كان دخولي إلى النت أول مرة بدافع الهروب من المحيط الذي يكون خانقا أحيانا بل ولا يُطاق .. فأصبحت أقضي الساعات الطوال أمام الكمبيوتر ، ولا أفارقه إلا لضرورياتي القصوى وواجباتي .. وأحيانا أنسلخ عن حيزي المكاني ، فتجدني أضمحل في غمرة اللاحدود واللازمان .. وكل ذلك لما وجدته من متنفس ربما هو لأفكاري أكثر منه لأشياء أخرى ، لأن محيطي يفتقر إلى الآليات العملية لإشباعي معارفيا ، ولصقل مواهبي التعبيرية خصوصا ، ولإغنائي عن العالم من حولي فكريا وحضاريا ؟! ..
ضمني العالم الجديد ، واحتضن أفكاري ليس بتأييدها في المطلق ، ولا حتى بنسب ضئيلة ، بل لأنه أتاح لي حيزا واسعا من الديمقراطية والشفافية ، وأظلني بسقف عالٍ من الحرية .. كما أنه عرّفني على أشخاص لم أصافحهم بيداي بل بقلبي ، ومجرد تبادل الأحاديث والحوارات معهم جعلتهم جزءا من حياتي ومن تفكيري حتى ولو كنت بعيدا عن جهاز الكمبيوتر ! ..
العالم الإفتراضي شاسعٌ لكنه أكثر إزدحاما من العالم الحقيقي ، لأن الكل هنا يعبر عن آرائه ومعتقداته ، بل إن العالم الإفتراضي يتيح آلاف الفرص للتعبير عن أتفه الآراء والأفكار التي لا نعبّر عنها في عوالمنا الحقيقية لأسباب كثيرة ، منها إما الخوف من أن لا يفهمنا الآخر ، وإما لأنه لايوجد من يستمع إلينا أصلا ، وإما خوفا من القمع ، وإما لسياسات التكميم المُمارسة علينا ، وإما ... ويطول الحديث عن ال (إما) ، لذا سنتجاوزها إلى الزحام الذي الذي يجعلنا نتدافع لإسماع أصواتنا وكأن لاصوت يعلو فوقها ، فيعم الضجيج ، وتتعب الأعصاب بل وتنهار أحيانا ، فنركن إلى الإبتعاد ، إما لأخذ قسط من الراحة ، وإما للإلتفات إلى زحام الواقع في سبيل تحقيق نجاحات ملموسة وواقعية ، هي مادية أكثر منها فكرية أو حتى ثقافية ، في محاولات مستميتة للتوفيق بين العالمين : عالم الفكر وعالم المادة ؟! ..
هكذا نبتعد ، وهكذا أيضا نعود ونلتقي بكل من نعرفهم بأصواتهم وبكلماتهم ، وبآرائهم ، وبمعتقداتهم ، فنتفق معهم أحيانا ، ونختلف معهم أحيانا أخرى ، لكننا ورغم إختلافاتنا نشتاق إليهم حين نكون بعيدين عن هذه الأجواء ؟! ..
تحية عطرة مني إلى كل الإخوة المدونين ، والإخوة القراء ، وإلى كل من سأل عني أثناء غيابي عن منزلي الحبيب الثاني مدونات إيلاف ، ورجائي أن يكون الجميع بخير وصحة وعافية .
ـــــــــ
تاج الديــن : 12 ـ 2010
التعليقات (0)