شيركو شاهين
ــــــــــــــ
sher_argh@yahoo.com
لم يعد خافيا ما احدثته عمليات احتلال العراق على مدى السنوات الماضية من طروحات مختلفة انواعها ملئت الشارع العراقي، واصبح المواطن البسيط يتلقى يومياً سيلاً من العبارات الرنانة والوعود الجوفاء والتنبؤات المستقبلية لسياسي من هنا وباحث او مختص من هناك، واصبح ما كان محصوراً في فئة نخبوية حواراً معلنا يطرق اسماع الناس، ليمسي المواطن بعد ذلك طرف في الجدل الدائر حول قضايا عدة، وجاءت بعد ذلك عشرات القنوات والفضائيات والاصدارات الصحفية المتنوعة فشاعت بذلك مفردات لم تكن مألوفة كاليبرالية والاسلام السياسي والحريات المدنية والبرلمان والدستور وحقوق الانسان والمجتمع المدني وغيرها من مفردات كانت الغالبية جاهلة ولازالت عن حقيقتها ومضمونها.
ولكن بالرغم من التحولات سالفة الذكر الا ان الرأي العام في الشارع العراقي لازال مغيباً كلياً عن لعب دور اساس في مستقبل البلد الذي اصبح كرة يتلاقفها الطامعون.
حول الرأي العام وغيابه في العراق رغم ما يشاع عن حرية السنوات الاخيرة، جاء حرصنا في هذا التحقيق على رصد الظاهرة والتغيرات التي طرأت عليها عبر جولة للتعرف على اراء المواطنين والاكاديميين بشأنها..
فضائيات مخدرة للاعصاب
من المستحيل ان يتكون رأي عام طالما كانت استطلاعات الرأي الحقيقة غائبة عنه.. هذا ما بدأ به السيد (خليل الموسوي) المختص في مجال الاعلام المقروء معبراً بعد ذلك عن رأيه بالقول:
مع الاسف نقولها وبحزن ان جميع وسائل الاعلام العراقية خاصة والعربية عامة تتعمد تجاهل الرأي العام او تضليله من خلال استطلاعات تتسم غالبيتها بالاثارة والتهويل من جانب او اشاعة حالات الامن والرفاه من جانب اخر، ثم السعي لتعميم نتائج استطلاعتهم تلك على المواطن البسيط، فضلا عن ذلك فان استتفتاءات الانترنت لاتقل تضليلا، فاوربا نفسها التي سبقتنا باشواط في مجال الاعلام التقني يؤكدون عدم وجود منهجية علمية تكفل سلامة اي استطلاع او استفتاء لغايه يومنا هذا.
المشكلة الثانية في مجال تشكل الرأي العام هو الانفتاح الاعمى الذي شهدناه بعد الاحتلال على عالم المدونات (الكتيبات) والكتب فهي لم تعد تستخدم فقط كوسيلة للتنفيس عن الاراء ولكنها اصبحت من اخطر الوسائل التثقيفية فغالبيتها وردت من ايران والسعودية، ومعلوم لدى الجميع نوعية توجهات مثل هذا النوع من الكتيبات، لذا فاننا نلمس اليوم مدا طائفيا بدأ يتعاظم من الناحية الثقافية مما انعكس سلبا على الشارع العراقي والحالة الامنية في بغداد على وجه الخصوص، لذا يجب الاسراع في اخضاع مثل هذه الكتب والمدونات وحتى الصحف لقانون يحد من جموحها في السبب والتحريض والاتهامت بدون ادلة، لما بذلك من خطورة على الواقع الذي يئن اليوم وينزف تحت نير الارهاب.
هل برأيكم ان الرأي العام غائب ام مغيب ؟؟
من المؤكد انه مغيب، فتاريخ العراق يثبت بما لا لبس فيه ان كان اساسا في تغيير حكومات والغاء قرارات مصيرية في واقعه حتى عقد السبعينات من القرن المنصرم ولم يتم تغيبه بعد ذلك الا بقوة السيف سابقا والحيل السياسي والارهابية حاليا.
مغيب لدوافع سياسية .. !!
السيد ( احمد الحديثي ) تدريسي (جامعة بغداد) اشار الى اسباب سياسية خالصة الى مادت عليها الحال لتغيب الرأي العام، طارحا رأيه ببساطة ووضوح (حسب رأيه) بالقول:
من المفروض ان الرأي العام في الشرق يكون اقوى بكثير مما عليه الحال في الغرب لاسباب عدة اهمها ان المواطن في الغرب لديه من يمثله امام الحكومة وهناك حالة من الثقة المتبادلة عكس ما هو عليه الحال لدينا واسباب اخرى لامجال للتوسع بها.
واضاف:- ان الدوافع السياسية تعمل على تغيير جو الرأي العام والهائه وذلك باتباع ما يطلق عليه اعلاميا بالتزامن بين حدثين حيث يتم القاء الرماد على الحدث القائم عبر اشعال حدث جديد يشغل الرأي العام عن ما قبله مما يدفع المواطن ان ينساق معصوب العين خلف قادة الرأي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يذكر الجمبع احداث نشر الكاريكاتير الخاص بالتشهير بصورة الرسول (ص) في الدنمارك وما صاحبه في الداخل من اخفاقات امنية وما عرض في حينه عن قيام الجنود الانكليز بضرب مجموعة من المراهقين في البصرة بالعصي والهراوات وجاءت مطالب الشارع العراقي في حينه بخروج القوات الدنماركية من جانب والتحقيق ومعاقبة الجنود الانكليز عن ما اقترفوه.
ولم تمر الا ايام قليلة وجاءت حادثة تفجير مرقدي الامامين العكسري والهادي في سامراء وما خلفه فيما بعد من حرب طائفية وما جاء بعده من حرق للجوامع والحسينيات وتبادل التهم من كلا الجانبين.
اذا تقصد ان الرأي العام قد جرى تغيبه بفعل فاعل.. ولكن لصالح من ؟؟
السياسي والاحتلال هما المستفيد الاول والاخير من اضعاف الرأي العام لانه عندما يكون الرأي قويا فانه سيفرض ارادته على الجميع.
اراء اخرى:-
محمد علي بكلوريوس اعلام وطالب ماجستير عبر عن رأيه قائلا:- يجب ان يعلم الجميع ان الاستطلاعات في عموما الشأن العراقي لازالت في مرحلة الاجتهاد وذلك نتيجة لانعدام الامن الذي يؤثر على حرية وحركة العاملين في هذا المجال الى جانب فقدان المواطن وخاصة الشباب منهم شهية متابعة الاحداث والتفاعل لما خلفته فيهم حالة اليأس التي اخذت تتاصل في النفوس.
ويضيف بالقول:- نحن بحاجة اكثر من اي وقت اخر الى تنشيط الرأي العام واشعار المواطن العادي باهمية صوته وتأثيره على الواقع والا فان اليأس سيدفع بالمزيد من الشباب الى الارهاب والى المزيد من المهجرين.
اعلام عقيم
السيد (حميد صبح) موظف سابق في وزارة التخطيط فقد اعرب عن رأيه بالقول:-
الحرية المفرطة والعشوائية في مجال الاعلام والتي ولدها الاحتلال كانت السبب الرئيس وراء عدم امكانية تحريك الرأي العام فبعد الاعلام الحزبي المتخلف لاكثر من ثلاثة عقود جاءت ولادة ما يسمى جزافا بالاعلام الحر، والذي جاء جاهلا لاساسيات العمل الاعلامي وكيفية التفاعل الحق مع نبض الشارع، والاعلام اليوم بصريا كان او سمعيا او حتى المقروء منه يمكن ان نقسمه اما حزبي مطبل حامدا لمنجزات القيادة واما ان يكون مستقلا ليبراليا نزيها، والاول تراه متمكنا من ناحية الدعم المادي ولكنه جاهل وواهن لا يمكن ان يقود الرأي العام، اما الثاني فترى لديه امكانيات وقدرات ولكنه محكوم بضعف الامكانيات المادية.
لذا فالحكومة يجب ان تتحرك بجدية لدعم مراكز الاعلام الحر بشرط ان تكون بدون دوافع او غايات سوى مد اواصر التواصل بين الحكومة والمواطن، فالوصول للمواطن وتحقيق الامتزاج بين الرأي السياسي والرأي العام مثل السباحة ضد التيار فهي مهمة شاقة لا يتحملها الا قادة الرأي الاشداء.
وننصح بعد ذلك بفتح مراكز للاحصاء وقياس الرأي العام وعدم الاعتماد فقط على التقارير الروتيني التي تصدرها وزارة التخطيط لموظفين لا يتركون مكاتبهم الا عند العودة لبيوتهم.
وسالناه بعد ذلك عن اهم المشكلات التي يوليها المواطن اهتمامه ويجب البحث حولها واستقصائها؟؟
اجاب قائلا:- بعيد عن الجانب السياسي والامني والذي هناك شبه اجماع حول اهم اركانه، تاتي المجالات الخدمية على رأس قائمة ترتيب الاولويات ويأتي بعدها موضوع ارتفاع اسعار المحروقات وانعكاسها على المواطن البسيط فضلا عن انعدام الكهرباء وسوء الخدمات الصحية الى جانب المجالات الاجتماعية مثل تأثير مشكلات النزوح والتهجير وارتفاع نسب الطلاق وادمان المخدرات.
وفيما يخص المجال السياسي يأتي ضعف الاحزاب وتنصل المسؤولين عن وعودهم المقطوعة اما في مجال التعليم فتشير غالبية النتائج الى التي يجب ان التقصي حول حقيقتها عن انخفاض مستوى العملية التربوية والعلمية بشكل كبير يصل الى حد الانهيار.
اما السيد ((عبد الهادي خليل-موظف)) غياب الرأي العام لم يعد ظاهرة بل اصبحت واقعا ملموسا في بلدنا، وحالة قمع الرأي من قبل النظام السابق او المليشيات الحزبي التابعة للحكومة او المناهضة لها حاليا ادت الى مالت اليه الامور في هذا الخصوص وبالرغم من ان الرأي العام قام في الانتخابات السابقة باثبات وجوده الا اني اعتقد ان الشعب العراقي في حينه كان كمن تم تنويمه مغناطيسيا بوعود الرفاه والتقدم والقضاء على الارهاب وتوفير الخدمات وغيرها من الوعود زهرية اللون والتي لعبت فيه وسائل الاعلام المظللة دورا رئيسا فيه..
واضاف بعدها:- انا متاكد تماما انه اليوم لو قامت انتخابات فمن المستحيل باي حال من الاحوال ان يغامر العراقي بنفسه من اجل نواب يستلمون رواتبا وتقاعدا بملايين الدنانير وما خفي بعدها كان اعظم.
اما السيد ((عصمت بوتاني)) فيعزي غياب الرأي العام كنتيجة لتعاظم ضغوط الحياة اليومية وغياب وضعف الطبقى الوسطى والتي تمثل العصب الحقيقي في اي مجتمع فالناس اليوم منصرفين وراء تحصيل لقمة العيش ناهيك عن الاغتيالات والعبوات الناسفة والمليشيات المسلحة.
ويضيف بعده :- كيف يا اخي تطالب ان يتكون رأي عام في بلد يتخفى فيه مسؤليه وراء اسوار المنطقة الخضراء واصبح القرار السياسي بيد حفنه منهم تخطط وتقدر بمناء عن الجماهير كما حدث قبل اشهر حين تمت مناقشة رواتب ومخصصات اعضاء البلمان وتحول الحوار فيها الى سري بعد ان تم اغلقت الجلسة ابواها بوجه الاعلام وهذا دليل على تجاهل رأي الشارع العراقي والخوف من افتضاح شعاراتهم المزيفة.
وبصورة اوضح فالاحزاب السياسي في بلدنا اليوم كمن يطفو على سطح قطعة من الفلين لا احد منهم ينزل الى القاع وعاجزة تماما عن تحريك الشارع.
وينفي المقدم (( ملهب مقداد )) مسألة ان الجهاز الامني يفتعل بعض الاحداث الخطيرة على الساحة لغرض التضليل ،، ويضيف بعدها قائلا:- ان تقوم الجهة الكفيلة بحماية المجتمع والتعامل مع السلبيات والاحداث الدامية في الشارع يوميا ان تضيف اعباء مشكلات اكبر لتحمل بعدل ذلك مسؤولياتها امام المواطن وانا فعلا اسف لما نلمسه من اتجاه سلبي للرأي العام ناعتا فيه جهاز الشرطة بانه منحاز الى جهة سياسية او فاقد حس الانتماء الوطنية وياتي ذلك نتيجة لبعض الممارسات السلبية لافراد انتموا الى هذا الجهاز المهم وسط التشتت في عموم مفاصل الوزارت العراقية، وانا واثق انها ليست سياسية وزارية متمنيا ان تتم معاقبة اولائك المخطئين علنا كحال المجرمين.
ان ضياع الرأي العام في العراق جاء بعد ضياع المثقف والناقد العراقي الاصيل صاحب الجذور الوطنية والملامس لمعانة شعبه، ذلك المثقف صاحب القلم الفيصل بين الحق والباطل.
هذا ما اعرب عنه السيد (فوزي محمد) واضاف بعدها بالقول:- للأسف نرى اليوم جيلا محملا باشبه ما يكون بفايروس في جسد المريض ذلك الفايروس الذي يختلف بانواعه فمنه الطائفي بين سنة وشيعة والقومي بي عرب واكراد وتركمان فكانوا بعد ذلك مثل الموظفين في دوائر الدولة لا يسيرون الا بامر ولا يتكلمون الا باستئذان، لذا لم تعد الكتابات النقدية مؤثرة بالحجم الذي يجعل لها قوة في تكوين الرأي العام.
ولكي لانكون متجنين ومتشأمين اكثر فانا اعتقد ان مرحلة الحرية ولو البسيطة التي نعيشها اليوم اسفرت عن ولادة نخبة من الاقلام نتوسم فيها الامل للمستقبل.
خلاصة القول
قبل ان قبل ان نسيى الى مصطلح الرأي العام ويصبح حقا يراد به باطل علينا ان نعلم انه سلاح تستند سطوة تياره على الشعب نفسه، وهو طفل لايمكن له ان ينمو ليصبح مؤثرا دون يد نزيهة ترعاه وتحميه، فهل ضاع الرأي العام العراقي الهادر بين السياسين والمدعين الصواب من جهة والمسلحين الذين يريدون ان ينتزعوا مطالبهم بسيل من الدماء .. ؟؟
نشر بتاريخ ((01/12/2009))
التعليقات (0)