د . أزهار رحيم
ــــــــــــــــــــــ
عدوت بكل ما املك من أمل وطاقة ووجع لاحتضن ثلاثة أشقاء تركتهم لي والدتي مودعة إيانا للعالم الاخر " هكذا بدأت حديثها .. بعد أن استرقت السمع لكلامنا ونحن نتحدث بدهشة عن كم الخدمات التي تقدمها شبكة الانترنت .. ونحن جالسون أمام الشاشة..
فقدت أشقاءها الثلاثة بعد رفضهم المشاركة في حرب الخليج الأولى ولجوئهم الى بيت احد الأقرباء في ضواحي بغداد للاختباء بعيدا عن عيون مفارز الأمن، التي كانت تصر على استيفاء نقود الرصاصة من أهالي المعدومين رميا بالرصاص من الذين يرفضون المشاركة في تلك الحرب، حيث كان كلا الطرفين يتفاخر بالانتصار فيها.
قيل لها .. أن احد معارفهم ابلغ سلطات الديكتاتور عن مكان وجودهم.. وبعد ثلاثة أيام من اعتقالهم، اختفت أسماؤهم من كل ملفات الشرطة والأمن، وطمر كل اثر لهم، وبعد سقوط النظام توصلت الأخت الى معرفة مصيرهم عن طريقة جمعية السجناء السياسيين ورفضوا ان يسلموا لها ملف القضية خوفا من إشاعة مبدأ الانتقام بدلا من اللجوء للقانون للاقتصاص من المسئولين عن اختفاء وإعدام الكثيرين، بسبب الوشايات واختلاق التهم للأبرياء.. فعلت كل شيء للحصول على الملف لمعرفة اسم الواشي الذي كان السبب في إعدام أشقائها فلم تفلح.. أرادت ن تطفئ سنوات الحزن والدمع بالانتقام من الذي حرم عائلتها من ذكورها، وكل أقربائها يتهيئون للاقتصاص من الواشي بعد ان أكلهم الشك لسنوات طويلة بثلاثة أشخاص وينتظرون فقط التأكد من كون احدهم هو الواشي ليعاقب بطريقة (من قتل يقتل).. طلبت منا بإلحاح وتوسل بعد أن أعطتنا أسماء أشقائها وتاريخ اعتقالهم وإعدامهم، فربما نوفق بالحصول على الملف عن طريق الانترنت كما تراءى لها.. تلك السيدة ومئات مثلها لم تنطفئ جذوة نار اللوعة والقهر في قلوبهم، ما دام الذين تسببوا في حرمانهم من أحبائهم طلقاء ينعمون بحياتهم والكثير منهم عادوا الى وظائفهم في سلك الأمن والمخابرات ودوائر الدولة الأخرى حتى ان بعضهم تسلم مناصب عليا بحجة الاستفادة من خبراتهم السابقة لبناء عراق جديد.. ينعمون برواتب مجزية.. وبدءوا باستقدام رفاقهم السابقين حاملين معهم نفس أخلاقيات العهد البائد المتهرئة من الرشوة والفساد والانحراف.. فعلوا المستحيل ولبسوا ثوب الحمل الوديع وخبئوا أنيابهم خلف سحابة الندم والاستسلام على وجوههم.. عادوا لوظائفهم والآلاف ممن كانوا يفترشون أرصفة الشوارع كباعة ومازالوا، وركنوا شهادات تخرجهم الجامعية معلقة على الجدران تبكي سنوات السهر والجد في ليالي الامتحانات.. وآخرون يطرفون أبواب الوزارات يستجدون الوظائف.. وما زال الكثيرون ينظرون بوجع كسير وهو يراقبون من تسبب بإعدام واختفاء أحبائهم يعود لممارسة حياته كأن ما كان لم يكن.. ويتساءلون متى تقتص العدالة من الجناة حتى ان بعضهم يأس منها، فعمل على ان يكون هو القاضي والسياف فيحكم وينفذ العقب وهو بعض مما نراه في عمليات اقتصاص هنا وهناك ..
بين العتمة والضوء خيط رفيع فلنحرص على عدم شده حتى لا ينقطع فنغرق في الظلمة..
كاتبه وصحفية عراقية
التعليقات (0)