بين زراعته وتوزيعه .. العراق ارض خصبة لانتشار المخدرات
سجا شوكت العبدلي
كان لغياب دور الدولة والأجهزة الأمنية بعد الحرب الأمريكية على العراق في العام 2003 الأثر الأكبر في تفشي ظاهرة تجارة وزراعة المخدرات ، بعد أن كان العراق واحدا من الدول الخالية من انتشار هذا الوباء نسبياً .
حالة الفوضى وعدم الاستقرار وغياب الأمن في البلاد كانت من العوامل الرئيسة في انتشار تجارة وزراعة المخدرات بعد أن كانت شبه معدومة قبل الاحتلال الأمريكي هذا أذا ما استثنينا بعض الحالات القليلة من المتعاطين ولا يمكن مقارنة عددهم بالأعداد المتصاعدة لمدمني المخدرات من بعد العام 2003 .
الحدود العراقية
لا يزال العراق غير أمنا حدودياً، بمعنى انك تستطيع أن تذهب الى العراق عن طريق الحدود البرية وان يكون بحوزتك ما تشاء دون أن تتعرض للتفتيش من قبل ضباط امن الحدود وهذا الأمر ساعد وساهم بشكل كبير في انتشار تجارة المخدرات مما جعل العراق الوجهة الأكثر أماناً لتجار المخدرات ، حتى أصبح مركزاً لتوزيعها داخل وخارج البلد .
ولا يوجد لحد ألان ما يبرر إهمال الحكومة العراقية لحفظ الأمن وضبط الحدود مع الدول المجاورة ، بحجة الانشغال بالملف الأمني ، فأن لم تضبط الحدود كخطوة أولى فان الملف الأمني لن يتقدم خطوة واحدة والضرر لن يشمل الملف الأمني فحسب ، بل سيتعدى الى تسهيل مهمة تجار المخدرات ومروجيها ويساعدهم ان يمارسوا حريتهم للترويج لهذه التجارة دون قيود .
الكثير من المسافرين عبر الحدود البرية العراقية أكدوا عدم تعرضهم للتفتيش أطلاقا الا من رحم ربي ، فإذا قمت بإعطاء مبلغ مادي زهيد نسبياً او هدية لضباط الحدود هناك فأنك لن تتحمل عناء تفتيش حقائبك والمركبة التي تقلك .
اما طريقة دخول هذه السموم الى العراق فتتمثل بممرين رئيسين الاول الحدود الشرقية الوسطى والجنوبية وهي وجهة تجار ايران وافغانستان والممر الثاني فيتمثل بالحدود الشمالية عبر إقليم كردستان العراق .
ولعل اكثر المراكز الحدودية خطرا ، هي الحدود الايرانية ، فتهريب المخدرات القادمة من ايران يتم بسهولة من هناك، فبحجة زيارة العتبات المقدسة في العراق يقوم المهربون بإدخال كميات هائلة من المخدرات الى العراق وقد تفاقم هذا الخطر من بعد ما أعلنت الحكومة العراقية موافقتها على دخول الزوار الإيرانيين للعتبات المقدسة في العراق ،ويصل عددهم الى اكثر من الف زائر يوميا . ولعل أكثر المحافظات العراقية تضرراً من هذه الظاهرة هي المحافظات الجنوبية نظرا لقربها من الحدود الايرانية فاعلى نسبة انتشار كانت في محافظة ميسان ومن ثم ذي قار وكربلاء ، وباقي محافظات الجنوب . وبشكل عام فان المخدرات قد انتشرت في كل انحاء العراق من دون استثناء .
زراعة المخدرات في العراق
لا مكان أفضل وائمن بالنسبة لتجار المخدرات من العراق ليقوموا بنشاطاتهم على أرضه فلم يقتصر الامر على جعل العراق ممرا رئيسياً لتوزيعها داخل وخارج البلد فحسب ، وإنما تعدى ذلك الى زراعتها في بعض المحافظات ، ففي محافظة ديالي المشهورة بزراعة البرتقال ، قام تجار المخدرات ومروجوها بالتعاون مع أصحاب بعض الأراضي الذين وجدوا بأن هذه الزراعة تدر عليهم دخلاً مادياً كبيرا يصعب مقارنته بما يجنونه من زراعتهم لمحاصيلهم العادية فالناتج يفوق بأضعاف المرات ما يربحونه من المحاصيل الزراعية ولما كانت أوضاعهم الاقتصادية متردية فقد وقعوا فريسة سهلة لتجار المخدارت مما ساعد في تسهيل مهمة هؤلاء التجار .
وبالإضافة الى تجار المخدرات أنفسهم ، فأن عناصر من تنظيم القاعدة هم من يقفوا وراء عمليات زراعة المخدرات في العراق ، وذلك من اجل مساعدتهم في تمويل العمليات الإرهابية التي تكلفهم الكثير من الأموال، فضلا عن توزيعها على الأشخاص الذين يقومون بالعمليات الإرهابية .
استغلال الاطفال وتفشي تعاطي المخدرات من قبل الشباب العراقي
تعتبر تجارة المخدرات هي من اخطر الكوارث التي تفتك بالشعب العراقي وبالذات فئة الشباب منهم وهي طريقة من طرق الموت العديدة المتبعة والتي يروح ضحيتها أبناء الشعب ، فأخر إحصائية أعلنت عنها وزارة الصحة العراقية تشير الى ان من بين كل عشرة شباب من الفئة العمرية 18 الى 30 سنة هناك ثلاثة شباب مدمنون على المخدرات القادمة من ايران بالذات .
ونظرا للتأثير المدمر لهذه المخدرات على الجهاز العصبي للإنسان فأن إدمانها يلحق ضررا كبيرا لمتعاطيها فهي تؤدي الى فقدان الذاكرة والتوازن الفكري وتعمل على تدمير الخلايا الدماغية في جسم الإنسان ، وقائمة تطول بإضرارها . مما يجعل الشباب العراقي يعيش في حالة اللاوعي ، فتراه يقدم على أمور وأفعال تلحق الضرر حتى بأقرب الناس اليه . فاحد المدمنين الذين تم اعتقالهم من قبل الشرطة العراقية تحدث أمام شاشات التلفاز عن حادثة اغتصابه لأخته ، وهو لم يكن على علم بما يفعل نظرا للتأثير المخدرات عليه . ومن الجدير بالذكر بأن هناك العديد من المنظمات الارهابية تقوم باستغلال الشباب العراقي باعطائهم هذه المخدرات ومن ثم استخدامهم في عملياتهم الإرهابية تحت غطاء العمليات الاستشهادية .
ومن المؤسف حقاً ان هذه النشاطات المشبوهة لم تقتصر على فئة الشباب وحدهم وإنما قامت هذه العصابات باستغلال الأطفال ليقوموا بتوزيع وترويج المخدرات بين فئات الشعب مما أدى بهؤلاء الاطفال الى الادمان عليها تلقائياً بعد ان قاموا بتعاطيها بكميات بسيطة في بادئ الامر . ويتم استغلال الاطفال بالذات في هذه العمليات نظرا لسهولة تحركهم وانتقالهم ولانهم بعيدين عن الشبهات مما يسهل عملية توزيع هذه السموم بكل أنواعها لعدد اكبر من فئات الشعب .
المخدرات والمفخخات وانعدام الأمن والفساد ، والتراجع في جميع مستويات الحياة كلها عوامل لا تجعلنا نشعر بالاستغراب عندما يوصف ويصنف العراق بأنه اخطر بلد في العالم . وقفة جدية من الحكومة العراقية ومن العالم في مواجهة ما حل بالعراق من كوارث مدمرة هو ما يتطلع إليه الشعب العراقي المنكوب .
كاتبة عراقية
Saja.abdeli@yahoo.com
التعليقات (0)