بين المقترحات الكارترية و الردود البشيرية !
بقلم / الزبير محمد علي
كُنا قد كتبنا في مقالنا الإسبوع الماضي عن قضية الإنتخابات والتحديات التي تواجهها ، وخلصنا إلي أن الظروف الحالية التي يمر بها السودان لا تسمح بقيام الإنتخابات لعدة إعتبارات أهمها :
· إنخفاض مستوي التثقيف الإنتخابي للمواطنيين لا سيما وأن الإنتخابات المقبلة مُعقدة بشهادة الجميع .
· عدم التوصل إلي إتفاق يُفضي إلي حل مشكلة دارفور .
· وجود قضايا عالقة بين الشريكين لم تُحل بعد ؛ هذه القضايا تجعل من عملية التاجيل أهميةً قصوي ؛ وهذا هو الذي دعت إليه الحكومة المصرية عندما إقترحت مبادرة تحدثت فيها صراحة عن ضرورة تأجيل الإنتخابات التشريعية إلي وقتٍ آخر مع الإلتزام بقيام الانتخابات علي المستوي التنفيذي فقط .
· هناك حاجة الي قليل من الوقت لإستثماره في مخاطبة زعماء القبائل الجنوبية إحتواءاً للتوتر الذي قد ينجُم عن الصراعات القبلية في جنوب السودان ؛ وهذا سيؤثر في عملية الإنتخابات وسلامتها.
· عدم إستقلالية المفوضية القومية للانتخابات وفقدان الثقة في حياديتها ونزاهتها . إن استمرار نهجها الحالي سوف يفتح أبواب الجحيم علي الساحة السياسية السودانية بعد نتائج الانتخابات .
لقد كان المجتمع الدولي في الماضي حريصاً علي إجراء الانتخابات في وقتها المحدد ، رافضاً لأي حديث عن تأجيل الانتخابات ، بحجة أن مثل هذا النوع من الإجراء سوف يفتح الأبواب مشرعةً أمام إحتمالات تأجيل موعد الإستفتاء علي تقرير المصير لجنوب السودان في يناير القادم .
ولكن ما الذي بدل هذا الموقف ؟ وما هي المبررات التي جعلت مركز كارتر يتحدث بوضوح عن ضرورة تأجيل الإنتخابات ؟
لقد ساق مركز كارتر مبررات موضوعية حول عملية التاجيل ؛ أهم تلك المبررات هي :
· غياب مئات الألاف من الاسماء عن قوائم الناخبين .
· إستعدادات المفوضية للعملية الانتخابية متأخرة .
· القائمة النهائية للناخبين لم تُجهز بعد لا سيما وأن الفاصل الزمني بيننا وبين الإنتخابات أقل من عشرون يوماً .
· وجود تحديات سياسية في التجهيز والاعداد للإنتخابات المقبلة .
إن المنطق يقول أن الرد علي هذا النوع من المبررات يحتاج الي قراءة واعية ومتأنية ، قراءة تدفع الحجة بالحجة ، وتدمغ المنطق بمثله.
ولكن الله أبتلي أهل السودان برئيس يتعامل مع رأي العقلاء بلغة الملجة والأسواق! ؛ حيث قال رداً علي حديث المراقبين الدوليين عن تأجيل الإنتخابات : ( إذا طلبت المنظمات الدولية تأجيل الانتخابات فسوف نطردهم من السودان ) وأضاف قائلاً : ( نحن نُريد من المراقبين أن يرصدوا حرية الإنتخابات ونزاهتها ، لكن إذا تدخلوا في شئون البلاد الداخلية فستقطع الخرطوم دابرهم وتطأهم بالأقدام وتطردهم ) .
وحسناً فعل مركز كارتر عندما رفض التعليق علي مثل هذه التصريحات حتي يتمكنوا من قراءة كلمة البشير بدراسة وتأني .
إن رد الرئيس البشير علي مبررات المراقبين الدوليين هو ردُ فيه نوعٌ من الأستخفاف وعدم الحصافة ، إستخفاف ناتج ربما عن ثلاثة أشياء :
· أن البشيريقول قبل أن يُفكَر، ويتخذ المواقف قبل أن يدرسها ؛ وهذا المسلك وضح في عدد من المواقف أبرزها عملية طرد المنظمات الدولية من دارفور بعد قرار المدعي العام للمحكة الجنائية الدولية .
· أنه علي جهل بالمبررات التي ساقها المراقبين الدوليين حول تأجيل العملية الانتخابية .
· أنه علي علم بهذه المبررات ، ولكنه يعمل علي تبييت النية تمهيداً لإدخال وسائل غير مشروعة في العملية الإنتخابية المقبلة .
وفي إتجاه آخر قالت المفوضية القومية للإنتخابات في ردها علي تقرير مركز كارتر : ( إن الحديث عن تأجيل الانتخابات من عدمه لا يدخل ضمن التفويض الممنوح للمراقبين ) .
إننا نقول وبوضوح تام أن هناك حزمة من القضايا إذا لم يتم حسمها ؛ فإن الإنتخابات سوف تفقد مقاصدها ، وسوف تكون بمثابة إضفاء صبغة شرعية لتمديد عمر النظام الحالي ، كما أن المفوضية أصبحت وبما لا يدع مجالاً للريب مساهمة بصورة أساسية في تلغيم المناخ السياسي قبل إجراء الإنتخابات .
إن سحب المفوضية للعطاء الأوكراني الذي التزم بطباعة بطاقات الناخبين بمبلغ 800 ألف دولار وإعطائه لمطبعة سك العملة التي إلتزمت بطباعته بمبلغ 4 مليون دولارهو أكبر دليل علي فساد ذمة المفوضية ؛ ذلك أن المدير الحالي لمطبعة سك العملة محمد الحسن الباهي هو عضو سابق في جهاز الامن الوطني ، وقد عمل أيضاً مديراً لمصنع جياد ؛ فكيف لمفوضية مستقلة ومحايدة أن تُسلم مثل هذه الملفات الحساسة لجهات غارقة في الحزبية مائة بالمائة ؟ .
إن مثل هذا السلوك يُبين حجم الفساد الإداري والقيَمي لمفوضية أُنيط بها إدارة العملية الإنتخابية بصورة محايدة ، ولكن كما هو واضح الآن فإن المفوضية قد إبتعدت عن النزاهة بُعد المشرقين .
ولهذا فإن إجراء الإنتخابات في ظل وجود هذا النظام وبتركيبته الحالية يعُد إنتحاراً سياسياً للأحزاب المعارضة ، لذلك لا بد من تأجيل الإنتخابات حتي نتمكن من الإطمئنان علي نزاهتها ولا يأتي هذا إلا في ظل حكومة قومية .
صحيفة صوت الأمة
التعليقات (0)