في الصفحة الألف بعد المئة من كتابه "المقدمة" يسجل بن خلدون المؤرخ العربي ومؤسس علم الاجتماع تفاصيل رحلته المثيرة إلى بيشة فيقول :
في القرن الخامس عشر بعد الهجرة المحمدية ، وفي الألفية الثالثة الميلادية ، دخلت ديار بيشة الفيحاء قادما من الديار المقدسة ، عبر طريق ضيق أنشأته شركة "تدعى" شركة اسمنت الجنوبية لخدمت ناقلات منتجاتها الأسمنتية ، وحينما بلغت مكانا يسمى " الجعبة " وجدت به قوما يسكنون الهجر المتناثرة على ضفاف وادي رنية ، وهي هجر لا يحرمها من الخدمات العامة إلا وقوعها ( خارج النطاق العمراني ) كما يقول سكانها في سندهم عن معجم المسؤولين عن تلك الخدمات إلا أن ذلك لا يمنعهم من ( الرؤيا في المنام ) فقد حدثني أحدهم ، وكان شيخا وقورا ، وقال :
رأيت فيما يرى النائم ، ولم أكن بما رأيت شقيا .. رأيت أفواجا من المسافرين ، آيبون وذاهبون ، يعبرون طريقا مزدوجا بمسارين في كل اتجاه ، وجزيرة مُضاءة بطول لا تتجاوز مساحته مساحة أصغر حي من أحياء الأردن الشقيق . فتتبعت هذا الطريق الذي يربط بيشة بالباحة مرورا بهجرتنا فوجدته يبدو منتزعا من (كرش) كبيرة أصابتها تخمة شديدة فألقي به في هذه الديار .. وقال :
نحن قوم لا يضجر مضاجعنا إلا زيارة ذلك الشيخ الذي ذاع صيته في ديارنا لعلاج مرضانا ، فهو المعالج الذي تُشد له الرحال من كل فج "مفجوجا" ، ولكنه ورغم "البعد" ومشقة السفر لا يستقبل سوى 150 حالة في اليوم الواحد وبسعر لا يتجاوز الـ 150 ريالا للكشف على المريض الواحد مع مجانية الزيت المقرئ فيه والمنفوث فيه ، فنضطر للمبيت بالقرب منه ليالي مكلفة .
وفي الصفحة العاشرة بعد الألف من كتابه يسجل بن خلدون تفاصيل رحلته المثيرة إلى بيشة فيقول :
ودعت محدثي ، وتركته مع أحلامه وآماله ، وعبرت ذلك الطريق
(المرقع ، ولا يزال العمل بالترقيع جاريا ) متوكلا على الله ، و متحملا مشقة تسجيل ضحاياه للتاريخ ، وكان ذلك على صفحة لم تستوعبها "مقدمتي" ، فدخلت ديار تبالة والثنية ، لكن من غير مدخل الحجاج بن يوسف الثقفي ! وكان أول ما يلفت الانتباه في بلدة الثنية تلك الزيارة في أسعار المواد الغذائية بنسبة تقدر بـ(20%) عن ما هي عليه الأسعار في مواقع أخرى ، وهي زيادة تتحكم بها قبيلة تدعى قبيلة ( آل بنقال ) دون حسيب أو رقيب ، وعند منتصف بلدة الثنية وجدت شارعا مزدوجا ، فضننت الحال تغير عما وجدها عليه الحجاج ، إلا أن الشارع توقف عند "رصتين من العشش" في ترابط ملفت للنظر ، وكأني أقف أمام " لوحة سريالية" ، فتوجهت لجمع من خبراء البلدة ، ففهمت من حديثهم أن تلك العشش التي توقفت عندها توسعة الشارع الرئيس ما هي إلا سوق الثلاثاء الأثري وهي "أضلة" بنيت من سعف النخيل وحشيت جوانبها بهشيم القش ، وقد توقف عندها الشارع مراعاة لحالها المزري ومنظرها ( الجمالي البديع ) ولكي لا يتجاوزها التاريخ !! .
وقال الخبراء وهم بصدد الحديث عن التراث والآثار : لن تكون عشش السوق الوحيد هي فقط ما يقف في وجه الشارع الوحيد بل موطأ قدم الفيل العجيب الذي حمل أبرهة النجاشي إلى مكة هو ما ظهر حديثا وكأنه يطير من مكان لآخر ليوقف عجلة التاريخ عند آثار موطأ قدمه التي لا يراها إلا من وهبه الله القدرة على تفسير الأحلام ويسمى في لغة العرب ( المعبر ) ! وفوق هذا وذاك : وجدت قوما لا يزيد سعي نشطاءهم عن (معروض) يطلب فيه بشتا أو وظيفة أو تعديل لمسمى نائب إلى شيخ قبيلة أو معونة خاصة لحفر بئر وإضافة (ماصورة) ! ..
وفي الصفحة العاشرة بعد الألف من كتابه يسجل بن خلدون تفاصيل رحلته المثيرة إلى بيشة فيقول :
ودعت خبراء الثنية وسلكت طريقا يسمى طريق الموت متوجها إلى مدينة بيشة ، وهناك : توجهت لجمع من خبرائها فكان مما حدثني به أحدهم قوله : هنا شيئان حرم رجال الدين نقدهما .. حال الخدمات ومستشفى الملك عبد الله قياسا على تحريم الإسلام ضرب الميت !! .
ثم استدرك قائلا : إلا مجلسنا البلدي (المنتخب) الجميل .. الأول ،
والثاني الذي نوشك على الانتهاء من مراسم انتخابه فهما إضافة جميلة ( لما سبق ) .. !!
وفي الصفحة الألف بعد المئة من كتابه يسجل بن خلدون تفاصيل رحلته المثيرة إلى بيشة فيقول :
لم أكن أتوقع أن أجد ما سبقني من التاريخ حاضرا أمامي في هذا العصر ، ولا أعلم من سيهجو المتنبيء أن عاد به الزمن إلى هذه الديار ، لكنه وفي سياق تنبؤاته وتطلعاته المثيرة ، تنبأ في إحدى "مخطوطاته" ببيشة المنطقة الرابعة عشرة في عهد الزعيم العربي الكبير الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ...
تركي سليم الأكلبي
التعليقات (0)