بين السلة العربية و الزلة العربية.
يستأثر الشأن السوداني باهتمام إعلامي كبير مع اقتراب موعد الإستفتاء الذي يعتزم الجنوبيون إجراءه خلال شهر يناير المقبل ، و الذي سيختارون بموجبه بين البقاء تحت راية السودان أو الإنفصال وتكوين دولة مستقلة.
يحلو للكثيرين أن يطلقوا على السودان اسم " السلة العربية " في إشارة إلى الأراضي الفلاحية الشاسعة الصالحة للزراعة في هذا البلد الذي يخترقه نهر النيل من جنوبه إلى شماله. و يقول خبراء الإقتصاد إن استغلال تلك الأراضي بشكل صحيح من شأنه أن يوفر الإكتفاء الذاتي للعرب في عدد من المنتوجات الفلاحية و على رأسها الحبوب.لذلك فإن هذا البلد و اعتبارا لموارده الطبيعية المهمة مؤهل ليكون من بين الدول الغنية في المنطقة، لكن الحال ليس كذلك تماما. و مشكلة دارفور تحديدا تكشف عن واقع اجتماعي صعب يشعر معه الجنوبيون بالغبن. لذلك فإن الذين يحذرون من مخططات أجنبية لتقسيم السودان، إنما يمارسون هوايتهم المفضلة في شيطنة الآخر، واتهامه بزرع الفتنة و تفتيت الأخوة العربية. و الواقع أن هذا المفهوم يثير الضحك حقا. فأية أخوة عربية يتحدث عنها هؤلاء؟. و ماذا فعل العرب أنفسهم لحماية السودان من مكائد الكائدين؟.
إن المشكلة الحقيقية في السودان تكمن في السياسات المتبعة. و في بلد يتميز بفسفسائية إثنية و تنوع عرقي و ديني، يشعر كثير من الجنوبيين بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لأنهم " عرب بالإلحاق". لذلك كان من الطبيعي أن تبدي بعض الفصائل مقاومة و ممانعة تحولت إلى حرب أهلية و مواجهات عسكرية بين الحكومة السودانية و " الجبهة الشعبية لتحرير السودان " بقيادة " جون قرنق " الذي لقي حتفه في ظروف غامضة بعد بضعة أسابيع من إنهاء القتال بين الطرفين و توقيع الإتفاق الذي يضم في أحد بنوده نقطة تتعلق بالإستفتاء المنتظر. لكن اتفاق و قف إطلاق النار و تولي قرنق و بعده " سيلفا كير " مهمة نائب الرئيس في الحكومة السودانية لم يغير الكثير في الواقع المعيشي للجنوبيين. و ظلت الخلافات تطفو باستمرار إلى السطح. لذلك فإن السؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو: ماذا تحقق في الجنوب منذ اتفاق 2005.؟. و ماهي طبيعة البرامج التنموية هناك؟. و الحقيقة أن مفهوم التنمية لا يوجد إلا على الورق. و آخر مستجدات الموضوع جاءت من الجامعة العربية التي أعلنت تأجيل عقد مؤتمر لتنمية جنوب السودان كان من مقررا الشهر المقبل بالبحرين إلى مابعد إجراء الإستفتاء. و لا نحتاج لكثير من الفراسة لفهم أسباب التأجيل، فالعرب يريدون معرفة نتائج هذا الإستفتاء أولا. ثم بعد ذلك سيعملون بقاعدة " لكل حادث حديث".
إستفتاء الجنوبيين يضع المنطقة على صفيح ساخن، ويهدد بحروب طاحنة بين الفرقاء المتصارعين على النفوذين السياسي و الإقتصادي في الجنوب. و الخاسر الأكبر هو المواطن البسيط الذي لا يجد لقمة العيش في جزء من بلد كان من المفترض أن يكون سلة للغذاء فأصبح سلة لزلات السياسات العربية. محمد مغوتي19/10/2010.
التعليقات (0)