تركيا لا تكلّ من طَرْق بوابات الاتحاد الأوروبي وتستجيب بمرونة فائقة لكل المواصفات والشروط التي تؤهلها لنيل العضوية، وبالمقابل لا تتردد أوروبا في مراكمة العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الحلم التركي المزمن، وما يقال عن أسباب ذلك، ليس سوى الجزء الناتئ من جبل الجليد، وهناك وراء الكواليس حسابات أوروبية تتعلّق بالنسيج الديموغرافي للقارة التي وصفها رامسفيلد بالعجوز وتصف نفسها بالحيوية، إضافة إلى البعد الأيديولوجي في هذه المعادلة الصعبة، فالخشية الأوروبية هي من الأسلمة وليست من التتريك، رغم أن هناك أحياء كاملة في مدن أوروبية وبالتحديد في ألمانيا، تبدو كما لو أنها أجزاء مهاجرة من اسطنبول وإزمير وأنقرة.
إن هاجس الأوربة لم يكن حكراً على تركيا، ففي مطالع القرن العشرين ظهرت دعوات في مصر من أجل أوربتها، لأن ذلك كما قال العديد من مفكريها وفي مقدمتهم طه حسين، السبيل الوحيد للتحديث والعصرنة ووداع التخلّف. لكن مشروع أوربة مصر حوصر بعوامل موضوعية حالت دون تصاعده، بينما استمرت تركيا في طرق الأبواب على اختلاف نظم الحكم فيها وشجعها على ذلك إضافة إلى الجغرافيا، انضمامها إلى حلف (الناتو) عام 1951 بموجب مادة استثنائية في دستور الحلف.
أوروبا من خلال أبرز قادتها تصرّ على أن أوربة تركيا يجب ألا تكون مدرجة في أية أجندة سياسية، أو هذا على الأقل ما قالته المستشارة ميركل عندما استدعي السفير التركي في بلادها لإبلاغه بذلك .
وقد تكون الأوربة بالفعل ذات بعدين أو وجهين، أحدهما حضاري ثقافي والآخر سياسي، فالأوربة حضارياً هي احتذاء نموذج في التمدن والتصنيع وقوننة الحياة بمختلف مجالاتها، لكن تسييس هذا المطلب هو المشكلة، فأوروبا لا تعارض من يحاولون التماهي معها وتقليدها وعلى العكس من ذلك، فهي تريد هذا الاحتذاء، وتكرّس له مراكز أبحاث وملحقيات ثقافية، وتنفق الكثير من أجل ذلك، كما هو الحال في الحراك المزدوج للفرانكفونية سياسياً وثقافياً .
ويجب ألا يغيب عنا أن أحداث هذا القرن التي دشّنها زلزال مانهاتن وما أعقبه من تردّدات عزّزت المواقف الأوروبية المتجهة إلى الانكفاء، وغذّت ظاهرة “الإسلاموفوبياً” هذا التوجه تجنّباً للعنف، وتسلّل فيروسات الإرهاب، كما يقول الأوروبيون، إلى القارة، لكن الرفض المتجدد في كل المناسبات لنيل تركيا عضوية النادي الأشقر، كان له بعد إيجابي يتجاوز ما يسمى العرض الجانبي لهذا الرفض، هو تطور الكثير من مجالات الحياة في تركيا، في أثناء السعي إلى تقديم مشاهد صناعية وثقافية وتجارية للبرهنة الميدانية على استحقاق العضوية.الأوربة والتتريك طرفا معادلة عسيرة على الحل، خصوصاً حين تصر أوروبا على أن الأوربة أمر يقع خارج السياسة وسجالاتها.
مقالات للكاتب خيري منصور
التعليقات (0)