يمكن للشعوب أن تمارس الإستبداد والدكتاتورية ، وهي الخصائص التي ترفض وجودها لدى أنظمة الحكم وقد كانت تلك الخصائص من الأسباب التي دفعتها الى الثورة على تلك الأنظمة كما شهدنا في سياق ما يسمى الربيع العربي ، بحيث تكون الأنظمة السياسية موضع ممارسة تلك الدكتاتورية والاستبداد .
عندما تصر الشعوب على المطالبة بإصلاح النظام السياسي القائم وتعلن تمسكها بذلك النظام الفاسد و ترفض رفع شعار إسقاط النظام يتحقق ما يمكن وصفه بالإستبداد الشعبي . فقد يكون النظام الفاسد والقمعي غير قابل للإصلاح ، حتى وإن حاول القائمون على ذلك النظام الإستجابة للضغوط الشعبية وتحقيق الإصلاح المطلوب ، فلن يتمكنوا من ذلك لأن الفساد يشكل جزء أساسي من بنية ذلك النظام بحيث لا يمكن إزالة ذلك الفساد إلا عبر إسقاط النظام .
وقد تشهد المراحل التالية لتقديم بعض الإصلاحات انتكاسة تتمثل بالتراجع عن تلك الإصلاحات ، بحيث يستعيد النظام خصائص الفساد والقمع وغياب الديمقراطية التي تشكل خصائص أصيلة في بنية ذلك النظام . وتلك الحالة تحققت ويمكن للأشخاص الذين لم يتعرضوا الى فقدان الذاكرة إستعادة العديد من الأمثلة والحالات التي شهدت إنتكاسة وإنقلابا على الإصلاحات التي قد يتعايش معها النظام السياسي لبعض الوقت إستجابة للضغوط ليعاود التخلص منها وإستعادة خصائصه السابقة في أقرب فرصة تالية.
الحالة الأخيرة كنا قد شهدناها في الأردن في العام 1956 وتكررت في المرحلة التالية لإصلاحات نهاية عقد الثمانينيات والتي تم التراجع عنها بعد أعوام قليلة ليستعيد النظام خصائصه السابقة دون إعلان حالة الأحكام العرفية رغم إستعادة جميع خصائص الحكم العرفي التي تشكل خصائص أصيلة ضمن بنية النظام .
قد لا يتمكن الديكتاتور والفاسد من قبول الإصلاح والتعايش معه والتخلي عن الفساد ، وقد لا يتقبل النظام الفاسد التخلي بشكل دائم عن فساده ،مما قد يجعل إستمرار الشعوب بالمطالبة بالاصلاح عملية إستبداد لا تحترم حرية الفاسد في التمسك بفساده .وقد يكون من الضروري عدم تغييب خيار إسقاط النظام ، الذي تشكل المطالبات بالإصلاح مطالبة بإسقاط خصائصه الإصيلة التي لا يمكن للنظام التعايش مع فقدانها .
المطالبة بإسقاط النظام ، بعد التحقق من إستعصاء إصلاحه ، قد تشكل رصاصة الرحمة التي يتم إطلاقها على ذلك النظام وتشكل إحتراما لتمسكه بخصائصه الأصيلة . ويمكن أن يتبع ذلك مكرمة شعبية تتمثل بتقديم حصانة من المحاكمة عن الأخطاء السابقة للنظام ، بينما لا يشكل تغييب خيار إسقاط النظام مكرمة شعبية بل مجرد إستبداد ودكتاتورية شعبية لا تحترم الخصائص الأصيلة لدى النظام الفاسد.
التعليقات (0)