غداة رحيل القوات الامريكيه عن العراق تبرز تحديات صعبه يكاد تجاوزها ان يكون ضربا من ضروب المستحيل ، في عراق غُيب فيه السنة وانشغل الكرد فيه بالاجنده القوميه والحلم التاريخي بالدوله وبين تعطش الشيعه الى السلطه والتعسكر حول المحور الطائفي.
ان اي موضوع يخص العراق والشان العراقي سيكون عرضة للتشعب والدخول في تفاصيل سرديه قد لايجد الكاتب مخرجا دون الخوض فيها. لذلك اود ان ابدأ باعتذار لابد منه ان بدا الموضوع مطولا او مشتتا بعض الشيء
ان مما لاشك فيه ان الاحزاب الشيعية تمتلك زمام الامور اليوم في العراق . وان ذات الاحزاب تسير وفق مايستوجبه الموقف الايراني-الشيعي-الاقليمي والذي يمكن ان يختصر في الاولوية الطائفية او المذهبية، والموقف من ممايجري في سوريا مثال حي على توافق وتبعية مواقف الحكومة العراقيه متمثلة بالمالكي والاحزاب الشيعية كالتيار الصدري والدعوة والمجلس الاعلى. وقد تكون محاولة ثني الشيعه في العراق عن تغيير هذه الاستراتيجيه مهمة شبه مستحيله وهم اللذين عانو الامرين على يد النظام السابق وان لم يكن جل الشيعة عرضة لظلم النظام السابق الا ان من العدل ان نعترف انهم كانو ضحية رئيسية من ضحايا البعث في العراق. كما ان الانقلاب الذي يقوده المالكي اليوم لايمكن تفسيره الا كونه انقلاب مذهبي اداته تهمٌ بارتكاب جرائم ارهاب بينما كان المالكي نفسه عراب غفران وعفوا غير مسبوق تجاه كل ما ارتكبته عصابات البعث التي تحكم في سوريا ومواقفها الداعمه لللارهاب المنظم ضد العراقيين سنة وشيعة. فاي الجرمين اعظم –هذا ان صح ضلوع الهاشمي في جريمة الارهاب-
ولن يكون من الغريب ايضا ان يكون موقف السنه العرب مختلفا كثيرا اواقل تشنجا عن موقف الشيعه في العراق فكلاهما يعيش مرحلة حياة او موت طائفية دخلت في حالة من التجاذب العنيف عصفت بكل مكونات الشعب العراقي . عليه فان ارتماء المناطق السنية في احضان اي قوة سنية اقليمية سيكون نتيجة حتميه. واستغلال القاعده او اي مجموعة ارهابيه ناشئة لنقطة الضعف هذه ، امر بديهي لايحتاج الى الكثير من التفكير او الذكاء السياسي .
وبينما التصقت تهم الارهاب -كما هو متوقع- بالسنه . دأبت الآله الاعلاميه التابعه للاحزاب الدينيه الشيعيه في التنصل واعلان البراءة من جرائم الميليشيات المسلحه التي خرجت من رحمها في ولادة لم تكن بالعسيره وهذا ماتجلى بعد المواقف الاخيره التي خرج بها التيار الصدري على العراقيين واعلان البرآءة مما الصق به من جرائم التصفيه المذهبية . كما ان الاجهزه الاعلاميه الرسميه العراقيه لعبت دورا فاعلا في تسويق هذه الدعاية منذ البدء بالصاق كل فعل اجرامي مسلح بالقاعدة والبعثيين والسلفيين والتكفيرين وصنعت قوالب جاهزة لتسقيط الخصوم في خانات مختلفه لكنها كلها تنتمي لمسمى واحد عنوانه السنه. فان نجوت من تهمة القاعدة والارهاب سقطت في خانة البعث وان حالفك الحظ ونجوت منها فانت لامحالة اما سلفي او تكفيري او ناصبي او من الايتام. قابل ذلك سياسة شرعنة كل ما هوخارج عن القانون فمن منح رتب عسكرية لكل منتمي للدعوة او المجلس الاعلى والى حقن الوزارات الامنيه بالمئات من الافراد الذين لايمتلكون ادنى درجات الحرفية في التعامل مع ملفات مهمة مثل الداخلية والجيش الى تسنم الكثير ممن لايمتلك الكفاءة العلميه والعملية لمناصب مهمه وحساسة في الدوله قابلها عمليات اغتيال وتصفية لعقول شملت السنه والكثير من الشيعه الليبراليين حتى وصلت الى الاعلاميين والشعراء. ترافق كل ذلك مع جهد ايراني في التقريب بين المكونات الشيعيه الرئيسية في الساحه العراقيه لتكون المواقف اكثر منهجيه وتكون استراتيجيه مذهبية واحده تصب كلها في مصلحة الهدف المذهبي
مما لاشك فيه ان سنة العراق -قبل شيعته - كانوا ضحية ممارسات متطرفي السنه الذين آوو القاعده او انخرطوا في تنظيمات مسلحه دخلت في زوبعة الاقتتال الطائفي ومسلسل الثارات والانتقامات والارهاب الممتد على مدى السنوات الثمان التي تلت احتلال العراق او تحريره. وكنتيجة حتميه اصبحوا –اي السنة- ايضا ضحية سياسات قاتله بدات بقرارهم المميت في عدم خوض الانتخابات الاولى بعد الاجتياح الامريكي ، تلاها تخبطا في الرؤية والفشل في اختيار قيادات تعي حجم المرحلة وثقل المسؤولية التي تقع على عاتقها. والبعد الثالث الذي كان السنة ضحية لها هو تعسكر الاحزاب الشيعيه حول رؤيه واستراتيجيه واحده هدفها واضح وهو السلطه في العراق ومن ثم رسم سياسة واضحه مدعومه من قبل المرجعيات الدينيه التي لم تختلف رؤيتها عن رؤية الاحزاب التابعة لها بينما ضاعت رؤية السنه بين تخبط القيادات السنيه في اختراع تعريفات لعمليات العنف التي استهدفت الجيش الامريكي وكافة مكونات الشعب العراقي. وافرزت حاله من الانقسام في الشارع السني نتج عنه انعزال سلبي اثر على توازن القوى في الوسط العراقي الجغرافي وهزيمة امام آله اعلاميه طائفية شيعيه وحكومية امريكية سوقت بشكل كبير لنمط واحد من السنه. الا وهو النمط الذي يضمن بقاء الائتلاف الشيعي في السلطه ويضمن تخويف الشارع الشيعي من الماضي الذي عاني منه الشيعة كما عانت منه كافة مكونات الشعب العراقي الا وهو البعث ممثلا في السنة علما ان البعث كان محصلة الطائفتين ولم يكن حصرا على السنة فقط.
وبالرغم من دأب المرجعية الشيعية في النأي عن نفسها عن القرار السياسي في العراق، الا ان انخراط المرجعية وتاثيرها في القرار السياسي لايخفى على احد. فمن دعم للقوائم الانتخابيه الشيعية الى الفتاوى الغامضه التي كانت اشبه ماتكون بالتصريحات الصحفيه التي يدلي بيها الدبلوماسين عند اشتداد الازمات كل ذلك ترك كل الابواب مفتوحة للقتل والانتقام وهذا ماحدث على سبيل المثال بعد احداث تفجير المرقدين في سامراء.
اما من الناحية العملية فان اجتثاث البعث كان اجتثاثا للسنه من الجيش والموسسات الامنيه عزل السنة عزلا تاما عن مواقع التاثير ونقاط القوه وقد تجلى هذا واضحا في انصياع القوى الامنيه المؤلفة حديثا للامر الشيعي المتمثل في المالكي دون سواه. ان ماحدث من عملية بناء جيش طائفي وشرطه واجهزة امن تدين بالولاء للمذهب دون الوطن جعل من العراق مشروعا نافذا لاقتتال طائفي سيستمر لعقود قد يكون التقسيم نتيجه نهائيا وحلا لابد منه في نهاية الامر وهذا قد يكون ايضا مبررا لدى كل اطياف اللون العراقي. فالشيعة لن تتاثر بالانقسام بوجود قوة اقليميه مثل ايران وتوفرثروات النفط والغاز. والسنة لن يجدوا انفسهم متفردين في مواجة معسكر وقوة اقليميه شيعيه كون الشرق الاوسط كله متربع على صفيح طائفي ساخن. اما الكرد فلن يجدوا ملاذا سوى الذوبان في حلف استراتيجي مع احدى القوى السياسية الثلاث. العرب السنه. ايران او تركيا. وسيكون الكرد هم الخاسر الاكبر في حال انقسام العراق وفي حال غياب دعم دولي واممي للمكون الكردي في العراق .
ان الواقع العراقي اليوم يحتاج الى مئات الصفحات لكي نتمكن من نرسم هذا الواقع بشكل اوضح ولكي نتمكن من رسم صورة اليوم ولما يمكن ان يكون عليه الحال في المستقبل القريب. لا لتشعب المشكلة في العراق وانما لتشخيص حجم الدمار الذي لحق بالعراق ولما سيلحق به من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ان عراقا بهذا التشعبات الطائفية والعرقية وبهذا الموقع المهم في الشرق الاوسط كان ليعيش برفاهية وتقدم لو حالفه الحظ بقيادات تعي حجم التحدي في ادارة شؤون دولة بهذا التعقيد وبنفس الوقت وفرة في المصادر وبنى تحتيه كانت لتمهد لدخول مرحله يكون شعارها الرياده للعراق في المنطقه. وان ادارة هذا العراق بالصورة التي تتم بها اليوم وتولي شخصيات لاتمت الى الادارة والقيادة السياسية باي صلة ولا تتبنى الموقف الوطني كموقف ورؤية استراتيجيه واضحه ، لن تتمكن من الوصل به الى بر الامان.
فالمالكي لم ينتظر الا سويعات قليله بعد الانسحاب الامريكي من العراق ليكشر عن انيابه ويكشف عن وجهه الحقيقي وحقيقة النظام الذي كان يحكم العراق من نيسان 2003. النظام الهش القائم على الكراهيه والتوافق المفروض من قوى خارجيه ما ان غابت لساعات حتى انكشفت هشاشة هذا التوافق وانكشفت معه كل الاسباب التي ضيعت ثروات ومقدرات هذا البلد للسنوات الثمانيه المنصرمه.
اما بالنسبة للقيادة الكوردية فرؤيتي للمستقبل الكوردي لاتحمل الكثير من التفائل. ان نهم المالكي وانسياقه للمطلب الايراني وضيق الافق الطائفي والقومي في العراق يجعل من مستقبل العلاقه الكورديه مع الطرفين المتحاربين اليوم علاقه هي الاخرى غير واضحة المعالم وان مستقبلها لن يكون اقل خطورة مما هي عليه اليوم. فيكفي تمكن اي الطرفين من الاطراف سنية او شيعيه من السلطة والاخذ بزمام الامور واستتباب الامر لاي طرف من الطرفين ليكون الكورد واقليم كوردستان هو الهدف الثاني في المخطط ولانحتاج الى التذكير بان الاطراف الاقليميه ستقوم بتوفير الغطاء الاقليمي وربما الدولي لنحر مشروع كوردستان الاقليم قبل الدولة.
ان انقلاب المالكي على مبدء التوافق وشركاء الحكم في مثل هذه الظروف لايحتمل الا عنوانين لاثالث لهما: الاول "غباء سياسي" والثاني "تصفية للخصم الطائفي" وعلى الكرد ان ينتبهوا الى هذا التحول الخطير
ان عراقا مستقبليا قائما على احترام مكونات الشعب العراقي ككل ويتمتع بتساوي الفرص والشراكه في صناعة القرار وقيادة سياسية ملتزمه بهذه المباديء ستشكل حجر الزاويه لاستمرار العراق ضمن حدوده الجغرافية والسياسية الحاليه التزاما مبدئيا في محاولة توصف بانها الاختبار الاخير والفرصه التي يجب ان لاتضييع.
التعليقات (0)