إن العالم لفي موعد مع الموت....يقبل اقبال الافعى على فريستها...
نتسائل... ربما اليوم و ربما غدا...
ترى، هل يموت الحسون في عشه و تموت ترانيمه في قلبه؟ أتمشي االانسانية حزينة في جنازة مستديمة ترثي ما اقترفته يداها؟
ترى أتنبت الريحانة في بحر الجماجم مهترئة يقتتي منها الدود؟ هل ستقفر القرى و المدن و يختفي منها شعاع الشمس الدافئ؟ هل ستبني الغربان بيوتها على شبابيك الاكواخ المخلعة؟
ترى، افي الغد مع شدى العصافير تدمدم المدافع و ينهمر الرصاص مطرا؟ و مع نسمات الاثير تهب الزاوابع الحمراء؟ و مع الندى المتساقط تراق الدماء؟ و مع انبثاق البرعمة من أديم الرض يدلهم وجه الافق بالعويل و النواح؟
ترى، أيصدق النبأ فيكون عالمنا في غد على موعد مع الموت؟ فيكون على موعد مع القدر المحتوم، على موعد مع الدم؟
أجل... إن الإنسانية لفي موعد مع الدم...
موعد حجزته لاجلها نظرات حقيرة و مشاعر وضيعة جاءت من كل حدب و صوب، جاءت من ينبوع الكراهية، ينبوع سام سم العقرب و الثعبان، يتدفق من ثنايا كل قلب جاف حاملا معه زوابع من البغض و العداء، هدا القلب المزروع في كل نفس بشرية تحمل من لواعج الحقد و المقت ماقد يحبب للمرء صورة الموت و يكرهه وجه الحياة...
إن البشرية لفي موعد مع الدم...
... فلتكن مناحة في كل بيت بين كل زقاق لا تنتهي منعطفاته يحتمي في ظلمات الجحيم تتصاعد منه أنفس الموت و تختبأ بين طي ظلماته أبشع صور الحياة...
ترى، أيحتسي المرء من جرعة الموت، من جرعة سم القلوب القاتل، سم شرد...و يتم... و قتل... و أفنى الحياة من على وجه الأرض.
مند بدء البشرية و ظلام الليا يخيم على قلوبنا فيحب عنها نور السكينة و السلام و المحبة الطاهرة، ادن متى ينقضي هدا الغسق، متى يجيء الفجر؟
عواصف الكراهية تتسارع ملعلعة من أعالي الجبال لتبث الرعب في قلوب الأبرياء حاملة معها الحروب و المآسي لتخزنها في كل زاوية من زوايا البيوت، فترتعش لهولها الأرواح و تخر أمامها الأجساد و تتململ لمجيئها الأرض و بين هدا و داك يكتب الموت على أديمها أسطرا مبهمة غامضة ثم يمحوها.
آه، ما أغرب هدا الدهر و ماأغرب أحوالنا، فقد تغير هدا الدهر و غيرنا.
قد كنا بالأمس نهوى الدهر الدهر و نحبه بل أدركنا أسراره و خفاياه و فهمنا مقاصده و سجاياه، فأصبحنا اليوم نشكوه و نخشاه.
كنا بالأمس نجلس بين مجامر البخور و أكواب الخمور و باقات الأزهار، فأصبحنا اليوم نحتسي مدام الحياة ممزوجا بالمرارة و الدماء.
بالأمس كنا نتناول المن صافيا من خير السماء و اليم أصبحنا نرتشفه ممزوجا بالدموع و الاشواك معطرا بأنفس الموت.
بالأمس، كنا لا ننحني إلا للحق و لانتبع سوى جمال الروح و لانطيع سوى صبابتها و اليوم أصبحنا نخر بأجسادها أمام الجبار و السلاطين.
بالأمس كنا لا نصغي إلا لنغمة الربيع و ما يجلبه من جدل لقلوبنا و لانتململ إلا مع العواصف العاتية و اليوم صرنا نخضع للملوك الظالمين و نخشع أمام العرافين و نهيب التحديق الى الكهان فيلوي رقابنا النسيم و يعاملنا الجبار كالبهيم.
بالأمس كنا نعبد اله واحد فصرنا اليوم نعبد ما خلقته أيدينا الآثمة.
بالأمس كنا ندعي أننا أخضنا ما أسمينا المادة و نلاعبها فتلعب كما نشاء و نداعبها فتضحك و نقودها وراءنا فتنقاد و اليوم قد قادتنا هي الى مكامن الجحيم ثملة من خل الحياة الدي أسقيناها إياه تتلوى بنا يمنة و يسارا...
كنا صوتا ملعلعا ترتجف لسماعه اعماق الفضاء فأصبحنافكرا مختبئا كتب في مقدمته دكرى للنسيان.
كنا نارا متقدة دات شرارة عظيمة فوق ثرى الاودية و الجبال فصرنا شرارة ضئيلة في مواقد الموت مكتنفة برماد الزرال.
و كم سهرنا الليالي تحت فضاء النجوم المتلئلئة متوسدين التراب الندي و حونا تحوم أخيلة السكينة و الهدوء مبتسمين بثغور تضارع ياسمينة البستان ، وكم صرفنا أيامنا نحوم في سماوات الحب و الهناء مسامرين أحلامنا، مساهرين أفكارنا، معانقين أرواحنا محدقين الى نور الفجر المرصع باشعة الشمس مصغين الى ترنيمة الحسون و خرير السواقي و تاوهات النسيم بين الازهار.
تلك أيام قد انزلقت واحدة بعد أخرى كحبات السبحة او كقطرات الندى فوق بتلات الزهور، كل دلك كان بالامس و الأمس دكرى لا تعود، أما اليوم و قد خيم دجى الموت على أرواحنا و سكن ظلام الليل بيوتنا، فصرنا ندب حدرين كاشباح مرتعشة بين اهوال الليل البهيم... و الشتاء لا ينتهي، اسرتنا من قش ناتحف الثلوج الباردة، مفاصل يابسة كأغصان الأشجار بعد انتهاء العاصفة، و جوع و خوف قاتل قد انتزع قوانا مثلما ينتزع القوي اللقمة من فاه الضعيف، صرفنا أياما و أياما راضبين كالنعاج الخائفة فلا راعي لها و لاعشب تقتات منه، نقضم أنامل أفكارنا، و نلوك فتات عواطفنا، فتظل قلوبنا جائعة و أنين الصمت يختبا في زوايا أرواحنا فيكبلها بقيود من العبودية العوجاء و كم قضينا من وقت نائحين على زمن دابل حملته رياح الأبدية الى حيث العدم، مشتاقين الى من لا نعرفه محدقين الى فضاء مظلم بارد لا تسمع منه إلا أنين سكون و عدم.
ها قد كنا بالأمس و صرنا اليوم، على موعد مع الموت...
بين الأمس و اليوم قد سار الدهر و سيرنا و أعطانا من خيراته ما لاتمنيناه، فانغمسنا في شهواتنا و أفرطنا من ميولنا، و ادعينا أننا أبناء للآلهة و الآلهة لا توجد المخطئين أصحاب القلوب الجائعة و الميول القبيحة، ادعينا اننا أحرار بإرادتنا، فنفينا شبح الحرية الى شاطئ العدم، و قتلنا أبنائه واحدا واحدا...
... أما اسم الخيال الدي أحبته قلوبنا و لدي جلب لنا كل هدا فهو الحياة...
أجل، هده الحياة المقفرة التي جعلتنا عبيدا تحت أقدامها و قتلتنا بخيراتها و أسكرت قلوبنا بخمورها و خلها، فأعمت أبصارنا عن نور الحقيقة...
فالحياة خيال ساحر من حكايا الزمن، استهوى قلوبنا و استغوى أرواحنا و غمرنا بالوعود المزيفة.
الحياة خيال يصفق بأجنهته فوق رؤوسنا فيرشف قطرات دموعنا و يتعطر بدماء قتلانا.
الحياة خيال قبيح من الداخل، و لكنه جميل من الخارج و من ير قبحه يكره جماله...
أجل...
فالبشرية على موعد مع الموت لانها عرفت قبح الحياة و تجاهلته..
اذن... فلتدق سم خطيئتها...
التعليقات (0)