خلف المفتاح
الأزمة السورية التي استمرت لأشهر متساوقة مع ما مر من أزمات شهدتها المنطقة العربية وعصفت بأنظمة وما رافق ذلك من أحداث واحتجاجات وحراك اختلف الكثيرون في توصيفه وتكييفه وهذا متروك لتداعياته المستقبلية والمسارات التي يسير على وفقها، تلك الأزمة تمايزت عن غيرها بأنها اتخذت بعداً إقليمياً ودولياً واسعاً وغير مسبوق، فعلى الرغم من السعي المحموم لبعض القوى الوازنة للدفع بها إلى المنصات الدولية لتكون عامل ضغط على القيادة السورية بهدف ابتزازها سياسياً ودفعها لقبول مطالب ما يسمى المعارضة الخارجية المتمثلة بتغيير النظام لتكون البديل عنه وهو ما كان مصيره الفشل فإن اللافت أن القيادة السورية ومن خلال حسن إدارتها لملفات الأزمة الخارجية وحسن تقديرها لوزن القوى المؤثرة فيها وقدرتها على الإمساك بخيوطها وقراءة المشهد الدولي والإقليمي بنقاط قوته وضعفه نجحت بأن تجعل منها قضية دولية لا مدولة انطلاقاً من موقع سورية في الجغرافية السياسية وتأثيرها الحقيقي والفاعل في أحداث المنطقة وإحداثياتها وهذا ما وضع الأزمة في إطارها و وزنها الحقيقي كصراع بين قوى لها مشاريعها واستراتيجياتها أرادت أن تُستثمر في الأزمة السورية وحراكها الشعبي لتحقق من خلالها ما عجزت عنه عبر استخدامها لكل أشكال الضغط والابتزاز السياسي والعسكري والاقتصادي ولعقود خلت.
إن النجاح في جعل الأزمة السورية أزمة دولية أعطى الموقف السوري المزيد من القوة والمصداقية إن لجهة التكييف أو التوصيف أو لجهة إطار الحلول المطروحة واستشعار الخطر الذي يتهدد دول المنطقة والعالم جراء تداعياتها أو انعكاساتها وهو ما يفسر إلى حد بعيد كل هذا الحراك الذي وسم المشهد الإقليمي والدولي خلال خط سير الأزمة.
إن سعي بعض القوى الخارجية لتشخيص الأزمة على أنها داخلية بأسبابها ونتائجها في الوقت الذي تصر فيه على تدويل الحلول يدخلها في تناقض داخلي يكشف درجة تورطها فيها ومحاولتها الاستثمار في بعض جوانبها بهدف التصعيد والتوتير وصولاً لما تبتغيه من أهداف تتمثل فيما تطلق عليه إسقاط النظام الذي يشكل الهدف الأساسي لها بعد أن عجزت في إسقاط سياساته التي لا تخدم استراتيجياتها ومشاريعها في المنطقة، وبالمقابل استطاعت الدبلوماسية السورية النشطة أن تكشف مبكراً درجة انخراط القوى الخارجية في الأزمة وتأثيرها الفاعل في مركباتها ودرجة إنخراط المعارضة اللاوطنية في سياقاتها وتماهيها اللافت مع تلك القوى إلى درجة أن بعض رموزها قد كشفوا مبكراً عن استراتيجياتهم السياسية المستقبلية حيث جاءت متطابقة تماماً مع ما هو مطلوب من سورية من ثمن سياسي تدفعه لتخرج من الأزمة من وجهة نظرهم. إن انتهاج سورية لدبلوماسية التروي وتجنب الوقوع في الشراك السياسية في معالجتها للأزمة مكنها من البقاء فاعلاً أساسياً في تحديد خطوط سيرها ومنعرجاتها وهذا ما يفسر كل هذا التوتر والصخب الإعلامي غير المسبوق الذي سيطر على تصريحات بعض أطراف المعارضة والقوى الحاضنة لها بعد توقيع سورية لبروتوكول عمل المراقبين مع الجامعة العربية، وهذا يؤكد إن الدبلوماسية السورية تسير في الاتجاه الصحيح.
وإلى جانب النجاح في جعل الأزمة دولية فإن عودة روسيا والصين لاعبين أساسيين في المنظمات الدولية وانتهاء عصر التبعية للإرادة الأميركية وبداية أفول النجم الأميركي الذي كان ساطعاً شكل بداية تحول حقيقي في قواعد اللعبة الدولية ما يبشر في دخول العالم عصراً جديداً يقوم على توازن المصالح وسيادة مبدأ الشرعية الدولية المنسجم مع قواعد القانون الدولي الذي يحترم سيادة الدول وحقها في الحفاظ على أمنها واستقرارها دون أي تهديد أو تدخل خارجي.
الثورة السورية
التعليقات (0)