يقال : لكل امرئ من اسمه نصيب ..
ويقال : كل إناء بما فيه ينضح ..
ومن المؤسف المخزي ، أن تكون كلمة " العربية " اسما ، ليس لمسمّاها منه ، أي نصيب ..
إن هذا المسمى " فضائية العربية " إناء صدئ ، مليء بالحقد والتعصب ، وينضح مما في أعماقه ، وينفث سموما قاتلة ، لكنها تتميز بأنها غير مغلفة بالعسل ولا بالسمن ولا بأي شيء آخر ، إنها نقيع من السم الخالص الذي جعل الشعب العربي السوري يسميها باسم تستحقه تماما ، وعن جدارة .. فهي بالنسبة لهم " الفضائية العبرية " ، ولو استبدلت اسمها بهذا ، لما كان من حقنا أن ننتقدها ، أو نوجه اللوم لها مهما تطرفت ، لأنها ستعامل ـ حينها ـ معاملة الإعلام المعادي .. وذلك شأن العداوة الدائم ..
أما مع اسمها الحالي ، فالأمر لا يستقيم أبدا .. وقد صار ينطبق عليها قول أشقائنا المصريين : " اللي اختشوا ماتوا " ..
واللافت : كيف ؟ ومن أين ؟ ولماذا كل هذا الحقد الذي لا ينال الآخرون ـ كل الآخرين ـ جزءا يسيرا ، بسيطا منه ؟؟!! فلو قسمنا ـ فرضا ـ ذلك الحقد حسب توزيعه من قبل أصحابه ، لوجدنا أن 95% منه يخصّون به سوريا وحلفاءها ، والبقية الباقية ، تتوزع على شرور العالم كله ، بكل ما فيه ، من أعداء وحروب وانتهاكات وأخطار وظلم واضطهاد ...
فهل حقا هي الأمور كذلك كما ترينا إياها هذه القناة " الموضوعية ، المهنية ، الناطقة بالعربية " ؟؟!!
من هنا ، سأمضي لتوصيف حالة خارجة عن السياق الخاص السابق ، لكنها ليست بعيدة عنه ..
فلقد دأبت قناة " العربية " الفضائية ، على اتخاذ موقف سلبي أقرب إلى العداوة والتشفي والتصيد من سورية كلها ..
فلا يعجبها منها العجب ، ولا الصيام في رجب .. ولو أشعلت أصابعها العشر .. ضاربة عرض الحائط بالمبدأ المهني الأهم في الإعلام ، حين لا يريد الإعلام أن يكون طرفا ، أو ، يريد أن ينأى بنفسه عن التزام وجهة نظر مسبقة محددة ، تخدم مشروعا سياسيا معينا ..
وإذا كانت قناة العربية تسمى في سوريا " بالعبرية " ، فإنها تستحق هذا الاسمَ وخصوصياته اللصيقة بفكرها ومهاتراتها وادعاءاتها وتحريضها الدائم ، على كل توجُّهٍ وطني أو قومي ، ولاسيما إذا كان معاديا للصهاينة وللمشروع الأمريكي المهزوم المتداعي في المنطقة ..
وقد باتت " العربية " على يمين قنوات العدو ، والقنوات الأمريكية التي ولدت بعد احتلالهم العراق ، في تبنيها للأفكار الشاذة عن قضايانا الوطنية ، جهرا ، وفي الترويج للأفكار التي تنال من تلك القضايا ، وتنحاز بشكل سافر وواضح للأعداء دوما ..
(( " ربما أستطيع أن أستثني من ذلك ، تغطيتها لثورة مصر ، وهذه تحسب لها ، لا غير " ..
" وهنا ، ربما ينبلق عليّ أحد الموظفين المعلقين الدائمين ، ليقول : إنني أناقض نفسي بنفسي .. وكأنه لا يريد أن نعترف للقناة المذكورة بأي فضيلة على الإطلاق " )) .. لا بأس ..
أما الأمثلة ، فكثيرة جدا ..
1 ـ فمنذ تأسيسها ، كانت " العربية " البوق الأمريكي الناعق في المنطقة ، الذي مهّد لغزو العراق وتدميره ، وبشّر " بالديمقراطية الأمريكية وبالأمن والسلم " اللذين " سينعم العراق " بها بعد إسقاط نظامه ..
وتصديقا على تلك المزاعم ، هذا هو العراق الآن يرفل ويتبختر بتلك " الديمقراطية الأخاذة ، ساحرة الألباب " ..
2 ـ وانحازت " العربية الساحرة " إلى تيار 14/آذار في لبنان بعد مقتل الحريري ، وشنت على سورية حملة مسعورة شعواء ، متناغمة في ذلك مع الحملات الأمريكية الصهيونية ، التي اتهمت سوريا باغتيال الحريري .. " وتبين فيما بعد ـ بقدرة قادر أحد ـ أن سورية بريئة ، وأن المتهم حزب الله ..
3 ـ وحين شن الصهاينة عدوانهم على لبنان صيف 2006 ، لم تترك القناة " إياها " سترا مغطى على المقاومة وقيادتها ، لأنها " ورّطت لبنان ، وتصرفت لوحدها بقرار الحرب " ، حسبما كان التيار الأمريكي يروّج ويسوق لمشروع " الشرق الأوسخ الجديد " في المنطقة ..
4 ـ ولم تنس القناة أن تطنطن للموقفين السعودي والمصري في عدائهما لسوريا التي " قتلت الحريري " ، وللمقاومة " المغامِرة " ، وكانا الداعميْن الأكبريْن لشن العدوان الصهيوني على لبنان ، ماديا ومعنويا وسياسيا .. ضمن ما سمي وقتذاك " محور الاعتدال العربي " الذي لم يكن ـ أيضا ـ له من اسمه أي نصيب ..
وقد سقط هذا المحور نهائيا حتى قبل انتصار الثورة المصرية على " عرّابه الأكبر " ، مثلما أسقِط هو ومشروع " الشرق الأوسخ الجديد " الأمريكي النشأة ، الصهيوني العقيدة ..
والنتيجة ، أن العدوان الصهيوني على لبنان ، فشل رغم تآمر العالم كله على المقاومة اللبنانية ..
وشكـّل الصهاينة لجنة فينو غراد ، لا للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الصهاينة في عدوانه ثلاثة وثلاثين يوما ، إنما للتحقيق في أسباب فشلهم واندحارهم وهزيمتهم أمام حفنة مقاتلين ، وفشلت أمريكا في فرض إرادتها على لبنان ، وسقطت حكومة السنيورة ، والبقية ليست خافية على أحد ..
5 ـ ثم ، وحين تحولت بوصلة الاتهام عن سورية إلى المقاومة اللبنانية ، استدارت " العربية البهلوانية " معها ، بلا وجل ولا حياء .. ووجدتها فرصة أخرى ، سانحة لها ، لتنال من جديد من المقاومة اللبنانية ، متناسقة أيضا ، مع الإعلام العبري في الانتقام من المقاومة بتوجيه تهمة اغتيال الحريري لها ، والظهور بمظهر البريء الذي ليس له مصلحة في كل ذلك !! ..
وماذا كانت النتيجة ؟؟ سأترك الجواب للقارئ الكريم ..
6 ـ وشمتت في سورية ، وشنـَّعت بها وعليها ، حكومة ونظاما وشعبا ، حين اعتدت إسرائيل على ما زعمت أنه " مفاعل نووي " في دير الزور ، وصارت القناة تتصيد أخبارًا من هنا وهناك ، وتستمطر لجان التفتيش الدولية لتبحث عن " أسلحة كيماوية ودمار شامل " وكادت تقول لهم : تعالوا فتشوا ، وأنا أدلكم عليها ، ولفـَّق محرروها أخبارًا أخرى ، بهدف التحريض العالمي على سورية ، والتهويل من برامجها النووية " المزعومة " .. دون أن تلتفت ـ إلا على استحياء وخجل ماجن ـ إلى ما يمتلكه الصهاينة من ترسانة نووية عصيَّةٍ على التفتيش الدولي ، وعلى المنظمات الدولية الأخرى المعنية ..
وهو نفس الكلام الذي لا يصدر إلا من الإعلام العبري والأمريكي ومن يدور في فلكهما ..
7 ـ ولم يكن موقفها من عدوان الصهاينة على غزة عام 2008 أفضل من مواقفها السابقة كلها ، إنسانيا أو وطنيا أو قوميا ..
فكانت قناة " العربية " بأخبارها وتغطيتها المنحازة كليا للعدو ، تتمنى لو تنام وتستيقظ ، فلا ترى أثرا لغزة ، كما كان يتمنى " رابين " رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق قبل أن " يغتاله حزب الله وحماس " ..
8 ـ لم تتخذ قناة " العربية " قبل الآن ، موقفا سلبيا من نظام " مبارك " تحديدا ، رغم امتلاكها كل المعطيات التي بثتها عن النظام في الأيام السابقة على سقوطه واللاحقة أيضا .. وقد بدا مما بثته لاحقا ، أنها تمتلك كمّا هائلا من المعلومات ، وليس أقلها حجم ثروة الفرعون الساقط ، وجغرافية توزعها ونوعيتها ...
فالنظام السوري ، بزعمها ، كله " عورات " ، بينما هناك كثير من الأنظمة العربية الأخرى ، تعيش حياة التعري الكامل والعهر السياسي العميل ، لكنها تتستر عليها ولا ترى من عهرها وتعرّيها شيئا .. إلا بعد سقوطها أو إسقاطها ..
فكل البرامج والأخبار والتقارير والتحقيقات الإعلامية الصادرة عن قناة " العربية " ، والتي تتناول فيها الأوضاع السورية ، إنما هي ذات وجهة نظر واحدة وحيدة ، تتصف بالتشفي والعدائية والتحريضية والانتقامية ..
وهي تفتقد للموضوعية والنزاهة التي حافظت عليها قنوات إخبارية أخرى كسبت قلوب وعقول المشاهد العربي عموما ، فهي ليست صديقة ، لكنها ليست معادية ، وهي ليست مداهنة ، لكنها ليست متسترة أيضا ..
تلك هي مسؤولية الكلمة والصورة ، وتلك هي العناوين الأخلاقية والمهنية المشرِّفة للإعلام ورسالته الحقيقية ..
الأربعاء ـ 16/02/2011
التعليقات (0)