أظنك تعرف هذا المصطلح (المنزل الآمن)، غالباً سمعته في فيلم عن المخابرات، أو قرأته في رواية، لكن يبقي أن هذا المصطلح يُستخدم في عالم المخابرات والتجسس لتعريف منزل (أو مكان) برئ المظهر، بعيد عن الشكوك والشبهات، يتم استئجاره أو امتلاكه، بواسطة جهاز مخابرات ما؛ لإدارة ما يتعلَّق بعملية بعينها، أو بعدة عمليات، أو للقيام بمهام سرية خاصة، تحتاج إلي التخفّي والأمان التام، إلي الغموض الشديد، أو كوسيلة للقاء أو إخفاء عميل سري، بعيداً عن عيون الخصم..، الغريب أن هذه الفكرة التي اعتمدتها أجهزة المخابرات نقلتها أجهزة الأمن السياسي في دول العالم الثالث، ولعل مصر من مخترعي هذا التحول الذي نقلت معه البيت الآمن من عالم وحياة التجسس إلي دوائر الموالاة والتأييد للحكومة ونظام الحكم، من خلال اختيار وزرع شخصيات من هذه الأجهزة الأمنية والسياسية أو متعاونة معها أو عميلة لديها بشكل مخفي وسري في بيوت آمنة، البيوت الآمنة هنا بالمعني السياسي، هي تلك التنظيمات والأحزاب والصحف غير المحسوبة علي الدولة، وهي مستقلة أو معارضة، وتستخدم الأجهزة كذلك وسيلة أخري من وسائل المخابرات وهي العميل النائم، والعميل النائم هو الرجل الذي يعمل لحساب هذه الأجهزة، ولكنه لا يقوم بأي نشاط علي الإطلاق، ولا يتلقي أي أوامر من اللي مشغلينه ويكتفي بتثبيت مكانه، وتعميق علاقاته الطبيعية مع البشر، وتلميع صورته حتي تأتي اللحظة التي يحتاجون فيها إليه ولو بعد سنة أو عشر سنوات فيأمرونه بالتحرك والقيام بمهمة فيفعلها فوراً، هناك عشرات من هؤلاء العملاء النائمين والبيوت الآمنة في مصر وغيرها، حيث يأمن لهم المواطن ويتعامل معهم باعتبارهم مستقلين أو معارضين بعيدين عن يد الدولة ووسائلها وأهدافها، بينما هذه الشخصيات التي تم زرعها كقيادات في هذه الأحزاب أو أعضاء فاعلين أو أفراد هامشيين إنما يأتمرون بأمر الأجهزة الأمنية ويعملون وفق تعليماتها وهم الذين يقومون بالانشقاقات مثلاً داخل الأحزاب والانقلابات علي بعض فصائلها وقياداتها، وهم المنوط بهم مدح الحكومة والدفاع عنها في مواقف معينة حتي تتاجر الحكومة برضاهم وموافقتهم كنماذج للمعارضة أمام الأجانب، ومن هنا تري بعضاً من هؤلاء رافضاً سياسة الدولة، ونافراً عروقه، ورافعاً صوته أحياناً ضد المسئول فلان وعلان، وكل هذا ضمن مخطط تأمين دور السيد المعارض أو المستقل للقيام بالدور المطلوب منه في الوقت المحدد له، و كما تختلف طبيعة المنازل الآمنة في عالم التجسس من مكان إلي آخر وفقاً للموقع، ولطبيعة الشخص الذي سيتم استقباله فيه، أو الأعمال التي ستدار داخله، إذ قد يكون مجرَّد شقة صغيرة من حجرة واحدة، في حي شعبي بسيط، أو فيلا بالغة الأناقة، فاخرة الأثاث، أو من الفنادق ذات الخمسة نجوم، في أرقي أحياء العاصمة..وفي بعض الأحيان، يكون هناك أكثر من منزل آمن، في المكان الواحد، أو ربما في المنطقة الواحدة أيضاً، بحيث يكون بعضها ملاذاً احتياطياً للبعض الآخر، أو تكوِّن فيما بينها شبكة لحماية بعضها البعض، أو لتأمين كل الزوايا الصالحة، للتنصُّت أو المراقبة..فإنها هي بالضبط في عالم السياسة والأحزاب والتنظيمات والصحف، فلكل بيت آمن طبيعة ومهمة وميزة مختلفة، ولكل بيت مكانة، ولكل نائم مكان، فالموجود في بيت حزبي معارض يمكنه قيادة الحزب عندما يطلبون منه أو يعمل علي تدمير الحزب وقت اللزوم والذي يتواجد في تنظيم يساري يمكنه تفجير الخلافات فيه أو فضحه أو كشفه أو إدارته لتوجهات يريدها. والعميل النائم في البيت الآمن مثل التنظيم الديني قد يكون دوره مقصوراً علي تحديد الأولويات الخاطئة والأهداف الهامشية أو تشويه صورة التنظيم إو إذاعة أسراره، مما يمنح كلامه مصداقية المنتمي للداخل وليس المعادي من الخارج، وفي عالم الصحافة تتعثر طول الوقت في بيوت آمنة وفي شخصيات مزروعة، حتي تعتقد أن وزارة الداخلية قد انتزعت اختصاص وزارة الزراعة!
التعليقات (0)