قبل أيام طالعت موضوعا لأحدى الزميلات المدونات بعنوان "في ذكرى أستقلال تونس وأحتلال العراق" وبالطبع من العنوان يمكن أن نستشف تفاصيل الموضوع فالموضوع يربط بين تاريخين متقاربين الأول هو ذكرى أستقلال تونس والثاني ذكرى أنطلاق عمليات تحرير العراق (أو أحتلاله حسب المدونة)..الموضوع في الحقيقة ليس هو السبب في موضوعي الحالي بقدر ماهو أحدى التعليقات الواردة في هذا الموضوع وهو من المدون محمد شحاته يتساءل فيه بتعجب عن سر عدم وجود مقاومة في العراق وأتجاه الكل الى العملية الأنتخابية..
رغم نيل كافة البلدان العربية لأستقلالها منذ فترات طويلة إلا أن هذه البلدان جميعها لم تحقق ماكانت ترتجيه من نيل الأستقلال والتمتع بالسيادة بل أستطيع القول أنها لم تستطع تحقيق 10%من أحلامها التي نسجتها أبان فترات مقاومة الأحتلال فلا هي تمتعت بثرواتها الوطنية ولا عاشت الرخاء الموعود بعد طرد المستعمر المتهم بنهب ثروات البلد ولا تمتعت شعوبها بالحرية التي ساءت أحوالها بعد مجئ الأنظمة الثورية حيث أختفت المظاهرات والأضرابات والصحف المعارضة وحتى التنظيمات السرية التي تمكنت السلطات ببطشها من الغاء وجودها أو تهميشها بشكل كبير..كل تلك الأحباطات تحولت الى رغبة في العودة الى الأستعمار ولما كان مستحيلا أن يعود الأستعمار الى بلداننا بدأت أعداد كبيرة من أفراد هذه المجتمعات بالهجرة الى البلدان المستعمرة لتجد فيها ما منت به نفسها أيام الكفاح أو بعضه..
في الحقيقة لم يكن الأستقلال الذي نالته بلداننا أستقلالا حقيقيا فهي بقيت معتمدة على الآخرين في تسليح جيوشها (أو حتى حمايتها بشكل كامل) وفي أطعام شعوبها وتوفير أحتياجاتها الأساسية لكن هذا ليس ايضا السبب الأساس للفشل الذي نعانيه..ينبع الفشل برأيي من أن الأستقلال ظل محصورا بقمة الهرم السيادي فيما ظل المواطن نفسه خاضعا للسلطة فاقدا للأستقلالية أمامها..فتحول المواطن الى عبد للسلطة وتبخرت كل آماله وأحلامه وتحولت أحتفالات الأستقلال الى مناسبات لتمجيد الحاكم والأشادة بدوره المحوري في تحرير البلد وتخليصه من الأستعمار حتى وأن ولد بعد رحيل الأستعمار بسنوات..وأستسلم المواطن في الغالب للأمر الواقع ليجد نفسه أمام خيارين تجرع الظلم وتحمل العيش في ظل سلطة الأستعباد أو الهجرة وترك كل الآمال والطموحات القديمة خلف ظهره..فلم يكن هناك من طريق آخر..أو هكذا تصور الجميع حتى حانت تلك اللحظة..
تفاجأ الجميع بنظام البعث الدكتاتوري في العراق يتهاوى بسرعة..كانت القوات الأمريكية تتقدم بسرعة كأنها تسير في داخل الولايات المتحدة ذهل العرب من أنعدام المقاومة تقريبا..ولم يجدوا تفسيرا للأمر..لكنهم لم يشاؤوا التصديق فمنوا النفس بمعركة بغداد التي لم تتحقق أيضا وتوهموا بعد ذلك حصول مقاومة في العراق ومن أجل ذلك تخيلوا الأرهاب الأعمى مقاومة ومنجزا لكنهم بعد ذلك فوجئوا بتراجع هذا المشروع أيضا وظهور بوادر أنكساره ولتتوج تلك الصدمات بالمشاركة الواسعة للعراقيين بالأنتخابات والتي عبرت عن أيمان الناس بالعملية السياسية الجارية (رغم كل ملاحظاتها السلبية على بعض الوجوه فيها)..
قد تحتفل تونس بأستقلالها هذه الأيام لكن العراقيون يحتفلون بحريتهم..أنهم يحتفلون بأصواتهم التي تستطيع أن تصنع فرقا في مستقبل البلاد..أنهم يحتفلون بقدرتهم على تغيير مسؤول والأتيان بغيره..
العراقيون هذه المرة أستوعبوا الدرس وعرفوا أن بناء الأنسان قبل بناء الأوطان..فليس الوطن من يبني أبناءه لكن الأبناء يبنون أوطانهم ويعمرونها...أو يخربوها..
لقد تيقن العراقيون أن لاجدوى من البناء الضخم أن لم تكن لبناته صالحة..
تتحدث الزميلة المدونة بأستغراب عن سر أهتمام العراقيين بالحملات الأنتخابية والعرس العراقي الأنتخابي والذي تعتقد المدونة أنه مؤامرة لألهاء العراقيين عن الذكرى السابعة (لأحتلال العراق) أذ أن السيادة والأستقلال تأتي بحسب الزميلة (ومعظم المعلقين) قبل الحرية والديمقراطية وهنا لابد لنا أن نتسائل من سيقود البلاد أثناء المرحلة الأنتقالية أن لم تكن هناك أنتخابات؟؟
هذا أولا وثانيا القوات الأمريكية اليوم في العراق باقية بطلب من الحكومة العراقية ووفق معاهدة دولية صادق عليها الجانبان..أي أنها موجودة في العراق كما تتواجد في قطر والكويت والبحرين والجزائر والمانيا واليابان وكوريا الجنوبية و عدد آخر من بلدان العالم التي لا يطعن أحد في سيادتها وأستقلالها لوجود الأمريكان على أراضيها..
سيدتي لقد جربت شعوب العالم الثالث الثورات والكفاح ضد الأستعمار ولم يقدها ذلك إلا الى المصائب والويلات والوقوع في براثن الدكتاتوريات..لماذا أذن لانبني ديمقراطية ونرسخها تحت المظلة الأمريكية(كما فعل اليابانيون والألمان والكوريون والتايوانيون) لكي نطمئن أن لا أحد يستطيع بعد ذلك الزيغان عن طريقها؟؟
القادة العرب سيدتي يفهمون السيادة بعيدا عن المفاهيم السياسية والرسمية..السيادة برأيهم مستقاة من مفهوم السيد والعبد وبذلك عندما تنال دولة سيادتها فأن حاكمها يصبح سيدا على كل أبناء الشعب الذين يصبحون عبيدا له..تلك السيادة لن ترف رايتها على العراق مجددا..
أكثر ما لفت أنتباهي في موضوع الزميلة المدونة هو تعليق لأحد الزملاء المدونين يثير فيه أسئلة مهمة يجهل البعيدون عن الشأن العراقي أجوبتها..
أهم تلك الأسئلة هو السر في عدم القيام بعمليات ضد القوات الأمريكية وتقديم أولوية العمل الداخلي السياسي على العمل العسكري لأخراج (المستعمر) وهنا يجب أن نوضح من جديد أن العراقيين لايعتبرون الوجود الأجنبي أحتلالا ولايعتبرونه خطرا عليهم..حتى من أرتأى في البداية حمل السلاح عدل عن قراره فينا بعد لأنه وجد أنه بسلوكه هذا الطرب سوف لن ينفع الا قوى الأرهاب والظلام لذلك شيئا فشيئا أنحسر الأرهابيون عن العراق وهنا لابد من تذكير الأخوة أن ماجرى في الأنتخابات دليل قاطع على أن أعمال اعنف بمجملها كانت أرهابا عابرا للحدود وليس مقاومة عراقية كما كان الأعلام يروج وما أن أنحسر نفوذ الأرهابيين الأجانب حتى مال الوضع الى الهدوء والأستقرار (ولو نسبيا)..وبهذا الأنحسار أتيح للعراقيين بمختلف أنتماءاتهم المشاركة في العرس البنفسجي حتى أن محافظات كالأنبار ونينوى سجلت أرقام أقبال أعلى من نظيراتها في الجنوب وذلك دليل آخر واضح على أن العراقيين قد ملوا قرقعة السلاح وأصوات القنابل وآثروا أن يبنوا وطنهم بهدوء وبالأستفادة من دعم الأمريكان الذين يتكالب الآخرون على كسب ودهم فيما نطالب نحن بمعاداتهم..
للمرة الأخيرة نقولها أن تحرير البشر قبل تحرير الأوطان..
قد يحتفل العرب بأيام أستقلال دولهم..لكننا نطمح الى اليوم الذي يحتفلون فيه بحريتهم وبأستقلالية آرائهم من دون أن يفرض عليهم هذا الطرف أو ذاك آراؤه وأفكاره..
أما في العراق فأننا نحتفل اليوم بحريتنا وديمقراطيتنا الوليدة وعندما سنحتفل بأستكمال بناء دولتنا سيكون لأحتفالنا طعم آخر عن باقي أحتفالات العرب..لأننا حينها سنحس أنه أحتفالنا نحن وليس أحتفال السلطة..سنحتفل من قلوبنا لأنه أحتفال فيه لذة الأنجاز المزدوج,,بناء المواطن..والوطن الذي بناه المواطن وليس الزعيم الأوحد..
التعليقات (0)