يُحكى أن رجلاً في سن الكهولة تزوج زوجةً ثانية، وكانت واحدة من زوجاته تُدعى "حانا" والأخرى تدعى "مانا"، وكان عندما يأتي إلى الصغرى تدلّله وتلاطفه في الكلام وتمسح على وجهه، وتخلع بعض الشعرات البيضاء من لحيته حتى يبدو أكثر شباباً ليتناسب مع جيلها، أما الكبرى فقد أصابتها نار الغيرة وبدأت تقلّد ضرتها في تصرفها مع زوجها ومعاملتها له ولكنها كانت تخلع الشعرات السوداء من لحيته حتى يبدو أكثر شيباً وكهولةً ليتلاءم مع جيلها هي، وبذلك خلعت نساء الرجل شعر لحيته كله، فصار يقول "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".
... وهذا هو حال ثوراتنا "الياسمينية" المنتقاة بعناية ودقة لدول عربية بعينها من قبلْ مهندسو الفوضى الخلاقة التي بشرتنا بها ادارة "بوش الابن" اليمينية المتطرفة بلسان "خارجيتها" السابقة "كوندي"، وأسمتها "شرق أوسط جديد"! فقد عمدت واشنطن في مسعاها لقلب الأنظمة في بلدان معينة وتنصيب أنظمة وشخصيات وحاشيات صديقة أخرى بديلة مكانها تحت مسمى نشر الديمقراطية مرة، والربيع العربي مرة أخرى وتردفها بثورة الياسمين في تلوين منمق للمسمى، إلى تجهيز وإعداد وتأهيل وتلميع بعض ممن عاش في الغرب، عموماً، وحمل جنسيته، وصار ولاؤه الفكري له بما اكتنزه من ايديولوجية انحلالية لا ترى في تقسيم المقسم أو تفتيت المفتت إلا أنه عودة إلى الوراء بالتاريخ الاسلامي ولزمن الدوليات والمماليك وتحديداً الى تاريخ "الأندلس الإسلامي".
لقد سار في الركب الكثير، ولن يكون "عين" أو "سين" آخر ما حُرِّر في طابور "الكرازايات" و"العلاويات" و"الطنطاويات" و"الجليليات" أو "الغليونيات"، ومرتادي هذا الماخور الأميركي الوسخ الشرير والمتصهين بمبادئ النورانية والماسونية الهادفة إلى قيام مملكة بني صهيون الثانية على هيكلها المزعوم، وغير آبهة بثمن هذا الهيكل إن دفع نزفاً دموياً أثراً بعد عين فوق هياكل ملايين البشر في هذا الشرق الأوسط الجديد المزمع تشكيله بغباء العرب والمسلمين فيه. وبين كل هذا وذاك نجد من بني البشر من خلق فقط لتمزيق الأشياء الجميلة على هذا الكوكب، هناك مهندسي الحروب الذي تفننوا في قطع العلاقات بين الأمم وخلق النشاز وبعث الدمار والرعب في النفوس.
ما سبق من معاني بين السطور يوضح بشفافية مطلقة أزمة فقر الدم السياسى والمعرفى لدى النخب العربية بالمجمل الآن او مستقبلاً... فمثلاً: قام الشعب المصرى بثورة سلمية تعتبر من ارقى الثورات على مر التاريخ راح ضحيتها شهداء وجرحى بالمئات حتى خلع النظام. وفوضت الثورة المجلس العسكرى لادارة شؤون البلاد حتى يتم انتخاب رئيس مدنى جديد يحكم مصر ...ولكن للاسف ظن المجلس العسكرى الحاكم انه يحكم وليس يدير مصر. وبذلك نفهم المعنى الحقيقي لبكاء الناس في مثل هذه اللحظات العسيرة التي دفعت بهم للضياع والشرود والدخول في غياهب المجهول بضياع الأمن الحقيقي في مجتمعاتهم.
كسرت الجموع المقادة في شوارع العواصم والمدن حواجز الخوف، ومنحت الفرصة للناس بالتحدث في مسموحه وممنوعه بعد أن كانت الأغلبية ملتزمة بالصمت الرهيب لما يقع من حولها من مؤامرات ودسائس لا يعلم أحدا إلى أين يمكن أن تصل نتائجها الوضيعة والفظيعة على حياة البشرية.... فخرجت الأنظمة عن طورها لفجاعة ما لم تعتاده من شعوبها.... فهددت وتوعدت فلم ينفع النعير ولا النفير في جموع تجاوزت أقصى حدود الخطوط الحمر.... فهي منومة مغناطيسياً بفكرة الديمقراطية الغربية، الأضحوكة، ومغلفة أيضاً بالغيرة الرجولية وبالجاهلية العربية لا تراجع لا استسلام وإلا يا خزياه وسط العربان ممن أكملوا طريق اسقاط النظم الحاكمة.
وبهكذا ظروف يخرج للوجود من يقلع الغرس ويضرم النار في اليابس والأخضر، وبذلك يجد أكبر نشوة في الحياة بأعماله التخريبية التي نجح في القيام بها ضد كل الأعراف والقوانين السماوية والوضعية الموجودة في الدساتير الممنوحة عبر العالم لدى الأمم. وبدلاً من العمل على أولويات منهجية لتأسيس ديمقراطيات حقيقية, نجد أن هناك أحداث تدور دوائرها بالمنطقة هدفها إجهاض هذه الثورات وتحقير نتائجها, وإلهائها بأحداث جانبية ومصطنعة, تجعل الثورجيين يترحمون على الأوضاع التي كانت ما قبل الثورات, وربما تنادي بعودة الأنظمة المخلوعة وإيقاف الثورات التي لم تنجز بعد خلع حكامها, مثل الثورة السورية والثورة اليمنية.
التعليقات (0)