتيجة لجوء السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بموقفها الرافض لمنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، تكون قد انسجمت مع سياساتها المعروفة في المنطقة، فهي تؤكد باستمرار أن استكمال بناء دولة فلسطينية مستقلة لا يمكن أن يتم إلا عبر اتفاق نهائي مع إسرائيل يضمن لها سلاما كاملا و ينهي صراعها مع الدول العربية. و هو المطلب الذي مازال بعيد المنال مادامت حالة العداء قائمة شعبيا على الأقل، و ما دام أمن إسرائيل غير مضمون بسبب قوى "الممانعة" التي تعلن عداءها هذا في كل مرة سواء تعلق الأمر بحركة حماس أو حزب الله أو إيران... ثم إن منح العضوية لفلسطين في الأمم المتحدة يخولها كل الحقوق التي تتمتع بها الدول الأعضاء، و تواجدها الرسمي في هذا المنتظم الدولي من شأنه أن يخلق الكثير من المشاكل لإسرائيل خصوصا في ما يتعلق بتحريك المساطر القانونية المرتبطة بالممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، و هذا يعني أن ما تقترفه القوات الإسرائيلية من مجازر بين وقت و آخر تحت ذريعة الدفاع عن النفس، سيتم اعتباره في حالة تحقيق الطلب الفلسطيني بأنه عدوان على دولة أخرى ذات سيادة، وهو ما يعرض إسرائيل قانونيا للملاحقة القضائية و العقوبات الدولية... و هكذا تبدو مبررات الفيتو الأمريكي المنتظر قوية بالشكل الذي يحفظ مصالحها و مصالح حليفتها الإستراتيجية في المنطقة، كما أن إدارة أوباما تدرك جيدا حجم القوة التي يملكها اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، و لا يمكنها أن تخاطر بمستقبلها خصوصا و أن استحقاق الإنتخابات الرئاسية أصبح قريبا.
    إن الموقف الأمريكي إذن لا يمكن أن يكون مفاجئا، لكن رفض حركة حماس للخطوة التي أقدم عليها عباس هي التي تحتاج إلى فهم و تحليل. و بالرغم من أن مواقف هذه الحركة لا تطبعها المفاجأة بدورها، فإن ما حدث قبل أشهر من " مصالحة" بين فتح و حماس يقتضي ترجمة فعلية لوحدة الصف الفلسطيني. لكن يبدو أن لعبة التجاذبات السياسية بين الطرفين مازالت تلقي بظلالها على علاقات الداخل الفلسطيني. و يبدو أن حماس غير مستعدة للتنازل عن تصورها لطبيعة الحل المكن للقضية الفلسطينية. و هي بذلك ترهن حق شعب بأكمله، لأنها تقدم باستمرار ذرائع مجانية لمزيد من الغطرسة الإسرائيلية. و الواقع أن رهان حماس على القوة لاسترداد الحق الفلسطيني بغض النظر عن دلالاته الدينية و العاطفية يظل رهانا خاسرا في الوقت الراهن على الاقل، لذلك فإن المصلحة الفلسطينية تفرض البحث عن وسائل بديلة لإنهاء حالة الإحتلال. أما الحديث عن زوال دولة إسرائيل و جلائها من كل الأراضي " المحتلة" فهو في الظروف الحالية مجرد شعار للإستهلاك الإعلامي، ثم إن حماس و كل الذين يصطفون مع خياراتها يدركون جيدا أن بناء الدولة على كل أراضي 48 أمر ينبغي نسيانه نهائيا ... لذلك يظل مطلب النضال من أجل تحقيق اعتراف دولي بفلسطين في حدود أراضي 67، وإن كانت تعترضه الكثير من العقبات، يظل الورقة الوحيدة المتبقية في أيدي الفلسطينيين. و هي الورقة التي ستؤدي على الأقل إلى تنشيط عملية السلام من جديد. هذا السلام الذي لا مستقبل للمنطقة بدونه. أما موضوع حق العودة الذي يمثل إحدى الملفات الشائكة فإن البوابة الرئيسية لتفعيله تمر عبر تحقيق دولة مستقلة و معترف بها.
    هكذا إذن يبدو أن الفيتو الذي ترفعه حماس في وجه مطلب الإعتراف بدولة فلسطينية، يخدم الجانب الإسرائيلي أكثر من أي طرف آخر، و هو موقف يختزل هشاشة الداخل الفلسطيني الذي يخرج من شقاق ليدخل في شقاق جديد.
         محمد مغوتي.30/09/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !