بين السياسة والاقتصاد
26 سبتمبر (149) 1/8/1985م
كنت حتى وقت قريب عند قناعة شخصية بأن للسياسة ثوابتها ومتغيراتها ونواميسها في حين يكون للاقتصاد خصوصياته ومداخلاته السياسية على نحو لا يفقده الطابع الاقتصادي البحت..
لكني آثرت الانعمال مع قناعة أو بالأصح قناعات أخرى مؤداها غياب أي فارق بين السياسة والاقتصاد إذ لا سياسة بمعزل عن الاقتصاد تماماً أي كما هو الحال في عكس ذلك..
حدث هذا عندما التقيت –صحفياً- بالأخوة أعضاء اللجنة الدائمة سيما الأخوين عبد السلام العنسي وعبد الحميد الحدي –أمانة سر اللجنة الدائمة- حيث أكد حقيقة تكامل شامل بين السياسة والاقتصاد ونفياً أي فارق بينهما..
وقد يكون سؤالاً فضاً..
هل يؤكد الواقع عملياً مثل هذه الآراء..؟ وهل تستند الآراء على وجاهتها أو قصورها إلى عينات ومشاهد عملية واقعية تضع الرأي في نصاب الحقيقة..!!
قد لا ندرك ذلك نتيجة لسوء الفهم أو للخطأ في تناول المعطيات وجس النبض وتجديد مكامن السوء لكن الواقع عبر تناول بعض عيناته يطرح مؤشراته لتأكيد حالة التناقض الفوضوي بين السياسية والاقتصاد..
ففي الوقت الذي تنتهج بلادنا سياسة داخلية وعربية ودولية غاية في المرونة والحكمة. في ذات الوقت تتدنى مستويات الممارسة الاقتصادية..
ففي سياستنا العربية والعالمية ستجد أنها تقوم على ثوابت منها الالتزام بسياسة الحياد وعدم الانحياز واحترام الآخرين وعدم التدخل في شئونهم كما هو الحال بالنسبة لما يمت بقضايانا وشئوننا السياسية وعلى الصعيد الداخل لا شك في منطقية السياسة الداخلية التي لا تقوم على أسس من الروابط الحميمة بين القيادة من جهة والشعب من جهة أخرى..
كما أن الممارسة الديمقراطية في أرقى أشكالها أدت إلى تعزيز مواقع التكامل السياسي بين القيادة والشعب..
ولقد مثلت العملية الانتخابية لتوسيع قاعدة المؤتمر الشعبي العام وانتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني مثلت بعداً وطنياً جديداً يعنكس في نزاهة الانتخابات وخلوها من أي شوائب أو ضغوط أو قوائم سوداء أم صفراء أم بيضاء.. فالحق الانتخابي مكفول لكل أبناء الشعب ولا حظر على أحد مهما كان من ممارسة حقه.
هذه نبذة وجيزة تتبلور خلالها معطيات الفرادة في الممارسة السياسية لبلادنا.
فهل يتعين علينا عمل مقارنة بين اليقظة السياسية وبين الأوضاع الاقتصادية في بلادنا.
قد يكون من غير العقل أخذ تصور عن الاقتصاد محلياً في معزل عن الظرف الاقتصادي الدولي.. لكن بعض الخصائص والمميزات الرئيسية في خصوصية المشكل الاقتصادي اليمني تدفعنا إلى التوقف أمامها بشكل محرج لكنه غاية في الأهمية..
إننا لن نتحدث عن ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة العملات الأخرى ومن بينها الريال اليمني. لن نتحدث حول هذا الجانب لمعرفتنا بأن من بين الأسباب المؤدية إلى ارتفاع سعر الدولار عدد من قضايا الاقتصاد العالمي..
ما نود الحديث عنه هو علاقة المنتجات الزراعية المحلية بارتفاع أو انخفاض سعر الدولار..؟
وهل يمكن اعتبار حبات المانجو المحلي أو البلس أو الخيار المحليين جزءاً من الأزمة الاقتصادية العالمية..
هذه إطلالة متواضعة لبحث ودراسة بعض العينات الداخلية التي تدلل على تردي الحالة الاقتصادية..
لقد كانت الدعوة إلى قيام نهضة صناعية دعوة قديمة يقترن تاريخ إطلاقها بتاريخ الثورة.. وصاحب ذلك "مؤخراً" الدعوة لوجود منطلقات وطنية لدور الرأسمال الوطني بصدد توجيهه وحسن توظيفه وقيامه بدوره إسهاماً في تسريع النمو الاقتصادي الصناعي والانتاجي..
غير أن الرأسمال الوطني لم يثبت قدرته على فهم مسئولياته ودوره الكبير غير أنه فهم من الدعوة لمشاركته على أنها مناسبة للإثراء السريع وللكسب بطرق منافية لمصلحة الوطن الاقتصادية..
وعلى سبيل المثال أخذ التنافس ذروته بين أصحاب الثروة وفي مجال واحد.. قيام عدد كبير من مصانع المياه المعدنية.. ولعل الناس قد علقوا على التنافس بعض الآمال لأن التنافس في إنتاج أي سلعة تجارية يعطي أثره في شكل إيجابي لصالح المستهلك فتوفر السلعة يؤدي إلى انخفاض سعرها لكن المعايير الأخلاقية للتجارة في بلادنا تتصدع وتنهار نظراً لأزمة حادة في الضمير..
فوجود أكثر من عشرة مصانع للمياه المعدنية لم يؤثر إيجاباً في مستوى المبيعات للمستهلك بل على العكس من ذلك ارتفع سعر القارورة الصغيرة للمياه المعدنية بحيث لم يعد ثمة فارق بين سعر البترول المستورد وسعر المياه المعدنية..؟
وكذلك الأمر بالنسبة للمشروبات الغازية وبمبرر الدولار ارتفعت مجدداً أسعار المياه المعدنية دون أن يدرك أحد بأن هذه المصانع تقوم باستنزال المخزون الضئيل من المياه الجوفية التي تعتبر ثروة قومية يملكها كل مواطن.
والحقيقة أننا كمجتمع نام لا نرى ضرورة في إغراق السوق بالمزيد من السلع الغير أساسية بل أننا بحاجة إلى تحديد موقف صارم من تفشي القيم الاستهلاكية في مجتمع يحس بالحرمان من وسائل التكنولوجيا الترفيهية.
فإذا كانت الحكومة قد أعلنت عن سياسة ترشيد الاستهلاك والحد من الاستيراد فما هي الحكمة من الاستمرار في استيراد السجائر الروثمان مثلاً التي وصل سعر "العلبة" الواحدة حالياً إلى 6 ريالات يمنية.. أو غيرها من السلع التي نستطيع أن نعيش بدونها. وأن نعيش أيضاً عشية فضلى تشعرنا بآدميتنا وأننا معها لن نفقد ذرة من كرامتنا.
إننا لنلاحظ أن الاقتصاد في بلادنا لا يسير متناغماً مع مجمل النجاحات والقفزات التي تحققت لبلادنا في مختلف الصعد الأخرى.
وقد باتت ضرورة صارخة أن نواجه الضغوط الاقتصادية برباط جأش وأن نضع حداً لأبشع عملية استنزاف اقتصادي تشهده الساحة..
التعليقات (0)