مواضيع اليوم

بين الأمس واليوم... هنا وهناك

حنان بكير

2010-10-25 12:59:13

0

في الصيف الذي غادرنا قبل فترة قصيرة، راعني مشهد على احدى الفضائيات. كان المشهد لامرأة عراقية، تدثرت بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها، ليس هذا موضوعي وان كنت من معارضي هذا الرداء/ الزنزانة.. كانت المرأة تنبش في تلة من القمامة، ربما كانت تبحث عن شيء يؤكل أو يمكن أن يستفاد منه من خردة أو ما أشبه.
هذا المشهد ألفناه خلال الحرب اللبنانية، في البداية صعقنا، لكنه أصبح مألوفا بعد حين.. أما لماذا أثرت بي تلك المرأة البغدادية فلا أدري، ليس فقط بسبب عشقي للعراق وحده.. لكني ربما تذكرت ما كتبه المستشرق ميشيل كريكتون عن بغداد الأمس " ... كانت بغداد مدينة السلام في القرن العاشر، أكثر مدن الكرة الأرضية حضارة، وقد عاش بين جدرانها الدائرية الشهيرة أكثر من مليون مواطن. كانت بغداد مركز التأثير التجاري والفكري، في محيط سام من رغد العيش والأناقة والفخامة. لقد كان فيها حدائق معطرة وأشجار وارفة الظلال، وثروة متراكمة تعود لامبراطورية شاسعة. لقد كان عرب بغداد مسلمين، وقفوا أنفسهم بشدة لهذا الدين. ولكنهم كانوا منفتحين على شعوب تختلف عنهم في المظهر والمسلك والعقيدة. وفي الواقع كان العرب في ذلك الزمان أقل الشعوب اقليمية، وهذا ما جعلهم شهودا أفذاذا للثقافات الأجنبية"
لا أخال ان النسوة كن ينبشن في تلال القمامة في ذلك الزمان.. ولا كان الانتماء الديني أو الطائفي لعنة على أصحابه.
تلك المرأة التي ما زالت تجرح روحي كلما استذكرتها، هي من مدينة تعوم على بحر من الذهب الأسود! النرويج ليس أكثر غنى في البترول والموارد الطبيعية من العراق.. . لكن الدولة هنا، أي في النرويج، تسخّر كل الطاقات والثروات لراحة وسعادة مواطنيها والفارّين اليها، من ظلم أنظمتهم وتفقيرها لهم وتركهم بلا سند ولا نظام اجتماعي يحفظ كرامتهم!
كانت المرأة، كما قدّرت من مشيتها وحركتها، انها تسير في خريف عمرها.. فلو كانت مواطنة نرويجية، وغير قادرة على العمل، فانها ستحصل على تقاعد مرضي، يؤمن لها شقة تناسبها، فان كانت معاقة، سوف تجهز لها شقة ابوابها واسعة تسمح بمرور الكرسي المتحرك منه، وقد تكون أبواب الشقة تفتح بجهاز التحكم البعيد"الروموت كونترول". وسوف تحضر امرأة لتنظيف البيت. وفي حالة المرض الشديد ما عليها الا أن تطلب الطوارىء، وفي فترة وجيزة، تقدم لها الاسعافات أو النقل للمستشفى. ويمكنها الحصول على بطاقة سنويّة، تؤهلها لاستعمال التاكسي بكرونات رمزيّة! ناهيك عن البرامج والرحلات والحفلات التي تقام لهم.. أحد مواطني تلك المرأة البغدادية، والذي عاش في النرويج، لم يعامل فقط كمواطن نرويجي في فترة مرضه، بل انهم أبقوه في بيته، عندما دمعت عيناه بعد أن اتخذ قرار نقله الى دار المسنين،
فكان أن أرسلوا له ممرضة وامرأة تقوم بتنظيف البيت، بعد أن أدركوا، ما تعنيه دور المسنين في بلادنا! هنا وهناك بلدان يتساويان في الثروة، ولا يتساويان في عدالة توزيعها.. ولا نخجل من ادّعاء تميزنا، الديني والأخلاقي والتربوي عليهم.. هنا بلاد المؤمنين الصالحين وهناك بلاد الكفر والانحلال

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !